طريق ريف دمشق ـ إدلب تمرّ في الإقليم: تسوية شاملة تُقفل معادلة «كفريا والفوعة ـ الزبداني ومضايا» إيلي حنا
لا تُفصل أي تسريبات عن تسوية لمعادلة «كفريا والفوعة ــ الزبداني ومضايا»، عن القرار السياسي المتخذ من قبل حلفاء دمشق في إنهاء مأساة أهالي البلدتين الإدلبيتين. شق طريق عسكري بالنار نحو كفريا والفوعة لم يكن سابقاً أو حاضراً متاحاً، فكانت ورقة «الرد بالمثل» في ريف دمشق الغربي. ورقة حافظت على نجاعتها منذ شهر آب من عام 2015 حتى اليوم. على الورق، أُقرّ اتفاق جذري جديد يقفل الملف بإخراج جميع من يريد من الأهالي والمسلحين. يوم الأربعاء المقبل سيضرب موعداً مع التنفيذ «المغطّى» من قطر (الضامنة لـ «جبهة النصرة») وتركيا (الضامنة لـ«حركة أحرار الشام»)، وإيران
إثر سقوط معظم محافظة إدلب في شهر آذار من عام 2015، واشتداد الضغط العسكري على ريفي اللاذقية وحماه، لم يكن الهجوم المعاكس للجيش السوري متاحاً. كان الجيش وحلفاؤه في مرحلة انعدام التوازن، لذا عملا على تثبيت خطوط تماس متراجعة للحفاظ على المكاسب القديمة بين دمشق والساحل السوري، مروراً بالمنطقة الوسطى، وتعزيز خطوط الدفاع في حلب.
بقيت كفريا والفوعة نقطتين داخل بحر من المسلحين قرب الحدود التركية. صمدت البلدتان في وجه عشرات الهجمات العنيفة، إذ لم يكن من خيار سوى الصمود أو المذبحة.
صدر كلام كثير في الإعلام وعلى لسان سياسيين موالين، حينها، عن «عودة» قريبة للدولة إلى إدلب. كان تحليلاً بالأمنيات. أصبحت إدلب مع مرور الأشهر حتى يومنا هذا «عاصمة الجهاديين». نزح من نزح من السكان واستقبلت الآلاف من «مسلحي التسويات» لتكون الحصن الأخير لتنظيم «القاعدة» وإخوانه.
بعد أقل من 4 أشهر على السقوط المدوّي لإدلب فُتحت معركة على بعد محافظتين في بلدة الزبداني في ريف دمشق. الحصن الآخر للتنظيمات المسلحة في الخاصرة الشمالية الغربية للعاصمة السورية والقريب من الحدود اللبنانية تهاوى. لم تكن معركة عادية في حساب الجغرافيا فقط؛ كان الربط «النفسي» حاضراً في أذهان منفذي العملية العسكرية.
بعد شهر ونصف شهر، ربط «كوريدور» سياسي ريف دمشق بريف إدلب. نجح الجيش السوري وحليفه اللبناني في فرض معادلة تحمي كفريا والفوعة مقابل إبقاء الإطباق على مئات المسلحين في الزبداني ومضايا.
ومنذ أيلول 2015 كان الاتفاق ساري المفعول، بما يخصّ الهدنة وإدخال المساعدات وإخراج عدد من الجرحى. عدد كبير من الخروقات لم تُسقط التهدئة، لكن عملياً لاح في الأفق صعوبة القيام بعمل عسكري نحو إدلب في ترتيب الأولويات الميدانية للجيش وحلفائه. لذلك، كان لكفريا والفوعة حصة من اتفاق حلب الأخير. خرج المئات من أهالي البلدتين المحاصرتين حينها، لكن المعاناة الإنسانية تراكمت في ظلّ عمليات القنص والقصف المتفرقة.
قبل أيام، ظهرت مجدداً في وسائل إعلام مختلفة معلومات عن اتفاق جديد يُنهي «قضية» كفريا والفوعة مقابل الزبداني ومضايا.
وجاءت بعض هذه المعلومات متضاربة بفعل التعتيم الإعلامي من طابخي التسوية بين طهران وأنقرة والدوحة، والهجوم الكبير على «اتفاق الخيانة» الذي قاده عدد من «التنسيقيات» والمجموعات والشخصيات السياسية والعسكرية المعارضة، محمّلين «جبهة النصرة» و«أحرار الشام» مسؤوليته.
في المحصلة، تبيّن مرّة أخرى أن المرجعية السياسية للتنظيم «القاعدي» لها حضورها الفاعل في العاصمة القطرية. وتجدر الإشارة هنا إلى اتفاق التبادل بين سجناء من «النصرة» وآخرين وبين جنود الجيش اللبناني المخطوفين في جرود عرسال برعاية قطرية، كذلك اتفاق إطلاق سراح راهبات معلولا المحتجزات.
الاتفاق الجديد
حُدد يوم الثلاثاء المقبل، كما جرى الاتفاق، موعد خروج 8000 من أهالي كفريا والفوعة مقابل كل مسلحي الزبداني ومضايا نحو الشمال السوري (يختارون وجهة بين إدلب وجرابلس). فإمارة قطر ضمنت «جبهة النصرة» فيما تركيا ضمنت «حركة أحرار الشام»، وهما التنظيمان الأساسيان المكوّنان لـ«جيش الفتح» (قبل اندثاره) الذي قاد الهجوم على إدلب.
ثم في المرحلة الثانية بعد شهر، يخرج 8000 من الدفعة الباقية من البلدتين الإدلبيتين مقابل مسلحين من ريف دمشق، وأهمهم مسلحو مخيّم اليرموك من «جبهة فتح الشام/ النصرة». الاتفاق جرى برعاية تركية ــ قطرية ــ إيرانية ولعب حزب الله دوراً فيه. ويسري وقف إطلاق النار لمدة تسعة أشهر في 14 منطقة، بينها «البلدات الأربع» ومناطق محيطة.
وعلمت «الأخبار»، أيضاً، أنّه في «هوامش» الاتفاق بنود غير المعلنة، أهمها إطلاق سراح أسرى المقاومة اللبنانية لدى «النصرة»، وذلك مقابل البند المسرّب عن إطلاق سراح مئات من المعتقلين من المسلحين وغيرهم من سجون الدولة السورية.
وحسب معلومات «الأخبار»، فإن التفاوض ما زال جارياً للتوصّل إلى اتفاق ثانٍ يتضمن انسحاب مسلحي القلمون أيضاً، إلا أنّ العائق هو مسلحي «داعش» في منطقة ما بين القلمون والزبداني الذين يرفضون أي اتفاق أو الانسحاب، وأوصلوا رسائل مفادها أنهم «مستعدون للانتحار ولن ينسحبواً ابداً».
العاجزون يتّهمون
الشعور بالعجز هو حال التنظيمات المسلحة مُقابل التشكيلين الكبيرين، «جبهة فتح الشام» و«حركة أحرار الشام»، الممسكان فعلياً بالميدان في الشمال السوري.
جُملة من التعليقات الرافضة للاتفاق حملها قادة هؤلاء وغيرهم.
فكتب قائد «صقور الشام»، مثلاً، أنه في الاتفاق الأخير «رأينا أنّ ما عابت الهيئة (فتح الشام) على الفصائل بعضه فقد فعلته كله»، معتبراً أنه «لو أرادت الفصائل الخيانة لما تفاوضت مع روسيا تحت مرأى ومسمع ومشهد… ولو أرادت الهيئة الخير لما تفاوضت مع إيران في الظل ومن وراء الكواليس».
بدوره، قال رئيس المكتب السياسي في «جيش الإسلام» محمد علوش: «ما زالت الحقائق تتكشف في علاقة إيران العضوية العميقة بالقاعدة».
أما مسؤول العلاقات السياسية في «جيش إدلب الحر» سابقاً فارس بيوش، فلفت إلى أنهم «لا يوقعون على هدنة شاملة لسوريا، ويهادنون على بضع مناطق، فهم لا يثقون إلا بعمل خاص بهم حتى ولو كانت نتيجته دمار البلد».
من جهته، أعرب «الائتلاف» المعارض أمس، عن «رفضه القاطع لأي خطة لتهجير المدنيين من مناطقهم، وبما في ذلك اتفاق كفريا والفوعة».
وأشار في بيانٍ له، إلى أن «الإصرار الإيراني على التفاوض مع تنظيم القاعدة حصرياً خطة واهمة، ترمي إلى ربط الثورة بالإرهاب».
(الاخبار)