بقلم غالب قنديل

النسبية والمجلسان

غالب قنديل

يجتهد رئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل في التفتيش عن صيغة لقانون الانتخاب وفقا لوصفات مختلطة متعددة بادر إلى طرحها والغاية هي المساهمة في توليد قاعدة مناسبة للتوافق السياسي الممكن ويبدو في المشهد السياسي هدفا مستمرا لانتقادات وهجمات لكونه صاحب المبادرات المتعاقبة التي لم يحقق أي منها التفاهمات السياسية المرجوة لإيجاد مخرج من الحلقة المفرغة والخانقة التي يستغرق فيها انتظار الدخان الأبيض وإقرار صيغة لقانون الانتخاب يقرها مجلس الوزراء ويحيلها إلى المجلس النيابي لتأخذ طريقها إلى النقاش والإقرار وفقا للأصول الدستورية.

المشكلة أصلا في فكرة القانون المختلط كوصفة لأنه يقوم على اللاعدالة واللامساواة أيا كانت قاعدة الجمع المقترحة بين التصويتين النسبي والأكثري وكل وصفة تصيب جانبا من القوى السياسية بالضرر فتحرك هواجس إلغائية مشروعة لديها لأن التيارات السياسية اللبنانية تشكلت بتكوين طائفي ومناطقي يجعل لكل منها خصوصيات سياسية وشعبية بنيوية تستنفر لحمايتها فتتصدى لأي صيغة تضعف فعلها وتتحكم بالحجم التمثيلي لهذا الطرف او ذاك وهذا كله ينبغي الإنصات إليه والتعامل معه بدون مواقف مسبقة.

قاعدة المساواة مبدأ دستوري ملزم وهي كما شرحها الخبراء الحقوقيون تفترض ان يكرس القانون الانتخابي التساوي بين أصوات المواطنين دون تمييز على أساس الطائفة او الدائرة الانتخابية ولذلك اعتبر فقهاء القانون الدستوري في معظم دول العالم ان النسبية الكاملة هي النظام الانتخابي الأوفى عدالة وتحقيقا للمساواة على أساس المواطنة وذلك يقتضي اعتماد الدائرة الواحدة في لبنان او في الحد الأدنى اعتماد النسبية على مستوى دوائر متماثلة ومتكافئة بأحجامها لإجراء الانتخابات في الصيغة الأقرب إلى عدالة التمثيل وهذه هي الوصفة التي لا مفر منها لتطوير الحياة السياسية ومنع الإلغاء الذي هو علة تفصيل الدوائر والنظام الأكثري كما هو علة المختلط وما يثار من شبهات سياسية حول الوصفات المتداولة والمقترحة وبغض النظر عن النوايا الطيبة التي تعكس رغبة في البحث عن مخارج في توليفة هجينة لا يمكن تحريرها من شكوك المتضررين.

جميع الهواجس التي يفتشون عن احتوائها عبر حشر النظام النسبي بمساكنة إكراهية مع الأكثري هي هواجس تتصل بالبنى التقليدية الطائفية والسياسية التي تعيق التطور في النظام اللبناني الطائفي منذ عام 1943 وتستمد قوتها من شعبوية القوى التي جبلت تكوينيا بالعصبيات الطائفية وجددت نفوذها وحضورها بقوة تأثير الانقسامات والعصبيات وقد قدم اتفاق الطائف وصفة انتقالية لوضع جميع تلك الهواجس في عهدة مجلس الشيوخ المنتخب على أساس طائفي وبالنظام الأكثري وليكن على قاعدة الدائرة الفردية لتحقيق المساواة او الصوت الواحد في كل لبنان بحيث يأتي إلى مجلس الشيوخ ممثلو الهواجس الطائفية وتكون تركيبة المجلس النيابي ممثلة للتيارات السياسية بوزن ما لها من حضور شعبي وبصورة عادلة ومتكافئة.

تأخير العمل بنظام المجلسين هو تمديد للعصبيات والانقسامات ولمنطق تفصيل الدوائر ولشبهات إلغائية يحملها النظام الأكثري كيف ما كانت دوائره وتلك هي علة وصفة الستين المكرسة لإعادة إنتاج البنى التقليدية وتأبيدها بصيغ منقحة لقطع الطريق على فرص توسيع دوائر التمثيل الشعبي التي تستحضر مساحة اوسع من التنوع السياسي داخل المؤسسات الدستورية.

إن أي صيغ هجينة تحت شعار القانون المختلط سوف تتضمن عيوبا ولن تحقق التوافق المنشود وسيبقى لدينا متظلمون من نتائجها يطعنون بحق في عدالتها لأنها مبنية على اللاعدالة واللامساواة ومن يرد العدالة والمساواة فليتقدم بشجاعة إلى نظام المجلسين وليعمل على تشكل الهيئة العليا لتجاوز الطائفية التي ينبغي ان تباشر مهامها بقيادة رئيس الجمهورية وتحيل اقتراحات ومشاريع إلى مجلسي النواب والشيوخ لتضع البلاد على سكة جديدة سدت أبوابها من التسعينيات لصالح تأبيد المحاصصة والتقاسم وبتشويه مستمر للإرادة الشعبية انطوى على مظالم وشكاوى منها السياسي ومنها الطائفي وجلها صحيح بينما تراكمت حقيقة اجتماعية مرة هي ان ذلك كله كان في خدمة نظام رأسمالي متوحش تهيمن عليه قوى مالية ريعية اعتاشت على الخصخصة والتقاسم وطحنت قطاعات الإنتاج والطبقات الوسطى في المجتمع اللبناني ووضعت البلاد على حافة هاوية سحيقة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى