المناورة الإسرائيلية آخذة في التراجع: عاموس هرئيل
في الوقت الذي تتحرك فيه الساحة السياسية الداخلية على خلفية التحقيق ضد نتنياهو، وازمة اتحاد البث والتهديد بتبكير موعد الانتخابات، فإن إسرائيل تقف أمام معضلتين محتملتين في الساحة الامنية. الاولى مع سوريا ولبنان والثانية مع حماس. ويبدو في الحالتين أنها تقترب إلى هامش المناورة بشكل يزيد من خطر المواجهة.
تصاعد التوتر في الشمال بدأ في صباح يوم الجمعة، في القصف الذي تحول إلى ورطة داخل سوريا. إسرائيل، بشكل استثنائي، اضطرت إلى الاعتراف بأنها قامت بقصف أهداف عسكرية ـ أي قافلة للسلاح كانت في طريقها إلى حزب الله ـ بعد أن تم اطلاق الصواريخ من قبل الجيش السوري وفشلت في اصابة مروحيات سلاح الجو الإسرائيلي، لكنها دخلت إلى المجال الإسرائيلي وتم اسقاطها من قبل صاروخ «حيتس» في غور الاردن.
حسب وسائل الإعلام العربية وتلميحات واضحة من القيادة الإسرائيلية، فإن سلاح الجو يقوم بمهاجمة قوافل السلاح في سوريا منذ أكثر من خمس سنوات. ولكن التفاعل الكبير في الحادثة الاخيرة اضطر إسرائيل إلى التنازل عن «مجال المواجهة». ويبدو أنها اضطرت إلى تهدئة الشعب الاردني بشكل غير مباشر لأن جزءا من صاروخ الاعتراض سقط في الاراضي الاردنية ـ بدون تفسير إسرائيلي علني كان يمكن احراج الملك عبد الله الثاني، الذي سيظهر وكأنه يتجاهل اعتداءات إسرائيل.
لقد حذر وزير الدفاع افيغدور ليبرمان أمس من أنه في المرة القادمة سيقوم سلاح الجو الإسرائيلي بتدمير أي بطارية للصواريخ المضادة للطائرات تقوم باطلاق النار على الطائرات الإسرائيلية. بعد ذلك وصلت تقارير من سوريا حول الاعتداء على قائد مليشيا في هضبة الجولان السورية، وهو حليف لنظام الاسد، الامر الذي تنسبه وسائل الإعلام العربية لإسرائيل.
قال رئيس الاركان غادي آيزنكوت في مراسيم استبدال قائد المنطقة الشمالية إن «حزب الله يخل بقرارات الأمم المتحدة وهو يستعد للحرب». وأضاف «في الحرب القادمة سيكون هناك عنوان واضح وهو حكومة لبنان».
في خلفية الحادثة الاخيرة والتصريحات التي رافقتها هناك تطور مركزي واحد، وهو نجاح نظام بشار الاسد في تحويل مسار الحرب الاهلية السورية والثقة التي تنبثق من تدخل روسيا العسكري في صالح الاسد ـ وهذه الخطة تؤثر ايضا على حزب الله. ليست حلب فقط، ففي الايام الاخيرة استكمل النظام احتلال المنطقة التي سيطر عليها المتمردون في حمص وتم التوصل إلى اتفاق لاخلاء المتمردين من المدينة، التي تعتبر من أكبر المدى السورية.
في الوقت الحالي، حقيقة تفوق الشيعة في المعارك في سوريا تعزز مكانة حزب الله في الساحة اللبنانية الداخلية وتأثيره على سياسة الحكومة في بيروت. أما التعاون المتزايد بين حزب الله وجيش لبنان فهو الذي يجعل إسرائيل تهدد الحكومة اللبنانية.
أقوال آيزنكوت تنضم إلى رسائل مشابهة، قام وزير الدفاع ليبرمان بنقلها اثناء زيارته في واشنطن، والوزير بينيت ايضا في مقابلة مع «هآرتس». وحسب تجربة الماضي نحن لن نضطر إلى الانتظار أكثر من بضعة ايام من اجل الحصول على التصريح المقابل من زعيم حزب الله، حسن نصر الله.
يجب على إسرائيل في هذه الاثناء فحص ردودها، لا سيما على ضوء موقف روسيا. في نهاية الاسبوع تم استدعاء السفير الإسرائيلي في موسكو للمرة الاولى من اجل الاستيضاح في وزارة الخارجية الروسية بسبب هجوم يوم الجمعة. وتقوم روسيا مؤخرا بجهود دبلوماسية تواجهها لامبالاة وتردد من الادارة الأمريكية الجديدة، من اجل التوصل إلى اتفاق وقف اطلاق نار دائم في سوريا. رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، الذي تصرف حتى الآن بشكل مسؤول وحكيم في المنطقة الشمالية، حذر في الشهر الماضي بشكل علني، وأكثر من مرة، من زيادة سيطرة إيران في سوريا، سواء من خلال الميناء الذي تريد إيران استئجاره من نظام بشار الاسد في اللاذقية، أو من خلال دخول حرس الثورة الإيراني وحزب الله إلى مواقع متقدمة في الجانب السوري من هضبة الجولان. لا شك أن التوتر بين الاطراف قد ازداد، وأن تحسن وضع نظام الاسد يزيد من استعداده للمخاطرة في ردوده.
لهجة متشددة
إن اطلاق الصواريخ من قطاع غزة على النقب استمر في يوم الاربعاء الماضي وفي يوم السبت. وأمس سمعت صافرات الانذار في غلاف غزة، وتبين فيما بعد أنها صافرات بالخطأ. وهذا ايضا موضوع دارج في الآونة الاخيرة، قد يشير إلى حساسية الجهاز العسكري أو زيادة محاولات اطلاق الصواريخ من قبل حماس.
ردود إسرائيل في الاسابيع الاخيرة على اطلاق الصواريخ كانت هامشية، صحيح أن اللهجة كانت متشددة، لكن العمل العسكري يتركز عادة في الحاق ضرر محدود بمواقع حماس على طول الحدود، وينتهي بأسرع وقت بعد اطلاق الصواريخ. وهذا يؤكد أن الحكومة لا تريد في هذه المرحلة الانجرار إلى مواجهة واسعة، في الوقت الذي يستمر فيه الجيش الإسرائيلي في الاستعداد لاندلاع المواجهة. مع ذلك، كل مسؤول في إسرائيل تقريبا، يتحدث عن امكانية اشتعال الاوضاع في حدود القطاع في الصيف القادم. ويبدو أن هذه التنبؤات تميل إلى تحقيق ذاتها.
يصعب الحديث عن الهدوء ايضا في الضفة الغربية. ففي الاسبوع الماضي قتل ثلاثة فلسطينيين في الضفة الغربية بنار الجيش الإسرائيلي. في رام الله قتل مطلوب مسلح، وفي الخليل قتل فتى فلسطيني اثناء رشق الحجارة والزجاجات الحارقة وعلى مفترق غوش عصيون قتلت فتاة فلسطينية، قال الجيش الإسرائيلي إنها حاولت دهس الجنود. والانطباع السائد هو أن الجمهور الفلسطيني في الضفة الغربية يزداد غضبا، وبعض هذا الغضب يتم توجيهه للسلطة الفلسطينية التي تظهر اجهزتها الامنية، مرة اخرى، كمتعاونة مع إسرائيل. رئيس الحكومة الإسرائيلي الذي هو الآن في زيارة في الصين، ويهدد بحل الائتلاف، سيضطر كما يبدو إلى اعطاء موقفه من كل هذه التطورات.
هآرتس