ما له وما عليه العميد منير عقيقي
يوم تبوّأ اللواء عباس ابرهيم منصب المدير العام للأمن العام عقب تسلمه في الجيش اكثر المهمات الأمنية حساسية، كان يصعب على المرء ان يتخيل قدرة هذا الأمني على القيام في المقبل من الأيام بدور اساسي في لبنان، بلد التناقضات والتفاهمات الحساسة، وفي وقت بدأ اللهيب يأتي على دول برمّتها، هي اساسا لم تكن محل توقّع ان تتشظى كالزجاج المتناثر.
إن المنصب الذي شغله اللواء ابرهيم بالغ الأهمية والحساسية في النظام اللبناني، بجمهوريتيه الأولى والثانية، وغالبا ما وُصف بأوصاف مثل “مستشار النظام” … “حاكم الظل” … “طبّاخ التسويات” وغيرها الكثير مما يتبرع به البعض تزلّفا او تقرّبا صادقا، او بغرض توطئة صفة لاستثارة حساسية ما تمهيدا للانقضاض على الشخص والصفة والموقع.
قلّما كان صاحب صفة وموقع ودور مرشحا للتجديد له بسبب ما ينتظره من مهمات غاية في الدقة والخطورة، بالقدر الذي كان يحصل لمن حقق إنجازات، الا انه في حالة اللواء عباس ابراهيم اختلفت القاعدة لما للرجل من نجاحات وانجازات، وايضا لما ينتظره من مهمات تفرضها تطورات الأوضاع وتبدل التفاهمات الدولية، من جراء ما استجد في العالم من سياسات تعكس، اكثر ما تعكس، انعطافات ثقافية وحضارية متصلة بالهويات، وهي مقلقة الى حد الهلع من الآتي بسبب سعير الهواجس والمصالح على حساب فكرة الدولة الوطنية.
ما ينبغي الإشارة اليه او التأكيد عليه يتعلق باللواء ابراهيم المُجدَّد له، كون تسلمه لمنصبه هذا لم يصدر عن وزن متصل بوقائع الحالة اللبنانية، بل كان مرشحا على الدوام بوصفه أمنيا متميزا، وليس باعتباره تمثيلا لزعامة ما. وليس مغامرة او غلوّا القول على معنى من المعاني، انه بصفته وشخصه كان يحرص على الاقامة في الصيغة اللبنانية متى احتدمت معارك القوى الطائفية من حولها، حاميا لها، محصنا بطموح لا حدّ له قوامه النجاة بلبنان وطنا ودولة وشعبا، وليس سعيا ليكون بديلا، او احتمالا مشفوعا بنسبة من الحظ.
لهذه الأسباب كان المدير العام للأمن العام يكتسب موقعه وارجحيته من ولاء لا تشوبه شائبة للدولة ككل جامع، لذا قاد المؤسسة الى ادوار مميزة عبر وضع الخطط والبرامج بمستوياتها الامنية والادارية، وعلى المديين القصير والطويل، فكان الأمن الاستباقي والاحتراف في التنفيذ اللذان نجيا بلبنان من مستنقعات الدم والفتنة، وكذلك كانت الإدارة الحديثة فاستحقت جوائز الجودة (ISO)، فضلا عن الأداء المميز في مجال حقوق الانسان، وتحصين جسم المديرية من اية مفاسد، فأجمع اللبنانيون، في نادرة في سياقاتهم، على المديرية العامة للأمن العام نموذجا ينبغي تكريسه.
على هذه الحال، فإن مهمات اللواء ابراهيم بالغة الاهمية، ماضيا ومستقبلا، ذلك ان الصلاحيات المتشعبة المنوطة قانونا بالمديرية ما بين السياسة والاقتصاد والاجتماع، ناهيك بالمهمات الأمنية، شكلت على الدوام قلعة من قلاع الاستقرار اللبناني، كون عملها متصلا مباشرة بالأمنين الداخلي والخارجي للدولة، وتتجاوزهما في احايين كثيرة الى مهمات استباقية وقائية. ذلك ان مفهوم الامن الاستباقي وتنفيذه المميز – وكان الامن العام الاب الاول له – شكل العمود الفقري في مكافحة الارهاب واجتثاث رؤوسه ومشغليه.
قيل في الماضي الكثير عن اللواء ابراهيم وسيقال ايضا في الحاضر والمستقبل، الأمني، السياسي، الاداري، الوسيط، صلة الوصل بين الحلقات المنقطعة وجسر العبور الى الحوار المقطوع. لكن الرجل يبقى لبنانيا بامتياز، مستوحيا قيم الارشاد الرسولي في ان لبنان رسالة اكثر منه دوراً.
■ رئيس تحرير مجلة “الأمن العام”.
(النهار)