مقالات مختارة

القمة العربية وإسرائيل: تسفي برئيل

 

لقد أثار استقبال الملك الاردني عبد الله الثاني لملك السعودية سلمان، الاستغراب الكبير، عند حضوره للمشاركة في مؤتمر القمة العربية. فبالاضافة إلى المراسيم العسكرية الفاخرة، تم اطلاق 21 قذيفة على شرف ملك السعودية، الامر غير المتعارف عليه في القمم العربية. الصحيفة السعودية الدولية «الحياة» خصصت مقالا كاملا لهذا الموضوع والذي شمل تفسيرا تاريخيا لتقاليد الاطلاق. ولكن يبدو أن تفسير هذا الاستعراض غير موجود في التاريخ، بل في الاتفاق الذي تم التوقيع عليه بين السعودية والاردن، والذي حسبه ستساعد المملكة الغنية جارتها ببضع مليارات من الدولارات لانقاذها من الازمة الاقتصادية.

مثل العادة في القمم العربية فإن اللقاءات والتفاهمات بين الزعماء كانت أهم من جلسات القاعة التي تكون الخطابات فيها متوقعة. وكهيئة للعرب، كفت الجامعة العربية منذ سنوات عن لعب دورها كاطار لحل المشاكل والصراعات في الشرق الاوسط. أهمية القمة هي خلق الاجماع العربي الذي يعتمد على القاسم المشترك المتدني، وليس ايجاد حلول عملية براغماتية. هذا الاجماع يترسخ في موقفين اساسيين وهما الحل السياسي للمشكلة الفلسطينية وكبح تأثير إيران.

في العام 2002 تم تثبيت المبادرة العربية التي اقترحتها السعودية كأساس لحل الصراع الاسرائيلي الفلسطيني، والامم المتحدة تبنت هذه المبادرة وايضا الادارات الأمريكية، بما في ذلك ادارة ترامب الذي أرسل إلى القمة وبشكل استثنائي مبعوثه الخاص جيسون جرينبلت.

المبادرة العربية مشمولة في البند الاول من 15 بندا للبيان الختامي للمؤتمر، والذي يؤكد من جديد على الاستعداد للتطبيع مع اسرائيل مقابل الانسحاب الكامل من المناطق المحتلة. التطبيع منذ زمن لم يعد كلمة نابية يحظر ذكرها. واستخدامها يتم من اجل اغراء اسرائيل وليس حثها فقط. قبل المؤتمر ببضعة ايام انتشرت التصريحات، بما فيها تصريحات الامين العام للجامعة العربية احمد أبو الغيط، حول وجود مفاجأة في القمة من قبل الطرف الفلسطيني وبعض الدول العربية، ولا سيما السعودية. مفاجأة تعني استعداد العرب لاعادة صياغة معادلة «الارض مقابل السلام»، وبدلا منها «دولة فلسطينية مقابل السلام». أي التنازل ولو بشكل مؤقت عن طلب الانسحاب من هضبة الجولان.

كان هذا هو طموح الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الذي التقى في هذا الشهر مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس. ولكن قبل موعد القمة بيومين أوضح عباس أنه لا ينوي طرح خطة أو مبادرة جديدة أو طلب «تعديل» المبادرة العربية. فعادت الصيغة المتفق عليها من العام 2002 والتي تطالب بانسحاب اسرائيل الشامل والكامل إلى خطوط الرابع من حزيران 1967، كشرط للتطبيع. وفي نفس الوقت، الطلبات التي أسمعت في السنوات الاخيرة من قبل زعماء وحركات راديكالية لالغاء المبادرة العربية أو اعادة صياغتها من جديد دون أن تشمل التطبيع، رفضت.

السعودية والدول العربية الاخرى، باستثناء سوريا التي لم تشارك، صادقت على الصيغة الاصلية التي يمكن لادارة ترامب استخدامها كرافعة سياسية اذا رغبت في ذلك.

من سوريا إلى ليبيا

ترامب لم يقم بعد بتقديم خريطة طريق سياسية للحل، باستثناء التصريح الذي يعبر عن «تحمسه» لعقد صفقة تؤدي إلى الحل خلال فترة زمنية قصيرة. ولكنه حطم إلى درجة كبيرة الصورة التي تقول بأن الادارة ستسحب يدها من الصراع، وعلى الاغلب ستؤيد موقف اسرائيل، ليس فقط أنه لا يوجد تفاهم بعد حول صيغة البناء المسموح بها في المستوطنات، بل ايضا من المتوقع أن يبقى مبعوثه لايام طويلة في المنطقة من اجل التشاور مع الزعماء العرب والفلسطينيين والاسرائيليي حول السبل الممكنة لتقدم المفاوضات.

اللقاء الهام التالي سيتم في يوم الاثنين بين ترامب والرئيس المصري الذي سيصل إلى واشنطن، بعد أن سمع غرينبلت موقف السعودية من وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، وبعد أن ذاب الثلج بين مصر والسعودية، الذي أثر على علاقتهما في الاشهر الماضية.

قال مراقبون في القمة إن السيسي والملك سلمان شوهدا وهما يدخلان إلى احدى الغرف عندما ألقى أمير قطر خطابه. بين قطر ومصر توجد علاقات عداء وكراهية. وهناك من اعتبر أن خروج السيسي من القاعة هو أمر مهين. ولكن هذا التحليل تبدل بالأمل بأن الملك السعودي سينجح في التقريب بين الدولتين من اجل تقوية التحالف العربي والتي لم تثبت حتى الآن نجاعتها في كبح إيران.

اذا كانت الدول العربية قد نجحت في طرح اقتراح متفق عليه حول الصراع الاسرائيلي الفلسطيني، والذي يشمل التزام عربي واسلامي، ففي الموضوع الإيراني الوضع أكثر تعقيدا. بعض الدول العربية مثل قطر والكويت والامارات ولبنان والعراق وسوريا بالطبع، لديها علاقات قوية مع إيران. والسعودية ايضا تعرف أن حل المشكلة السورية تحتاج إلى موافقة إيران. وأن موافقة كهذه ستكون مشروطة بموافقة العرب على استمرار بقاء الأسد.

صحيح أنه لم يذكر في البيان الختامي للقمة العربية اسم الأسد ولم يتم التحدث مباشرة عن طبيعة النظام المطلوب في سوريا، لكنه اشار إلى قرارات مؤتمرات جنيف وقرار الامم المتحدة 2254 من العام 2015، كجهة مخولة لحل الازمة السورية. ويمكن أن نلاحظ في ذلك تغيير في الموقف العربي الذي يلائم نفسه مع الوضع الميداني، والتدخل الروسي الناجع الذي ما زال يؤيد الأسد، والاعتراف بأن إيران ستكون جزء من الحل. معنى هذا أن رغبة اسرائيل في الانضمام إلى كيان عربي معتدل معادي لإيران ومؤيد للولايات المتحدة، ليست واقعية بالضرورة. ايضا لأن الدول العربية لا تجد أي صلة بين الصراع الاسرائيلي الفلسطيني وبين مواقفها من إيران، وبسبب الخلافات حول العلاقة مع إيران ايضا.

المفارقة هي وجود تفاهم بين الدول العربية وبين إيران، وبين إيران والولايات المتحدة، حول الحرب ضد داعش وضد التنظيمات الاسلامية الراديكالية مثل جبهة فتح الشام (جبهة النصرة سابقا) والتي تعتبرها إيران والولايات المتحدة منظمات ارهابية.

تستطيع السعودية في الوقت الحالي أن تقلل من مخاوفها من امكانية تبني ادارة ترامب لإيران على حسابها. كما كانت تشتبه بنوايا ادارة اوباما. في المقابل، التحالف الذي اقامته السعودية والذي تشارك فيه تركيا التي لها علاقات تجارية واسعة مع إيران. وهذا يعني أنه لا يمكنها كبح إيران، لا سيما أن روسيا حليفتها في الشرق الاوسط.

تمسك روسيا في الشرق الاوسط لا يقتصر على سوريا وإيران فقط. وقد تم الحديث في هذا الشهر عن نشر قوات روسية في منطقة الحدود بين مصر وليبيا وتعزيز العلاقات بين الكولونيل خليفة حفتر قائد «الجيش القومي الليبي» الذي هو ليس جيش ليبيا وبين الحكومة الروسية. ونفت روسيا أنها نشرت قوات في ليبيا، لكنها اشارت إلى انها تعمل من اجل «ضمان الهدوء في الدولة». عيون موسكو تشخص نحو حقول النفط في ليبيا ونحو فرص الاستثمار في هذه الدولة المفككة، التي تدار من قبل حكومتين وبرلمانين وليس لها جيش موحد يمكنه العمل باسمها.

تعزيز العلاقات التجارية والعسكرية بين روسيا ومصر، حيث من المتوقع أن تقوم روسيا ببناء مفاعل نووي من اجل الكهرباء، والعلاقات العسكرية بين مصر وبين حفتر، تسحب من السعودية احتكار التاثير الذي تسعى اليه على الوطن العربي. رغم ان العمل الروسي في ليبيا لا يخص إيران بشكل مباشر، فإن التحالف القوي بينهما يزيد من مخاوف السعودية بأن تذهب مصر نحو الحل حسب رغبة روسيا في سوريا وفي مناطق اخرى في الشرق الاوسط.

هذه التحالفات هي نوع من الخطوات التي لا تستطيع الجامعة العربية التدخل فيها أو التأثير عليها. وبدلا منها هناك تفاهمات جزئية بين دولتين إلى ثلاث دول عربية، دون أن تمثل هذه التفاهمات موقفا عربيا موحدا. اذا كان في السابق يكفي تجنيد دولة عربية واحدة أو دولتين، مثل مصر أو السعودية، للموقف الأمريكي، فإن التطورات في السنوات الاخيرة تخلق تحديا معقدا أكثر أمام متخذي السياسة في الغرب أو في روسيا. من هنا أصبح مفهوم «الخط المؤيد للغرب» لا يعكس الوضع السياسي في الشرق الاوسط، وليس فيه فقط. إن مفهوم «غرب» لا يمثل بالضرورة موقف موحد للولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي ـ هذا الانقسام سيزداد كما يبدو في عهد ترامب. إن تسويق «تحالف عربي يؤيد الغرب» تكون فيه اسرائيل شريكة، هو في الوقت الحالي مجرد اقوال وليس استراتيجية واقعية.

هآرتس

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى