بقلم ناصر قنديل

إرباك التغيير الأميركي بالكيميائي

ناصر قنديل

– حلف الخاسرين في الحرب على سورية لن يلقي السلاح ويعترف بالحقائق وينتقل من ضفة المكابرة إلى ضفة الواقعية. فالخسارة وجودية ولا يمكن التعايش معها. هذا هو حال تركيا التي تسقط مكانتها الإقليمية بهزيمتها وسقوط مشروعها من البوابة السورية، والسعودية التي تعرف أن زعامتها الخليجية تعيش أزمة اليمن وأن بوابة حضورها المشرقي يرسمه مستقبل الحرب في سورية، بما في ذلك ما تعتبره رصيداً ثابتاً في لبنان، و»إسرائيل» لا تنظر بعين القلق على أمنها بل على وجودها، فكل تسوية مقبلة بعد تعافي سورية ستكون خسارة «إسرائيلية» كاملة وكل حرب ستكون قضية وجود بالنسبة لـ«إسرائيل».

– بعد انتصار حلب وانضمام تركيا لعملية أستانة، ثبت أن الرهان لا يزال على جولة لاحقة يتم الإعداد لها، كما كان حال الإعداد لحرب حلب أيام الهدنة قبل عام خلال مفاوضات جنيف، وجاءت زيارات بنيامين نتنياهو ومحمد بن سلمان إلى واشنطن، لتبدأ الغزوة الجديدة، غارات «إسرائيلية» وهجمات شاملة لجبهة النصرة في كل الجبهات ومعها كل الفصائل التي قال الأتراك إنهم جلبوها لمسار أستانة وعنوانه الفصل عن النصرة، والرهان الذي عُقد في واشنطن يجعل هذه الفرصة الأخيرة في حال نجاحها سبباً كافياً لامتناع واشنطن عن ترجمة السعي لتزخيم الحرب على داعش إلى تسوية سياسية سورية تعيد العافية للدولة السورية في ظل رئيسها من ضمن معادلة شراكة للمعارضة.

– كانت الحصيلة بعد صواريخ الردع السورية والموقف الروسي الحازم من الغارات «الإسرائيلية» معادلة ردع لا تزال ترتبك «إسرائيل» في فهمها وكيفية التعامل معها. أما النصرة فقد تلقت رداً صاعقاً بصد أكثر من عشرة آلاف من نخبتها المقاتلة يساندهم سبعة عشر ألفاً من رعاع المسلحين، والجماعات المنسحبة من أنحاء سورية والمتجمعة في إدلب، ونجح الجيش السوري وحلفاؤه في زمن قياسي باسترداد كل ما نجح المهاجمون بالسيطرة عليه، وبدأ هجوم معاكس لا يزال مستمراً. فسقط الرهان وضاعت الفرصة وصارت التداعيات المترتبة على النصر كبيرة.

– تثبت ميزان قوى سياسي عسكري يقول إن الإصرار على مشروع إسقاط سورية صار انتحاراً لأصحابه، فقررت واشنطن النأي بالنفس عن حلفائها الماضين في انتحارهم، وأعلنت أنها لا تعتبر إسقاط النظام ولا الرئاسة في سورية أولوية لها، وأعادت وكررت من على منابرها كافة، فزاد الشعور بالخيبة والخذلان لدى المهزومين، خصوصاً تركيا و«إسرائيل» والسعودية، وصارت قضية هؤلاء إرباك الموقف الأميركي المتغيّر ومنع تحوّله سياسات تترجم انفتاحاً على الدولة السورية وتعاوناً معها في الحرب على الإرهاب، التي صارت الفرصة الوحيدة المتبقية لواشنطن لصناعة انتصار، فتكرّر في إدلب ما فعلته هيلاري كلينتون في الغوطة، لاستفزاز الرأي العام الغربي عموماً والأميركي خصوصاً، بلعبة الكيميائي، وانطلقت التصريحات والتهديدات والتنبيهات، والتي ظاهرها موجه لسورية وحقيقتها موجهة لواشنطن.

– سارع البيت الأبيض إلى إدانة ما جرى في إدلب، مضيفاً الاستهجان والقلق، لكن مع التأكيد على الحاجة لتحقيق من جهة، والتذكير أن إسقاط النظام والرئاسة في سورية ليسا على جدول الأعمال، وواشنطن التي تعلم كيف صنعت المرة الأولى لعبة الكيميائي تعرف كيف تمّ تصنيع سواها، ولذلك حاولت حتى الآن الصمود والثبات على موقفها، لكن حلف الخاسرين يملك أوراقاً أميركية فاعلة سيستخدمها، ولن يستسلم بسهولة فهو يخوض صراع موت وحياة، ولا يزال الصراع مفتوحاً وكل الاحتمالات واردة.

(البناء)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى