مرة أخرى عن العلاقات الروسية الإيرانية حميدي العبدالله
منذ أن أصدر «معهد واشنطن»، ذراع تل أبيب الفكري في الولايات المتحدة، توصياته بضرورة العمل على ضرب العلاقات بين إيران وروسيا، لما تمثله هذه العلاقات من نتائج على توازن القوى في الإقليم، لم تنقطع الإشاعات عن توتر يشوب هذه العلاقات، ووصل الأمر إلى درجة قلب الوقائع، إذ تحوّل التنسيق العسكري الميداني بين روسيا وإيران وحزب الله في سورية إلى صراع على النفوذ، ولا يزال سيل المقالات التي تتحدث عن توتر في العلاقات الروسية – الإيرانية على قاعدة اختلاف المصالح المفترض لم ينقطع، إلى درجة أنّ جزءاً واسعاً من مؤيدي روسيا وإيران بات يصدّق هذه الادّعاءات ويبني مواقفه على أساس الإشاعات التي تطلق من هنا وهناك.
لكن على الرغم من أنّ الوقائع اليومية المتصلة بالعلاقات الروسية الإيرانية تحمل كلّ يوم جديداً يدحض الإشاعات والأقاويل، إلا أنّ هذا لم يحل دون استمرار بث ونشر المقالات والتعليقات التي تتحدث عن خلافات روسية إيرانية.
بادئ ذي بدء لا بدّ من الإشارة إلى أنّ مصالح الدول لا تتطابق بشكل مطلق، بل أكثر من ذلك أنّ الرؤى حول بعض المسائل الوطنية تكون موضع خلاف داخل الدولة الواحدة، وبالتالي فإنّ المعايير التي على أساسها يجري تقييم علاقات الدول في ما بينها وما إذا كانت علاقات إيجابية أم سلبية، علاقات تعاون وتنسيق، أو علاقات صراع، هي المعايير التي تستند إلى تحديد نسبة المصالح المشتركة بالمقارنة مع القضايا التي لا تتطابق فيها المصالح.
هذه المعايير هي التي تحدّد علاقات الدول. بمعنى آخر إذا كانت نسبة القضايا المختلف عليها بين دولتين تتجاوز أكثر من خمسين بالمئة، وتتفوّق على المصالح المشتركة، فمن البديهي أن يشوب العلاقات توتر، وقد لا تصل إلى مرحلة التعاون المشترك، الذي يبدو تعاوناً شاملاً، ولكن إذا كان العكس أيّ نسبة المصالح المشتركة تفوق المصالح المختلف عليها، فإنّ ما يسم علاقات البلدين المعنيين هو التعاون والعمل المشترك، حتى وإنْ كان هناك خلافات حول قضايا معينة.
إذا جرى تقييم العلاقات الروسية الإيرانية بهذه المعايير، فإنّ أيّ حديث عن خلافات وصراعات يصبح أقرب إلى الدعاية منه إلى الحقيقة.
ما يجمع روسيا وإيران موقف سياسي مشترك ضدّ سياسة الغرب القائمة على الهيمنة. ما يجمع روسيا وإيران مصلحة مشتركة في محاربة الإرهاب. ما يجمع إيران وروسيا مصالح اقتصادية آخذة بالنمو ويحتاجها البلدان في ظلّ سياسة الغرب إزاءهما.
في الأيام القليلة الماضية زار وفد اقتصادي إيراني – موسكو، وجرى الحديث عن اتفاقات بعشرات مليارات الدولارات، فقد أعلن وزير الطاقة الروسية أنّ موسكو وطهران تبحثان إمكانية تنفيذ مشاريع صناعية مشتركة بقيمة 10 مليارات دولار، وينتظر التوقيع عليها عند زيارة الرئيس الإيراني لموسكو في نهاية الشهر الحالي.
إذاً الكلام عن صراع وتنافس روسي – إيراني هو مجرد دعاية لضرب العلاقات بين البلدين.
(البناء)