اليوم التالي لـ«البريكست»: نداف ايال
خسارة بالذات انه لم يكن احتفال حقيقي لاحياء البيان البريطاني أمس عن تفعيل المادة 50 من ميثاق ليشبونة والانسحاب من الاتحاد الاوروبي. كانت حاجة لان تكون مناسبة كهذه، مع اقتباسات من خطابات «هنري الخامس» بكلمات شكسبير وربما اعادة رفع «يونيون جاك»، وحرق جوازات السفر الاوروبية. كانت حاجة لان يكون مثل هذا الاحتفال، لان المعاني الاساسية لانسحاب بريطانيا من الاتحاد يفترض أن تكون رمزية.
نعم، البرلمان البريطاني تخلى عن بعض من صلاحياته وسيادته في صالح الاتحاد ولكن لا، السياسة الخارجية البريطانية لم تصادر، والقرارات المالية بقيت في يد لندن، وهكذا ايضا القرارات النقدية، لان بريطانيا رفضت الانضمام إلى كتلة اليورو.
كانت حاجة لان يكون احتفال، لان الاحتفال يخدم حاجتنا جميعنا للرموز، في حدث حسي، وعلى أي حال القرار للانسحاب من الاتحاد هو قرار ليس فيه عقلانية كبيرة. نحن نعرف الان انه لم يكن لمعارضي الاتحاد في بريطانيا، ولا يزال ليس لديهم، خطة كيف ينفذون الانسحاب حقا، ومن المتوقع للمفاوضات ان تكون صعبة وتستغرق سنتين.
كما أننا نعرف بأن الانسحاب من الاتحاد يعرض للخطر اتحادا أهم بكثير بالنسبة للبريطانيين: اتحاد المملكة المتحدة. فسكتلندا، كما تعطي الانطباع، ستبذل كل جهد للانسحاب واعادة الارتباط بالاتحاد الاوروبي كدولة مستقلة. واذا كانت الحجة المركزية ضد الاتحاد هي الهجرة، فيجدر بالذكر ان الحكومات البريطانية التي أدخلت مئات الاف المهاجرين في السنة احيانا، فعلت ذلك قبل وقت اطول بكثير من ظهور فكرة الاتحاد وولادته. فهي التي غيرت النسيج الاجتماعي البريطاني بشكل عميق، وعندما حذر السياسي المحافظ أنوخ باول، الذي عارض بشدة الهجرة إلى داخل بلاده من «انهار الدم»، فقد فعل ذلك عندما كانت بروكسل لا تزال عاصمة بلجيكيا فقط ـ وليست المركز البيروقراطي للاتحاد. الامبراطورية البريطانية واحتلالاتها هي التي ادت في نهاية المطاف إلى هز الاستعمار، من الهند وحتى افريقيا، عائدا إلى المتروبول البريطاني.
الاتحاد الاوروبي هو المشروع السياسي الاكبر طموحا في التاريخ. مئات ملايين الاشخاص ذوو اللغات المختلفة وتاريخ فظيع من سفك الدماء قرروا بشكل مشترك التخلي عن بعض او معظم علائمهم السيادية. وقد فعلوا ذلك دون إكراه عسكري، لا بسبب نابليون أو هتلر؛ نتيجة الاستطلاعات الشعبية والقرارات الداخلية في الاتحاد المستندة إلى الاجماع. على مدى 60 سنة من اقامته واتساعه، انتقل الاتحاد من ناتج خام بقيمة 2 تريليون يورو إلى 15 تريليون. وهو يجمع اكثر من 500 مليون شخص، وهو (ايضا) الشريك التجاري الاكبر لإسرائيل.
ان انسحاب البريطانيين هو ضربة شديدة للاتحاد، وهو ينبع من جملة مركبة من الاسباب ترتبط ـ بتقدير الكثيرين ـ بقدر أكبر بالثقافة وباحساس التهديد من الهجرة مما بالاقتصاد الصرف. بالنفور من السلامة السياسية ومن الاجانب، اكثر مما من الخوف الحقيقي من أن تعطي بروكسل الاوامر لديوان رئيس الوزراء في داوننغ ستريت. ولكن الاتحاد هو في نهاية الامر موضوع قرار مشترك لجبارين، خصمين سابقين وحليفين قريبين في الحاضر: فرنسا وألمانيا. فهما حجر الاساس لاسرة الفحم والفولاذ التي منها تطور الاتحاد نفسه. في وسعهما فقط، ووحدهما تقريبا يمكنهما أن يحافظا على اتحاد اوروبي ما. ولكن مع سقوط احداهما، فإن كل المبنى سينهار.
البريطانيون لن يقرروا مصير الاتحاد الاوروبي. بانتظارهم سنوات قاسية من المفاوضات المضنية وعديمة اليقين؛ ولكن لا معنى لاستثمار مفاوضات فيه في هذه اللحظة. إذا ما فازت مارين لوبان في الانتخابات للرئاسة في فرنسا فستكون هذه نهاية الاتحاد الاوروبي أغلب الظن، وعلى أي حال ستكون للبريطانيين وللعالم بأسره مشاكل أكبر. كل شيء منوط بفرنسا وهي التي ستحسم: حسمها أوسع حتى من مصير الكيان السياسي الاوروبي. بحسمهم، يمكن للفرنسيين ان يغيروا المسيرة التاريخية للبريكست والترامبية عائدين إلى الليبرالية والكونية. العالم مرة اخرى يرفع عينيه إلى فرنسا.
يديعوت