«قمّة الميت»… ماذا تقدّم للأمة والمنطقة؟ د. أمين محمد حطيط
في القواعد العامة المعمول بها في الحكم والسياسة يتصدّى رأس الدولة للملفات العظمى التي تهمّ دولته لإيجاد الحلول التي تناسب مصالح الدولة وأمن سكانها ورفاتهم، وأبعد من الدولة يتلاقى قادة الدول التي يجمعها هم أو مصلحة أو هدف مشترك في اجتماع طارئ أو في إطار مؤسسة ناظمة من أجل أن يقدّموا للدول التي يمثّلونها حلولاً لملفات وقضايا تعنيها. وهنا أرسى في المصطلح السياسي مفهوم القمة أو الاجتماع في القمم ويعني به لقاء رؤساء الدول للبحث عن حلول ناجعة لمشاكل تواجههم ووضع استراتيجيات مناسبة لها. وعلى هذا النحو قامت القمة الأوروبية والقمّة الأطلسية والقمّة مجموعة الـ 8 وقمة مجموعة الـ 20 الخ…. وإقليمياً عُرف العرب ما اسمي القمة العربية والتي تحوّلت إلى دورية سنوية وصل رقم انعقادها في هذا العام إلى الرقم 28. وللمفارقة أو للعبرة أن العرب اختاروا البحر الميت حيث النقطة الأكثر انخفاضاً في الأرض عن مستوى سطح البحر مكاناً لقمّتهم، فماذا يمكن للعرب أن يقدموا في هذه القمة؟ وهل سيفعلون؟
قبل أن نتوقّف عند ما سيقدّمهم العرب في قمتهم على الميت لا بد من التذكير بأن هناك شروطاً لا بد من استيفائها حتى نتوخى من اجتماع الحكام خيراً أو مصلحة. وأهم هذه الشروط: امتلاك الاستقلال وحرية القرار، امتلاك الموضوعية وسلامة البصر والبصيرة، امتلاك الارادة للفعل خدمة للامة وللصالح العام، امتلاك القناعة بجدوى العمل المشترك، وأخيراً امتلاك القدرات المادية لتنفيذ ما تقرر مع توفير سبل واعتماد آلية تنفيذية ملائمة تقود الى نتيجة يعوّل عليها. وفي هذه الشروط كلياً او جزئياً تكمن المشكلة، ويبدو الواقع العربي المترهل والمتلاشي الى الحد الذي لا يبشر بخير وما يحمل الآخرين الى موقع لا يكترث فيه بالقمة ولا بقراراتها احد.
فمن حيث الاستقلال نجد ان القاعدة الحاكمة لمعظم الدول العربية المنضوية في الجامعة، هي قاعدة التبعية للأجنبي ولا تجد دولة، إلا ما ندر تملك قرارها، لا بل من المألوف عند الطامعين بالسلطة أن يذهبوا ويرشوا الأميركي او سواه من اجل تنصيبهم على عروش بلدانهم. وهنا تبدأ العلة التي منها تتفرّع المصائب الأخرى فتطيح بالموضوعية وبجدوى العمل المشترك وتصل الى هدر المال العام، ويتحوّل الحكام من قادة في دولهم إلى رؤساء حرس للمصالح الغربية في بلدانهم والمنطقة، وكيف لنا أن ننتظر من حارس مصالح الأجنبي أن يقدم خيراً لشعبه ولأمته؟
أما في القرارات وتنفيذها فقد اعتاد العالم كله على مأساة تتمثّل بالقول بأن «العرب يقولون ولا يفعلون»، لأن الفعل رهن بقوة إرادة لا يملكونها وبقرار من الأجنبي لا يأتي، ولهذا فإن إدراج جامعة الدول العربية حفلت بالأكوام من الورق الذي كتبت فيه قراراتهم واستمتعت بها الجرذان والفئران في مستودعات الجامعة، اللهم إلا إذا كان القرار أملي عليهم خدمة لمصلحة أجنبية، فإنه يكون نافذاً في الساعة التي يتخذ فيها كما حصل يوم قررت الجامعة تدمير ليبيا وتكليف الأمم المتحدة وعبرها تكليف الحلف الأطلسي بعملية التدمير، أو كما حصل يوم مررت الجامعة قرار تقسيم السودان وتشريع احتلال العراق بيد أميركية أو يوم جمّدت مقعد سورية العضو المؤسس في الجامعة والذي سبقت اليه 15 عضواً من أصل 22 وكان اللاحق في موقع من الوقاحة جعله يخرج المؤسس السابق.
واليوم يزحف «حكام العرب» الى البحر الميت على حدود فلسطين المحتلة، في مشهد يثير الريبة، حيث إن العرب كما يبدو أنهم آمنون في الجوار «الإسرائيلي»، ملتزمون الاستجابة للإملاء والرغبة «الإسرائيلية» في إدانة المقاومة التي حرّرت أرضاً لبنانية وطردت العدو «الإسرائيلي» منه والمعوّل عليها لتحرير ما تبقى من ارض محتلة، كما وحماية حقوق لبنان النفطية التي لولا خشية «إسرائيل» من نار المقاومة لكانت أطاحت بها في المنطقة الاقتصادية اللبنانية واقتطعت منها ما تشاء ومنعت لبنان من استثمار الباقي.
إن موضوع المقاومة والتنكّر لها يكاد يكون الموضوع الوحيد الذي يثير اهتمام الخارج بالقمة العربية الى الحدّ الذي يمكننا معه القول إن المقاومة هي وحدها من يجعل القمة العربية خبراً في زاوية من زوايا الإعلام العالمي، لأن في محاربة المقاومة والعدوان عليها بوصفها بالإرهاب استجابة وتماهياً مع المصالح الأميركية و»الإسرائيلية». وكل ما يعني اميركا و»إسرائيل» من هذه القمة أمران: الأول سكوت عن تهويد «إسرائيل» للقدس وتشريع المستعمرات «الإسرائيلية» في الضفة الغربية والثاني إدانة المقاومة والتنكّر لها ومحاربتها بعد وصفها بالإرهاب، لأن المقاومة هي الخطر الوحيد الذي تستشعره «إسرائيل» على اغتصابها للحقوق العربية، وقد أعلنت هذا صراحة في مواقفها ودراساتها كلها.
ولهذا فإن وظيفة قمة الميت تنحصر أميركياً و»إسرائيلياً» بهذا الامر، اما المصالح العربية القومية والوطنية وتحت أي عنوان وباب بما فيها حق الشعب الفلسطيني بأرضه والعودة اليها، او حق الإنسان العربي بالأمن والرفاه الاجتماعي او حق الامة العربية بأن تتبوأ المركز الاستراتيجي الذي تؤهلها له جغرافيتها السياسية كل هذا ليس موجوداً في قاموس قمة الميت التي تجمع تحت قبة قاعتها مَن أنفق أمواله على القتل والفتن وتدمير الامة العربية من ليبيا الى العراق وسورية واليمن والبحرين.
اذ لو كان عرب قمة الميت يسعون بحق لمصلحة الأمة العربية لكانوا سارعوا لوقف التدمير الممنهج للدول العربية بأيديهم وأموالهم وقرار أجنبي وحقد عربي، كما تفعل السعودية في اليمن وسورية على سبيل المثال، ولكانوا اتجهوا الى مصادقة من يعمل لأجل فلسطين كإيران وانتهوا عن مناصبتها العداء ولكانوا حزمو أمرهم من أجل مواجهة «إسرائيل»، وليس التطبيع معها ومساعدتها على هضم ما اغتصبت من حقوق عربية ولكن ليسوا في هذا الوارد، لأنهم حراس مصالح الغرب وليسوا رعاة الصالح العربي.
ومع هذا المنظر الكئيب والسوداوي تبقى ومضات من نور وأمل وقوة في المشهد العربي القاتم الذي تشكل قمة الميت شاهداً عليه، نور منبعث من بندقية المقاومة في لبنان وفلسطين ومن صرخة وسكين الانتفاضة في القدس وفلسطين، ومن التزام عربي شعبي ونخبوي بالقضية الفلسطينية وبالمقاومة طريقاً رئيسياً للتحرير.
أما في قمة الدول قمة الميت الآن فلا بد لنا من التنويه بالاستثناء المتشكل بالموقف اللبناني وبعض دول عربيه أخرى لا يصل تعدادها الى أصابع اليد الواحدة، حيث تشكل حالة استثنائية «تخرق الإجماع العربي على الخطأ» وترفض الوقوف ضد المقاومة، لا بل تتمسك بها كما عبر الرئيس ميشال عون واستبق قرارات قمة الميت، وترفض التطبيع مع «إسرائيل» وترفض التنازل عن فلسطين وترفض سياسة الارتهان والانبطاح للخارج واستسهال التنازل عن الحقوق العربية بعد الارتماء في الحضن «الإسرائيلي»… فهل يتوسّع الاستثناء هذا ليصبح يوماً هو القاعدة أم يستمر ما شكت منه بالأمس مؤسسة القدس الدولية في تقريرها السنوي فيستمرّ التراجع العربي عن دعم القضية الفلسطينية واللهاث خلف التطبيع مع «إسرائيل»؟ …انها مسؤولية الشعوب العربية فهل تكون منها مبادرة لتحمل المسؤولية هذه؟
(البناء)