الرئيس الذي يشرف لبنان
غالب قنديل
الكلمة التي القاها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في القمة العرية كانت هادئة وحكيمة وتسلط الضوء على ضرورة الكف عن الحروب والتدخلات التي اشعلتها مجموعة من الحكومات العربية خلال السنوات الماضية. وقد اختار الرئيس عون ان يحاكم تلك الجهات بمواد ميثاق الجامعة التي استرجعها والتي تحرم التدخل في شؤون الدول العربية فيما بينها وتمنع التآمر لإسقاط اي نظام عربي من قبل انظمة اخرى وهو بذلك كان يشير ضمنا الى ما يجري في سوريا وفي اليمن وما تعيشه المنطقة من حروب عاصفة بسبب المخطط الاميركي الذي جندت الامكانات والقدرات العربية لتنفيذه لمصلحة اسرائيل المستفيد الرئيسي في عملية التدمير الشاملة الجارية في كل اتجاه.
التركيز على الاولويات والدعوة الى الحوار والعودة الى ميثاق الجامعة في محاكمة الواقع الراهن كانت لفتة ذكية من قبل الرئيس ميشال عون خرج فيها من حلقة الكلام السياسي المباشر الى التأسيس لمبادرة ودعوة توج بها الخطاب وهذه كانت محطة مهمة وأساسية لان توقيتها يأتي في ظروف يبدو فيها ان الواهمين اصطدموا بخيبة ثقيلة وكل الرهانات التي حملوها وخاضوا الحروب من اجلها واهدروا المليارات خلال السنوات الماضية لم تفلح في تحقيق ما ارادوه وليس ذلك فحسب بل انها جلبت ويلا بات يهددهم انفسهم وهو خطر الارهاب التكفيري المرتد الذي ربوه ودعموه واستخدموه اداة للتدخل وتبين في الوقائع انه لن يلبث الا ويهدد دولهم وأنظمتهم بشكل مباشر.
لان الحروب تبدو وقد استهلكت رهاناتها ولان الخيبات السياسية تتلاحق سواء في اليمن ام في سوريا حيث اثبت صمود الدولة السورية والقيادة السورية والجيش العربي السوري والشعب العربي السوري ان كل الرهانات التي طرحت قبل ست سنوات تساقطت تباعا وبات من الواضح والمسلم به عند المخططين الاميركيين انفسهم ان سوريا العربية باقية قلعة شامخة بخياراتها وبهويتها وبالتالي فكل ما اعد من خطط للنيل منها مني بالفشل لم يقل الرئيس الامور بهذا التعبير ولكنه في الواقع احتوى ذلك المضمون بالمنطق الذي عرض فيه المأساة الراهنة في الواقع العربي ودعوته الى الحوار هي لفت انتباه المتورطين الى استمرار حضور فرص للتراجع والعودة عن سلوك طرق العدوان والتدخل ودعم الارهاب من اجل تنفيذ خطط اجنبية لا تمت للمصلحة العربية بصلة.
الرئيس الوحيد في القمة الذي استخدم تعبير الوطن العربي كان الرئيس العماد ميشال عون وهو بذلك عبر بشكل واضح ومن غير اي استعراض ومن غير تحديد عن فكرة الهوية العربية والانتماء العربي والشعور القومي.
الرئيس العماد ميشال عون في حضوره في القمة فرض الاقرار بحق المقاومة وسحب كل ما حاولت بعض الحكومات الخليجية بناء على الطلبات الاميركية ادخاله في التحريض على حزب الله ودوره في مواجهة الكيان الصهيوني وفي مواجهة الارهاب التكفيري وهذا بذاته كان انجازا سياسيا تحقق بمضمون الحضور واثره وانعكاسه على معادلة الصياغات صحيح ان القمة ابتعدت عن رؤية العماد عون للعلاقات العربية الايرانية وصحيح ان القمة اتخذت موقفا عدائيا اتجاه ايران وصحيح ان القمة في الحصيلة وكما كان متوقعا لم تقدم شيئا لقضية فلسطين ولكن الاكيد ان العماد ميشال عون استطاع ان يظهر بوصفه حكيم العرب في خطابه خلال افتتاح القمة واستطاع ان يعيد رسم مساحة لدور لبناني في تأمين التواصل والحوار عند من لديهم الاستعداد للخروج من الورطة الثقيلة التي اغرقوا بها البلاد العربية بالدماء والحرائق والعماد ميشال عون قدم لمن يعنيهم الامر عبرة الحروب التي تورط فيها اللبنانيون والتي لم يكن من مخرج واقعي لها سوى الحوار ولذلك اتسمت دعوته بمصداقية كبيرة وثمة بين الحضور كثيرون يعلمون ما لهذا الرجل من دور في الحياة الوطنية وكيف تحول الى رمز كبير في نظر شعبه بسبب سياسة التسامح التي حملها منذ العام 2005 بعد عودته من المنفى وبالتالي فهو صاحب مصداقية وصاحب رؤية في دعوته الى الحوار وتجاوز الاختلاف ومغادرة عقلية الاحتراب والانتقام والالغاء وهو ما جسده العماد ميشال عون في كل علاقاته اللبنانية والعربية منذ العام 2005 حيث برهن عن التزامه بالمبادئ الاستقلالية وسلوكه المنهجي المبني على نسج التفاهمات لبلورة الارادة المشتركة وهذه الخبرة التي بسطها امام الرأي العام العربي في كلمته وذلك هو الاهم تشكل دليلا فاضحا للسلوكيات العدائية التي تحفر عميقا في تأسيس مزيد من الحروب ودورات العنف والقتل والازمات التي يئن تحت وطأته الوطن العربي وحيث تضرب المجاعة وحلقات الموت والتدمير في اكثر من مكان على امتداد الارض العربية.
الرئيس العماد ميشال عون رئيس يشرف لبنان بنبض ما يحمله في الوطن العربي من رؤية حكيمة واستشرافية تناسب هذه اللحظة وترد على المأزق برمته.