لا قنبلة ولا متكتكة في غزة: عاموس جلبوع
قرأت، متأخرا بعض الشيء، الصيغة الكاملة لمحاضرة رئيس الموساد السابق تمير باردو في الكلية الاكاديمية في نتانيا في 21 آذار والتي حظيت بردود فعل عديدة. خاب أملي. لا شيء جديد، لا فكرة أصيلة، لا تحليل لامع واستثنائي. جوهره هو: “حان الوقت لنختار الطريق”. ولشدة الاسف، فان المحاضر المحترم لم يرنا الطريق وكرر فقط النهج في أنه اذا ما حلينا المسألة الفلسطينية، فسنتمكن من الانخراط في المجال العربي السني.
بعض أقواله أثارت العجب: مثلا القول ان “المخاطرة التي أخذها بن غوريون على الحاضرة (اليهودية) باعلان الدولة اقل عشرات الاضعاف من المخاطر التي نقف أمامها في القرارات اللازمة” هذه الايام. كنت سأضع عدة علامات استفهام على هذا القول الغريب. أو، مثلا، القول الذي يقتبس “صديق في الشرق الاوسط” الذي يقول ان العرب صحوا من الحلم لان اليهود سيختفون بين البحر والنهر، ولكن اليهود لم يصحوا من الحلم بان العرب سيختفون. وعن هذا قيل: “طوبى للمؤمنين”.
يمكن الجدال بلا نهاية في السبيل والحاجة الى اختياره. هذا موضوع أفكار وأراء. ولكني أريد التركيز على ما يسمى “معطيات”، لمسها باردو في المجال الديمغرافي. فقد شرح باننا نقف أمام مشكلة ديمغرافية، هي مثابة “قنبلة موقوتة متكتكة”، ولكننا ندفن رأسنا في الرمل. وقد طرح المعطيات التالية: عدد اليهود بين البحر والنهر مشابه تقريبا لعدد المسلمين: 1.7 مليون عربي اسرائيلي، 2 – 2.5 مليون عربي في يهودا والسامرة و نحو مليونين آخرين في قطاع غزة. وهنا أنا اقول: إذ كانت هذه اعداد صرفة، فمحق رئيس الموساد السابق (وان كان ثمة جدال كبير حول عدد العرب في يهودا والسامرة، وحسب احدى المدارس فان عددهم اقل من مليونين)، ولكنه يخطيء ويضلل اذا كانت المشكلة الديمغرافية هي التي تقلقه جدا. لماذا؟ لانه يضيف سكان غزة الى المشكلة الديمغرافية، وهي ليست كذلك. نحن لم نعد نوجد في غزة، ولا يسكن أي يهودي هناك، ولا يوجد أي “احتلال” أو كتائب للجيش الاسرائيلي. باختصار: ليس هناك على الاطلاق أي مشكلة “دولة واحدة ثنائية القومية” مثلما توجد في يهودا والسامرة. من اللحظة التي فكينا فيها ارتباطنا (ولعل هذا هو أحد فضائل فك الارتباط) فاننا غيرنا المعادلة الديمغرافية وأسقطنا منها نحو 2 مليون فلسطيني من قطاع غزة.
وبالتالي أن نأتي ونربط السكان الفلسطينيين في يهودا والسامرة مع السكان الفلسطينيين في غزة كي نعرض “قنبلة متكتكة من المشكلة الديمغرافية” – فانه عرض مشوه. حتى لو كانت لا تزال اسرائيل مسؤولة عن الكهرباء والمياه في غزة، فلا توجد لذلك أي صلة بالقنبلة الديمغرافية. فلماذا نأتي ونخلق هذا فزعا وخوفا من قنبلة ديمغرافية. برأيي، يكفي 2 مليون فلسطيني في يهودا والسامرة لرفض كل فكرة ضم مع حقوق مواطن أو بدون حقوق مواطن للفلسطينية.
وملاحظتان للختام: الاولى، دولة اسرائيل بالذات توجد في صعود ديمغرافي، ضمن امور اخرى بسبب الخصوبة العالية للمرأة (ثلاث ولادات) وميزان هجرة ايجابي. هذا عنصر هام في القوة الاسرائيلية العامة. في يهودا والسامرة (وليس في غزة)، بالمقابل، الخصوبة العالية للمرأة العربية انخفضت من 5 ولادات في 1969 الى 3 بسبب سياقات الحداثة.
والثانية، اذا قامت غدا دولة فلسطينية، تستوعب اللاجئين الفلسطينيين بكميات كبيرة، فعندها ستنشأ حقا في دولة فلسطين في يهودا والسامرة مشكلة ديمغرافية حادة للغاية، بالتأكيد ستكون لها آثار على دولة اسرائيل. هذا موضوع لبحث جدي.
معاريف