الشعب يريد مجلساً وطنياً جديداً
باسل الأعرج
منذ عدة شهور طلب مني أحد الأصدقاء أن أكتب مقالاً قصيراً أدعو الناس فيه للتسجيل في حملة انتخابات المجلس الوطني. في ذلك الوقت صدمت، ماذا سأكتب ؟ ماذا أعرف؟ وماذا أجهل؟ عكفت بعض الوقت للبحث والتقصي عن الموضوع أكثر، وكنت في البدء أعاني من نقص معرفي كبير حول المجلس الوطني وانتخاباته، إلا أن حيرتي ازدادت وأسئلتي تراكمت بعد أن عرفت أكثر، فقررت التهرب من صديقي واتبعتُ المثل القائل: “إن قدرت تغيِّب غَيِّب وإن حضرت ابقى زلمة طيب ” .
وكان قبل هذا أن بُح ّ صوتي كما بُحّت أصوات الكثير من الشباب والشابات ونحن نهتف: “الشعب يريد مجلس وطني جديد”. في هذه الأيام تتم العودة من جديد للعمل على نشر دعوة التسجيل لانتخابات المجلس الوطني، وأقرّ بأنّ بدء الحملة من مخيمات سوريا لهوَ صفعة قوية لمن اتفقوا على أن يستبعدوا اللاجئين في الأردن وسوريا ولبنان وكذلك فلسطينيي الداخل. لكن وفق ماذا سنتوجه لهذه الانتخابات؟ وعلى أي أرضية نقف؟ وإلى ماذا نستند؟ هل نتوجه لها وفق التزامات منظمة التحرير؟ أم وفق الميثاق المشوّه؟ أم وفق القرارات الدولية؟ أم وفق المحاصصة بين الفصائل؟ أم وفق القوائم الهزيلة والتي وإن أحصيتَ عدد أتباع 12 قائمة، فهو لن يتجأوز عدد سكان قريتي؟ أو بما يخدم مصالح الكومبرادورات وهوامير المال والاعمال؟
الميثاق الوطني الفلسطيني
صدر أول ميثاق فلسطيني في 28 أيار 1964 وسمي بالميثاق القومي الفلسطيني، وتبعه في 10 تموز 1968 الميثاق الوطني الفلسطيني، ثم جاء 14 كانون الأول 1998 ليتم تعديل الميثاق الوطني لإنهاء التناقض ما بين الميثاق والتزامات المنظمة، وتم التصويت عليه في حضور الرئيس كلينتون، ولعيون كلينتون بتهون مرج عيون.
يتكون الميثاق الوطني الفلسطيني لعام 1968 من 32 مادة وفي التعديل لعام 1998 تم “تعديل الميثاق الوطني وإلغاء المواد التي تتعارض مع الرسائل المتبادلة بين منظمة التحرير الفلسطينية وحكومة إسرائيل يومي 9 و10 سبتمبر (أيلول) 1993”.
وجاء الامر بأن تم شطب 12 بنداً، وهي البنود التي تتحدث عن الكفاح المسلح ورفض وعد بلفور ورفض التقسيم ورفض أي حلول بديلة عن تحرير كامل فلسطين، وإدانة الصهيونية واعتبارها عنصرية ومرتبطة بالمشروع الامبريالي ارتباطاً عضوياً، والمطالبة باعتبارها حركة غير مشروعة وتحريم وجودها وتجريم نشاطها، واعتبار اسرائيل خطراً على السلام العالمي. كلّ ذلك تم إلغاؤه.
وتم حذف مقاطع وتعديل 16 بنداً، وهي البنود التي جاء فيها تعريف فلسطين وحدودها وتعريف الفلسطيني، وصاحب الحق الشرعي في فلسطين والشعارات الثلاثة، والعلاقة بين تحرير فلسطين والوحدة العربية، وواجب العرب تجاه فلسطين، والتأكيد على الحقوق الدينية لجميع الأديان وحرية العبادة، وماهية عملية التحرير كعمل دفاعي ودور المنظمة، وأخيرا البنود التي ترفض الوصاية والتبعية والتي تؤكد على استقلالية الثورة.
أما البنود التي لم يتم حذفها أو شطب أو تعديل مقاطع منها فهي: البند 24 ولم يتم تعديله أو حذفه لأنه يتناسب مع المبرر الاستعماري الجديد، والبند 28 والذي تم الحفاظ عليه للجم كل من تسول له نفسه أن يكون فلسطينيا اكثر من الفلسطينيين – المعاد تعريفهم – وأن يرفض الاتفاقيات , والبند 31 لانه غير ذي أهمية لطابعه الشكلي وحديثه عن النظام الاساسي ، والبند 32 وهو البند الذي شرع التشويه للميثاق والذي ينص على أنّ أكثرية ثلثي المجلس الوطني لهم الحق في تعديل الميثاق.
القرارات الدولية
اعترفت منظمة التحرير عبر المجلس الوطني في 15 تشرين الثاني 1988 بالقرار 242 وأكدوا في تاريخ لاحق على القرار 383 الذي يدعو لتطبيق القرار السابق واعتبار القرار 242 هو المرجعية لحل القضية الفلسطينية ويدعو القرار إلى “انسحاب القوات الإسرائيلية من الأراضي التي احتلت في النزاع الأخير” – ننوه لوجود اختلاف في الترجمة بين النسخة الانجليزية والفرنسية لكلمة الأراضي وأراض- واحترام سيادة دول المنطقة على أراضيها، وحل مشكلة اللاجئين – وهذا يختلف مع القرار 194 الذي ينص على حق اللاجئين بالعودة وليس مطالبة بحل “مشكلتهم”- وإقرار مبادئ سلام عادل وشامل في المنطقة.
التزامات المنظمة
التزمت منظمة التحرير بعدة التزامات أولها القرار 242 السابق ذكره، ثم مراسلات عرفات رابين والتي تم الاعتراف فيها بـ”اسرائيل” ثم اتبعوه باتفاقية أوسلو، ثم اتفاقية القاهرة عام 94 والتي حددت الخرائط المتعلقة بالاتفاقية السابقة، ثم اتفاقية تقسيم الخليل، واتبعت باتفاقية شرم الشيخ عام 96 والتي تتعلق بالتصدي المشترك للعمل المسلح تحت مسمى محاربة الارهاب، فإقرار المبادرة العربية، فخارطة الطريق و اتفاقية معبر رفح التي ربطت المعبر بالهيمنة الصهيونية، فتفاهمات انابوليس التي صنعت الفلسطينيين الجدد على يد دايتون، وأخيرا ً شروط الرباعية بالاعتراف باسرائيل ونبذ العنف والتقيد بالالتزامات السابقة.
قانون انتخابات المجلس الوطني
تتوزع مقاعد المجلس الحالي على 19 قائمة حزبية ومستقلين وعسكرين وعلى 13 قائمة للاتحادات والنقابات. وتشير مسودة لقاءات المصالحة في القاهرة إلى أن “أي اتفاق في هذا الشأن لابد أن يتم بالتراضى، وضرورة تمثيل جميع القوى والفصائل الفلسطينية فى المنظمة، وفقا لاتفاق القاهرة المنعقد في مارس 2005، والفقرة الثانية من وثيقة الوفاق الوطنى التى تم التوصل إليها فى يونيو 2006”.
وتوجد خلافات كما نشر في 9 شباط 2013 تتعلق بآليات النظام الانتخابي، وعلاقة التشريعي بالوطني، والاشراف على الانتخابات وعدد دوائر الانتخاب ونسبة الحسم. وقد نشر أنّه تم التوصل إلى آلية انتخاب وفقا لمبدأ التمثيل النسبي وبالتوافق إذا تعذّر اجراء الانتخابات.
مقالي هذا موّجه إلى من لم يتنازل أو تفتر عزيمته أو يجبن أو يتدجن أو يقبل التفريط أو ينخدع بالتزيين وأتوقع أن تطرح اسئلة:
الأول: ما تقوله هو حجة عليك، فكل هذا التنازل تم بتواطؤ من أغلبية المجلس الوطني وغياب التمثيل الحقيقي للشعب، فحري بنا أن نشارك لنمنع مزيداً من التنازل ونغير المسار نحو استراتيجية مقأومة ونطرح برامجنا وتصوراتنا لهذا يجب ان نشارك.
في ظل هذا الوضع من سيطرة شريحة متنفذة وقوية ومسيطرة على القرار السياسي والبنية الاقتصادية، وفي ظل سياسات القمع العلني والخفي وسياسات الاحتواء وفساد المنظومة وتغليب المصالح الفردية والفئوية وضعف الفصائل وترهلها وسيطرة العصبية الحزبية وهجرها للتجديد ناهيك عن وجود الاحتلال والارتباط العضوي للسلطة بالمشروع الامبريالي وأمواله كيف لك أن تسيطر وتكتسح المجلس في ظل هذا؟
سنكون كما التيس المستعار نحلل الزنا بفلسطين ونصبغ التنازل بطابع شرعي، بربك كيف لصندوق انتخاب أن يكون له الحق بالتنازل عن شبر في فلسطين، وكما يقول المثل ” حارتنا ضيقة وبنعرف بعض” فمن المؤكد أنك مطلع على كيفية حدوث الانتخابات والكولسات التي ترافقها، ماذا لو نجح احد العملاء؟ ألم يحدث ان نجح خمس عملاء في انتخابات احد الاقاليم في فصيل فلسطيني؟ ألم يصل راغب النشاشيبي بالانتخابات، الم يكن في البرلمان الاردني عن الضفة الغربية سماسرة اراض وعملاء، ألم ينجح في التشريعي الأول لصوص وفاسدون وافاقون، وفي الانتخابات البلدية الاخيرة ألم ينجح بعض وكلاء كبرى الشركات الصهيونية، ألم يهرع بعض رؤساء البلديات للتطبيع؟ وإن خاب ظني وتوقعاتي واكتسحتم المجلس أليس لكم من عبرة في اكتساح حماس للتشريعي، أما زلت تؤمن بإمكانية الاصلاح؟ انا لا اؤمن إلا بالتغيير الجذري للنظام الاجتماعي والسياسي.
الثاني: ما تقوله سيؤدي إلى الاقصاء لبعض الفئات والشرائح؟ نعم أنا مع الاقصاء، من يتنازل عن 78 % من فلسطين يجب اقصاؤه، من يرتبط بعلاقات مع العدو ( المعسكر الاستعماري ككل ) يجب اقصاؤه، من يحترف فلسفة اعتذارية عن نضالات شعبنا ويحقرها يجب اقصاؤه، وهل يستقيم الوضع بدون اقصاء هذه الفئة المارقة؟