فيلم «انتفاضة الخبز» الهابط! محمد صلاح
لم يستمر الاحتفال طويلاً، فانتفاضة الخبز التي احتفى بها بعض وسائل الإعلام وجُهّزت فضائيات الإخوان لتغطيتها أياماً، ووعدت صحف الجماعة ومواقعها الإلكترونية قراءها ومتابعيها بتصعيد سيتبعها، لم تدم سوى ساعات قليلة. صحيح أن ناشطين وثورجية ووجوهاً لمعت مع الربيع العربي وانطفأت بعد إطاحة حكم الإخوان في مصر، توقّعوا أن تتحول الانتفاضة إلى ثورة، فاستعدوا لدخول الميادين، إلا أن صدمة كبيرة حلت بهؤلاء، إذ لم يكن في الأمر انتفاضة من الأصل، وانصرف الناس عن دعوات التصعيد تماماً، كما سخروا مراراً في مناسبات عدة، كيوم الحكم على مرسي أو مرشد الإخوان، أو في ذكرى 25 كانون الثاني (يناير) أو يوم ثورة الجياع المثيرة للضحك .
استعان إعلام الإخوان بمشاهد قديمة مدّعياً أنها حديثة، بينما سار بعض الناشطين والثورجية كعادتهم في ركب الجماعة، وروّجوا لأن غضب بعض المواطنين من قرار مزعوم بتخفيض حصة الخبز المدعم سيزداد، وككرة الثلج سوف ينضم إليهم الغاضبون من ارتفاع الأسعار والناقمون من ارتفاع قيمة الدولار والمعترضون على تشييد العاصمة الإدارية الجديدة، لكنهم فوجئوا بأن الأمر لم يستمر سوى ساعات، وأن سيناريو تحريض المواطنين أمام المخابز لدفع الناس إلى الثورة مجرد «فيلم» هابط.
لم ينسَ المصريون بعدُ أن معارك كانت تقع في سنوات سابقة، وضحايا كانوا يسقطون أمام المخابز جراء السباق بينهم على نيل حصص الخبز المدعم، حتى وضعت الحكومة بعد ثورة 30 حزيران (يونيو) 2013 نظاماً لضمان حصول المواطنين على حقوقهم في يسر، ومن دون إهانات أو مشاكل.
ولمن يريد أن يفهم طبيعة ما حدث، فليعلم أن دعم الخبز العام الجاري في مصر بلغ 60 بليون جنيه، مقارنة بـ 18 بليوناً العام 2010، وبحسب إحصاءات كانون الثاني (يناير) الماضي، تنتج مصر حوالى 360 مليون رغيف خبز مدعم يومياً بزيادة بلغت نحو 50 مليون رغيف على معدلات الإنتاج في الشهر ذاته العام 2016. تلك الزيادة غير الطبيعية دفعت وزارة التموين للبحث عن أسبابها، خصوصاً بعد أن ارتفعت كلفة إنتاج رغيف الخبز المدعم إلى 57 قرشاً من 31 قرشاً بعد تحرير سعر الصرف. علماً بأن الرغيف الواحد يباع للمواطن بخمسة قروش، ولمن لا يعرف فإن الجنيه المصري الواحد مئة قرش، وبالتالي فإن الرغيف يكاد يباع مجاناً للمواطنين بينما سعره دون دعم جنيه كامل، وتستطيع بألف دولار أن تغطي مساحة دولة صغيرة بأرغفة الخبز المدعمة في مصر!!
ويستفيد نحو 71 مليون مواطن مدرجين ضمن 21 مليون بطاقة تموينية في مصر بمنظومة الخبز والسلع الأساسية المدعّمة ضمن نظام تكاد مصر تكون الدولة الوحيدة في العالم تطبقه. ويتم صرف 5 أرغفة يومياً لكل مواطن عبر كارت ذكي (ممغنط) أو كارت ورقي لمن لا يحمل الكارت الذكي، وأصحاب الكروت الورقية يتم احتساب ما صرفوه من أرغفة عبر «كارت ذهبي» في حوزة صاحب المخبز. الانتفاضة المزعومة حدثت ببساطة لأن الكارت الذهبي الواحد يسمح بصرف ما بين 1000 و 4000 رغيف يومياً، كلها في عهدة صاحب المخبز، ويفترض أن تصرف لمن لا يحملون «بطاقات إلكترونية»، أو من تعطلت بطاقاتهم. وعندما سعت وزارة التموين لتحديد سبب زيادة إنتاج الخبز المدعم، اكتشفت أن عدد الأرغفة التي يتم صرفها من خلال هذه «الكروت الذهبية» تقترب من 25 في المئة من إجمالي الإنتاج اليومي. قدر وزير التموين الدكتور علي المصيلحي أن نصف هذا الصرف «وهمي»، وأن بعض حائزي «الكروت الذهبية» يصرفون أرغفة خبز مدعم، لم تُنتج من الأساس. وقررت الوزارة تخفيض الحد الأقصى لعدد الأرغفة التي يمكن الـ «الكارت الذهبي» صرفها من 4000 إلى 500 رغيف يومياً، إلى حين الانتهاء من إتمام منظومة الكروت الذكية لكل المواطنين وإلغاء «الكارت الذهبي»، فامتنع بعض أصحاب المخابز عن صرف حصص المواطنين وادّعوا أن وزارة التموين قررت تخفيض حصة المواطن اليومية من 5 إلى 3 أرغفة.
بالطبع، كان الإخوان في الانتظار، وسريعاً استغلوا فساد ذمم من سعوا إلى الضغط على الحكومة لإلغاء القرار الذي ضرب مصالحهم. صحا الناس من نومهم على أنباء «انتفاضة الخبز» وتوقع الإعلام الغربي ثورة في الطريق، وتورطت برامج تلفزيونية مصرية في عرض «تمثيليات» إخوانية بدعوى نقل الحقائق للمواطنين، ثم تبخرت الانتفاضة وعاد المصريون إلى ممارسة حياتهم بشكل طبيعي، بينما انشغل الإخوان ومن يحترمونهم في البحث عن انتفاضة أخرى!!
عن صحيفة الحياة