صفوة النضال الفلسطيني تحت كنف القائد السيد صابرين دياب
لعلّ أشدّ الأزمات التي يعاني منها الشعب الفلسطيني منذ عام 1936 حتى يومنا هذا، هي أزمة القيادة بالهوية الوطنية الفلسطينية، وإن كان التاريخ يزخر بشخصيات وطنية نضالية رفيعة المستوى، غير أنها لم تفلح في أن تكون قيادة بحجم القضية.. وثمّة من كان ولا زال ينقصهم الوعي، الذي يحتاج الى إرادات حرة، حتى يكون القائد فاعلاً حياً، داخل حركة التاريخ وليس ميتاً خارجها!.. وقد تكون مرحلة حكم الزعيم الخالد جمال عبد الناصر، إحدى المراحل المهمة وطنياً ومعنوياً للشعب الفلسطيني، إذ رأى الفلسطينيون الأمل، في التخلص من الاحتلال «الإسرائيلي»، من خلال المشروع القومي التحرري، الذي ناضل من أجله الزعيم الخالد، وأنصف القضية الفلسطينية، في مرحلة تاريخية ما، بُعيد الخذلان الفلسطيني من حكام الأمة، الذين ساهموا في اغتصاب فلسطين وتسليمها لليهود. ورأى الفلسطينيون بالزعيم الخالد، قائداً للقضية ونصيراً كبيراً لها. وقد استحوذ الزعيم الخالد، على الحب والولاء لقيادته في الوجدان الفلسطيني بألوان طيفه كافة، الإسلاميين والعلمانيين، المثقفين والفلاحين، العمال والطلبة، وصار المفكر الشهيد غسان كنفاني، يرى في الزعيم الخالد، قائداً ملهماً لفكره ولحلمه، كما تحوّل الزعيم وميض إبداع في ريشة الفنان الشهيد ناجي العلي، وأصبحت الشهيدة البطلة دلال المغربي، والشهيدة الباسلة شادية ابو غزالة، وغيرهما من ماجدات شعبنا البطل، يرون أن أمة العرب، لا زالت تلد الرجال..
وها هم مثقفو شعبنا من الشباب المتقد اليوم، علمانيين وإسلاميين معاً، المنتمين بالولاء لفلسطين، يجدّدون الامل في هذه المرحلة، بقائد استطاع بصدقيته ووفائه الشديدين، خلافة زعيم الأمة جمال عبد الناصر، بل إن ما يعزز من تميّز السيد، ان الجيل الحالي يعيش تحت كنفه، ويستمدّ من بسالته الاستبسال في النزال، وقتال العدو والاشتباك معه، في أي وقت وفي أي ظرف!
وحين نتحدّث عن المثقف والمقاومة، وعن العلاقة بينهما، فالكلام لا ينضب، فإن أرفع أشكال العلاقة بينهما، حين تكون العلاقة عضوية تداخلية وتفاعلية وتكاملية أيضاً، حتى لو لم يكن بينهما تماثل أيديولوجي، فهذا التماثل ليس شرطاً ضرورياً. فعندما تتلاقى الأهداف الكبرى في تحرير الإنسان والأوطان، وفي مواجهة الاستعمار والاحتلال والاستيطان، بكل أشكاله المادية والثقافية -وهذا بالضبط ما يتجلّى مؤخراً في الانتفاضة الثالثة، لا سيما في الضفة والقدس ـ فإنّ حالة من العلاقة التكاملية بدأت تنشأ، بين المثقف الفلسطيني في الوطن، وبين واقعه – الاحتلال – أيّ بين دور المثقف ومعنى المقاومة.
لقد شكّل فدائيو الانتفاضة الحالية، علامة فارقة في فهم هذا الدور، ليس على المستوى الفلسطيني والعربي فحسب، بل على المستوى الإنساني أيضاً، وان كان ذلك بمثابة نطفة او بداية تبلور لحالة جديدة – قديمة، قائمة ومختلفة وطنياً وثورياً، تبعث الكثير من التفاؤل، إذا ما تصاعدت وارتقت، بمنأى عن الظروف الموضوعية والذاتية، وقد بدأ يأخذ هذا الاشتباك، بين المثقف والاحتلال، منحى جديداً ومتميّزاً، من خلال إجهار العديد من الشباب الفلسطيني المثقف والمنخرط نظرياً وعلمياً بالمقاومة، ومن خلال الإجهار بقيمة وقامة المقاومة اللبنانية، ورمزيتها بقيادة سيدها، واعتبارها نموذجاً قيادياً ملهماً وحيوياً، في تعزيز قيمة الحياة والحرية، متجاوزين عقدة هوية القيادة، «محلية الانتماء»، وبكونها محصلاً للنور في الليلة الظلماء..
ويمتاز هذا الإجهار أيضاً، أنه يتأْتّى في الغالب وفي هذه الحالة، من وطنيين علمانيين مستقلين، لكنّهم غير محايدين، وممّن كفروا أيضاً كأفراد، بالحالة الفلسطينية على مستوى «القيادة»، التي لم تعِ بعد حركة التاريخ، ولم تفقه منطق الصراعات، وأذكر منهم على سبيل المثال وليس الحصر، الشهداء الفدائيين التالية أسماؤهم:
مازن عريبي، فادي علون، باسل الأعرج، ثائر أبو غزالة، اسحق بدران، معتز زواهرة، إيهاب حنني، بيان العسيلي، مهند العقبي، عصام ثوابتة، حسين أبو غوش، أماني البساتين، مرام حسونة، احمد شراكة، معتز وشحة، والقائمة طويلة تشعّ بالأبطال والبطلات، وسنلاحظ بأنهم منحوا القيادة لسماحة السيد حسن نصرالله بضمير مرتاح، فمن عبَرَ الحدود الى سورية ليدافع عنها، فإنه سيعبر الحدود الى فلسطين ليحرّرها، فقد ترك معظم شهداء الانتفاضة خلفهم، في غرفهم، أو في أماكن تخصّهم، صوراً للقائد الملهم، ورسائل حب ووعد بالوفاء والانتصار، ما يؤكد أنّ الانتفاضة، تسير تحت كنف قيادة ملهمة، مشجّعة، متوهّجة، ترفع بها الهامات، وتمضي نحو التحرّر..
ومما قاله الشهيد الباسل، باسل الأعرج، في إحدى جلساته مع رفاقه من الشباب والشابات: «شعبنا ليس يتيماً طالما أنّ السيد يزأر في الجبهة الشمالية»، كما قال الشهيد البطل معتز وشحة، لرفاقه ولرفيقاته، في إحدى المواجهات مع المحتلّ في بير زيت: «مَن لا يستطيع أن يحمل حجراً بوجه المحتلّ فليهتف باسم السيّد». فقد أصبح اسم القائد الملهم بمثابة سلاح! وعندما يصبح القائد بهذه العظمة، ويحظى بهذا المنسوب الكبير من الثقة، لن تقدر قوة على وجه الأرض، على ثني إقبال الشعب على المقاومة والإصرار على المواجهة. وهذا ما أكدته مقاومة الشهيدين معتز في بير زيت وباسل في رام الله، حين اشتبكا مع قوات الاحتلال، فقد ظلّ معتز يقاتل قوات الاحتلال المدجّجة بأحدث الأسلحة والعربات والمدرّعات المقاتلة، فضلاً عن مروحيات جيش الاحتلال التي غطت سماء بير زيت، لمدة ثلاث ساعات بسلاحه اليتيم، قبل أن يطلقوا الصواريخ الحارقة على المنزل الذي تحصّن فيه، ليغتالوه، بعد أن فضحت بسالة معتز، المحارب الوحيد في المعركة، الجيش الذي لا يُقهَر، حين صمد أكثر من ثلاث ساعات في النزال، فتنازلوا عن اعتقاله مكرهين، وأردوه شهيداً عظيماً بطلاً، فصدحت زغاريد والدته وهتافها: «معتز انتصر يا أهل البلد، هيهات منا الذلة». أما باسل، فقد اشتبك مع قوات ضخمة من جيش الاحتلال لمدة ساعتين متتاليتين! ليطرح السؤال العظيم: من أين تتأتى إرادة الأحرار؟ وتحضر الإجابة سريعاً، شعب جبار صاحب حق وعزيمة حرة، ولديه قائد بطل لا تهزّه أشرس التحديات، لا بدّ له أن يصمد في أشكال المعارك كلها، وسينتصر…
(البناء)