الرجل يفر إلى الانتخابات: ناحوم برنياع
شفقتي على الدبلوماسيين الاجانب هنا. فحكوماتهم تتوقع منهم أن يبعثوا مرة كل بضعة ايام برقية طويلة، سرية للغاية، تصف الوضع السياسي في إسرائيل بعمق.
فالحكومة عطشى للاجوبة البسيطة، التي لا تقبل التأويل: هل توجد أزمة أم لا توجد أزمة، هل توجد انتخابات أم لا توجد انتخابات. هل توجد تحقيقات أم لا توجد تحقيقات. من سيقود إسرائيل بعد سنة وعلى رأس أي ائتلاف، يمين ـ يمين ام وسط ـ يمين.
يقرؤون بعناية ترجمات لمراسلين ومقالات تنشر في وسائل الإعلام الإسرائيلية، ويلتقون بين الحين والاخر مع موظف في وزارة الخارجية، مع عضو كنيست، مع محلل دوري. الإسرائيلي يثقل في الكلمات؛ الدبلوماسي يهز رأسه ولكنه لا يفهم شيئا. يعرف بان البرقية التي سيكتبها بعد ذلك لن تقدم حياته المهنية العرجاء في الوطن قيد أنملة.
البرقية التي لن يكتبها ستقول كالتالي، إلى هذا الحد أو ذاك: إسرائيل هي دولة مثيرة للاهتمام. في معظم الدول الديمقراطية التي أعرفها يذهب الناس إلى الانتخابات لثلاثة اسباب: الاول، ان يكون الموعد المحدد في القانون قد حل؛ الثاني، ان تكون نشبت أزمة سياسية خطيرة، من النوع الذي يفكك الحكومات؛ الثالث، ان يكون رئيس الوزراء قد شخص فرصة للانتصار بقوة وتعزيز قوته. أم في إسرائيل فقد اخترعوا سببا رابعا: يتوجهون إلى الانتخابات كي يهربون من القرارات. الانتخابات هي نوع من الهروب.
سأحاول الشرح. في الولاية السابقة كان نتنياهو يقف على رأس حكومة وسط ـ يمين. وقد فككها بعد سنتين. وعلل التفكيك باعتبارات حسية: ملت نفسه من محاولات التآمر ضده من جانب شركائه في الائتلاف. والقشة التي قصمت ظهره كانت مشروع قانون خاص في موضوع هامشي، نال أغلبية مؤقتة، غير ملزمة، في الكنيست. ففرض انتخابات أقام بعدها حكومة يمين ـ يمين.
الحكومة التي أقامها خانعة وطائعة. كل وزرائها يتحدثون بصوت واحد. وبين الحين والاخر تسمع تغريدة انتقاد، ولكن أحدا لا يهدده ولا يتآمر ضده. وعلى الرغم من ذلك، بعد سنتين عاد واعلن بانه ملت نفسه. والموضوع الذي يدور عليه الخلاف هامشي جدا، افضل إلا اتعبكم بتفاصيله. محرج جدا أن تسمى هذه المواجهة «أزمة».. ولكن النفس هي نفس والملل هو ملل. يحتمل أن يدحرج هذا إسرائيل إلى الانتخابات.
أنتم تهتمون بالجانب السياسي. لشدة الفرح، يوجد جانب سياسي. في الولايات المتحدة انتخب رئيس جديد. اسمه ترامب. والقوى التي تشكل حكومة إسرائيل الحالية علقت عليه الكثير من الامل. رئيس البيت اليهودي بينيت تحدث عنه كما يتحدث عن المسيح: انتخابه ازاح عن إسرائيل كل القيود التي فرضها عليها رؤساء سابقون. يمكنها أن تضم، تستوطن، تشرع، كما تشاء.
وعندها فتح ترامب فمه وقال، توصلوا إلى أي صفقة تريدون. لم يقل، افعلوا ما تريدون، استوطنوا اينما تريدون. قال، اعقدوا صفقة. مبعوثه، محام مجال اختصاصه هو العقود العقارية في شركة ترامب، وصل إلى هنا كي يعد الاوراق للتوقيع. وقد فوجيء جدا لان يسمع بانه لا توجد صفقة. توجد اضطرارات. اما ترامب فلا يعترف إلا باضطراراته هو نفسه.
وبالفعل، نشرت أنباء عن صفقة ـ عمونة جديدة مقابل تجميد. نتنياهو سارع إلى النفي: فهو لن يسمح لبينيت بان يسرق له الاصوات في اليمين ـ ليس في الطريق إلى الانتخابات.
القصة السياسية هي مجرد مثال. سألتم عن التحقيقات في ملفات رئيس الوزراء. لا تصدقوا المنشورات: في فترة الانتخابات من الصعب جدا التقدم في التحقيق، ومن المتعذر رفع لوائح اتهام أو ادارة محاكمة. فالاجواء تكون مشحونة جدا. تخيلوا ان تطلب الشرطة التحقيق مع أحد ما في الخارج. لا يمكن لاي حكومة أجنبية أن تسارع إلى إقرار مثل هذا التحقيق خشية أن تتهم بالتآمر ضد إسرائيل. حملة الانتخابات ستذيب التحقيقات؛ والانتصار في الصناديق سيدفنها.
يوجد فضل واحد آخر، لا بأس به، لفترة الانتخابات: مسموح لرب البيت أن يجن جنونه. فالناخبون يحبون هذا؛ العالم يفهم. وأنتم لا بد تتذكرون ما قاله اردوغان عن ترامب بعد أن اعلن بانه سيطرد من أمريكا كل المسلمين: في الانتخابات هذا مقبول. نتنياهو هو الاخر يريد أن يجن جنونه.
الإسرائيليون لا يريدون تقديم موعد الانتخابات. فهم تعبوا من السياسة. وحتى اولئك منهم ممن يريدون التغيير لا يصدقون بانه سيحصل الان. على هذه المشكلة يعرف نتنياهو كيف يتغلب. اصعب عليه أكثر أن يجر خلفه حزبه وشركاءه في الائتلاف. لقد رتب نتنياهو لهم حكومت احلام. والان هو يدفع الثمن.
يديعوت