الرؤيا «الآخروية» لليمين: براك ربيد
أمل اليمين أن يكون ترامب هو المخلّص الذي سيبشر برؤيا اسرائيل الكاملة، تحطم على صخرة الواقع في نهاية الأسبوع. قرار الكابينت الأكثر يمينية في تاريخ إسرائيل التطوع لتقييد البناء في المناطق ومبررات نتنياهو لوزرائه من أجل الموافقة على ذلك، أوضحت أنه في عهد ترامب أيضا، فإن سياسة البناء في المستوطنات توضع في البيت الأبيض وليس في مكتب رئيس الوزراء. الضعف الأساسي للسياسة الجديدة هو أنه ليس واضحا اذا كانت تدعم استئناف العملية السلمية مع الفلسطينيين حتى لو بشبر واحد.
ليس صدفة أن اختار رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو يوم الخميس مساء كموعد لجلسة الكابينت السياسي الأمني التي خصصت للاتصالات مع الولايات المتحدة في موضوع كبح البناء في المستوطنات. الوزراء متعبون بعد أسبوع من العمل، صحف يوم الجمعة اقتربت من إغلاق النشر، والجهاز السياسي سيهدأ ليومين. فالتوقيت هو كل شيء في الحياة.
لقد اهتموا في مكتب رئيس الحكومة بالتصويت على إقامة المستوطنة الجديدة لمن تم اخلاؤهم من عمونة في مرحلة سابقة من الجلسة كي يتم إصدار إعلان يحدد الرواية الأكثر راحة بالنسبة لنتنياهو في الصحف في صباح يوم الجمعة. حول القرارات الأقل راحة لنتنياهو من الناحية السياسية تم التحدث مع وسائل الاعلام في الساعة الواحدة والنصف ليلا بعد ذهاب الصحف للطباعة.
عندما استيقظ المستوطنون ومؤيدوهم اكتشفوا أنه أثناء نومهم قام نتنياهو ووزراء الكابينت الأكثر يمينية في تاريخ إسرائيل بوضع القيود على البناء في المستوطنات. صحيح أن الحديث يدور عن اختلاف حقيقي وكبير عن فترة أوباما المعادية للمستوطنات، لكن مع مراعاة أن حكومة إسرائيل مسيطر عليها كليا من لوبي المستوطنين، وأنه في البيت الأبيض يجلس دونالد ترامب، والكونغرس الأمريكي يسيطر عليه الجمهوريون كليا ـ فإن قرار الكابينت كان مفاجئا بشكل كبير.
وكان مفاجئا أيضا رد مجلس «يشع» للمستوطنات الذي لم يشتمل على أي كلمة انتقاد واحدة لكون نتنياهو وبينيت وليبرمان واصدقائهم قاموا بفرض قيود حقيقية على البناء في المستوطنات. وليس هناك طريقة لتسمية ذلك عدا عن الرؤيا الآخروية لليمين. لا تتشوشوا، فلو كان هرتسوغ ولفني في الحكم وسيتخذان خطوة مشابهة، لكان مؤيدو الاستيطان خرجوا للتظاهر ولكان لوبي المستوطنين أحرق في وسائل الإعلام تويتر. وبدل ذلك حصلنا على عدد من التفسيرات. والشخص الوحيد الذي كان نزيها بما يكفي للاعتراف بالواقع هو بتسلئيل سموتريتش. «اليمين أعمى بإرادته»، غرد في صفحته في تويتر صباح أول أمس.
في نهاية جلسة الكابينت مساء يوم الخميس تبين من جديد أن جميع الاحتفالات والآمال والتوقعات لليمين من أن ترامب سيكون المخلص الذي سيبشر عن ارض اسرائيل الكاملة تحطمت على صخرة الواقع. تصريحات الحملة الانتخابية تبين أنها فارغة من المضمون، والأمل في أن السفارة الأمريكية سيتم نقلها إلى القدس في اليوم الأول لترامب، تلاشى، والأمل في ضم المناطق تبخر. بالنسبة لتوقعات المستوطنين من ترامب يتبين أن سلوك ادارته في الموضوع الاسرائيلي الفلسطيني، وخاصة في موضوع الاستيطان، هو مفاجأة حقيقية لليمين.
قرار الكابينت حول كبح البناء في المناطق والذرائع التي أقنع نتنياهو بواسطتها وزراءه بالموافقة، أوضحت أنه في فترة ادارة ترامب أيضا فإن سياسة البناء في المستوطنات يتم تحديدها في البيت الأبيض وليس في مكتب رئيس الحكومة في القدس. ترامب المصمم والملتزم شخصيا بمحاولة تحقيق السلام بين اسرائيل والفلسطينيين لا يريد أن تزعجه المستوطنات في التوصل إلى الصفقة الأكبر.
لقد وافق البيت الأبيض على استيعاب اقامة المستوطنة الجديدة للمخلين من عمونة، ولم يندد بالإعلان عن بناء 2000 وحدة جديدة في المناطق، ولم يعتبرها مستوطنة غير قانونية. رسالة الادارة الامريكية هي أنها على استعداد لتمرير هذه القرارات تحت ادعاء أنها تمت قبل نوبة ترامب. في المقابل، أوضح البيت الابيض أنه من الآن فصاعدا قواعد اللعب ستتغير، وأن اسرائيل لا يمكنها البناء كما تشاء.
قرار الكابينت لن يؤدي إلى تجميد البناء في المستوطنات، لكنه سيعمل على ابطائه بشكل كبير ويقلص عدد الوحدات السكنية الجديدة التي ستبنى، وسيعمل على تقييد انتشارها في ارجاء الضفة الغربية. حسب السياسة الجديدة فإن لجنة التخطيط التابعة للإدارة المدنية، التي تصادق على البناء في المستوطنات، ستجتمع كل ثلاثة اشهر فقط وليس أسبوعيا كالعادة المتعارف عليها. وكل ما يجب على نتنياهو وليبرمان فعله لتعويق البناء هو الغاء اجتماع اللجنة مرة كل ثلاثة اشهر بذريعة تقنية ما.
في قرار الكابينت توجد بضع انجازات هامة ـ ليس هناك تجميد رسمي وكامل للبناء في المستوطنات، وعمليا لا توجد قيود على البناء في الأحياء اليهودية وراء الخط الأخضر في القدس ولا يوجد تمييز بين البناء في الكتل الاستيطانية وبين البناء في المستوطنات المعزولة. وبدون ذلك كان سيصعب على نتنياهو، النجاح في «اختبار زمبيش»، على اسم رئيس ذراع المستوطنات في مجلس «يشع» وتمرير قرار السياسة الجديدة في الائتلاف.
البيت الأبيض، إضافة إلى ذلك، لم يطلب من نتنياهو العودة إلى التفاهمات التي تمت بين الرئيس جورج بوش ورئيس الحكومة اريئيل شارون، والتي تقضي بأن البناء يتم فقط في إطار المناطق المبنية في المستوطنات.
ونتنياهو رفض ذلك بسبب حقيقة أنه في المناطق المبنية لا يوجد تقريبا احتياطي من الاراضي للبناء. وقد نجح نتنياهو في نهاية المطاف في فرض سياسة البناء قرب المناطق المبنية وحسب الحاجة، وبهذا لا يزداد فقط عدد المستوطنين، وأيضا مساحة الاراضي التي يبنى عليها. إن السياسة الجديدة، في المقابل، لن تنجح في ضم مستوطنات لاسرائيل، ولن تُمكن من البناء في المنطقة المختلف عليها (إي 1) التي تربط بين معاليه ادوميم والقدس، ولن تسمح بتبييض البؤر غير القانونية وتحويلها إلى مستوطنات جديدة. صحيح أن نتنياهو لم يحصل على الموافقة بصمت الإدارة الامريكية من أجل بناء مستوطنة جديدة لمخلي عمونة، لكن في الوقت الذي سيحتاج بناءها سنة على الأقل، فإن القيود على البناء ستدخل إلى حيز التنفيذ في صباح هذا اليوم.
حجم البناء الذي سيكون فعليا على الأرض سيتم تحديده حسب تفسير البيت الأبيض ورئيس الحكومة للسياسة الجديدة. قرار الكابنت هو قرار غامض بما يكفي، كي يسمح لنتنياهو بالبناء بشكل كبير اذا أراد، أو عدم البناء كليا اذا أراد البيت الابيض ذلك. ولكن الغموض قد يكون سلاحا ذا حدين. تفسير مختلف من الطرف الاسرائيلي أو الامريكي، أو نشر عطاءات للبناء في توقيت حساس مثلما حدث أكثر من مرة في السابق. ومن شأن ذلك أن يحدث ازمة توقعات وتصادم بين الطرفين.
ضعف سياسة المستوطنات الجديدة هو أنه ليس من الواضح إذا كانت ستسهم ولو بشكل صغير في تحريك العملية السلمية من جديد. بالنسبة للفلسطينيين وللدول العربية فإن القيود التي تفرضها حكومة إسرائيل على البناء في المستوطنات لا تلبي الحد الأدنى الذي يُمكن من استئناف المفاوضات.
ويمكن القول إن الرئيس المصري السيسي والملك عبد الله والرئيس الفلسطيني محمود عباس، الذين سيلتقون مع ترامب في البيت الأبيض في الأسبوعين القريبين، سيقولون له ذلك بوضوح. وقد أثبت ترامب حتى الآن أنه يستطيع كبح نتنياهو وبينيت وجعلهما يوافقان على كبح البناء في المستوطنات. والسؤال هو هل سينجح ترامب في ردع عباس أو يمنحه انجازا آخر يقنعه باستئناف المفاوضات. اذا كان الجواب لا، فمن المؤكد أن ترامب سيطلب من نتنياهو وجبة أخرى من التنازلات.
هآرتس