مقالات مختارة

سورية: تبعية أوروبا للولايات المتحدة حميدي العبدالله

 

بعد مرور أقلّ من 24 ساعة على تصريحات وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلريسون عن أنّ مصير الرئيس الأسد يحدّده الشعب السوري، سارع وزير خارجية فرنسا التي كانت حكومته أكثر الحكومات الغربية تطرّفاً في الدعوة إلى تنحّي الرئيس الأسد، واعتبار ذلك شرطاً مسبقاً لأيّ تسوية سياسية، إلى إطلاق موقف اقتبسه من تصريحات وزير الخارجية الأميركي، وحتى لم يقم بأيّ جهد لانتقاء عبارات تعبّر عن الموقف ذاته في الجوهر، ولكن تعيد صياغته بالشكل للحفاظ على ماء الوجه. بل أكثر من ذلك قال وزير خارجية فرنسا إنّ الدعوة إلى تنحّي الرئيس الأسد كشرط مسبق للحلّ السياسي تتعارض مع جوهر وروح قرار مجلس الأمن 2254 بعد مرور أكثر من سنة ونصف السنة على التصويت على هذا القرار، ولم يكتشف وزير الخارجية الفرنسي هذه الحقيقة إلا الآن.

بعد ذلك تتالت تصريحات المسؤولين الأوروبيين، بما في ذلك وزير خارجية ألمانيا الذي أكد الموقف الأميركي ذاته، وكان الاجتماع الوزاري لدول الاتحاد الأوروبي، فرصة لتعيد دول الاتحاد الأوروبي مجتمعة تكرار الموقف الأميركي بحرفيته إذ أكدوا أنّ مستقبل الرئيس الأسد «يعود للشعب السوري». وبديهي أنّ هذه المواقف الغربية المستجدة تتطابق تماماً مع وجهة نظر الدولة السورية. فأثناء انعقاد مؤتمر «جنيف 2» وعندما خاطب وزير خارجية الولايات المتحدة جون كيري المجتمعين مشدّداً على شرط تنحّي الرئيس بشار الأسد، ردّ عليه وزير الخارجية السوري وليد المعلم قائلاً حرفياً: «مستر كيري الشعب السوري له وحده الحق في أن يقرّر من يكون ومن لا يكون في سدة المسؤولية في سورية».

المهمّ في المواقف الأوروبية هو أنها جاءت بعد صدور مواقف أميركية تؤكد هذه المرة التخلي عن شرط تنحّي الرئيس بشار الأسد لولوج الحلّ السياسي، وترك البت في هذه المسألة للشعب السوري، واحترام حقه الحصري والسيادي على هذا الصعيد.

الموقف الأوروبي يؤكد من جديد تبعية أوروبا للولايات المتحدة، فلو لم تقم الولايات المتحدة بتغيير موقفها من هذه المسألة لما تجرأت دول الاتحاد الأوروبي على تبنّي هذا الموقف، وربما كانت كثير من دول الاتحاد تريده ومقتنعة به أكثر من الولايات المتحدة، لكن واشنطن كانت تمنع دول الاتحاد الأوروبي من إشهار موقفها، واستمرار الالتزام بما تصرّح به الولايات المتحدة، وما يقوله المسؤولون فيها.

واضح أنّ كلمة السرّ وصلت إلى دول الاتحاد الأوروبي، وسارعت هذه الدولة مجتمعة وفرادى بالتعبير عن موقف يغطي الموقف الأميركي بدلاً من التشويش عليه. ويمكن الاستنتاج أنّ الموقف الأميركي في هذه المسألة بالذات، بات موقف الغرب مجتمعاً ولم يعد موقفاً أميركياً وحسب.

(البناء)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى