بقلم ناصر قنديل

واشنطن وأنقرة لموسكو: لا تغطية لمعارك مع الجيش السوري

ناصر قنديل

– يوفر انعقاد اجتماع على مستوى رؤساء أركان جيوش محورية في الحرب السورية، هي كل من الجيش الأميركي والروسي والتركي، فرصة لطرح الأسئلة حول المستقبل الذي سيرسمه هذا الاجتماع. المفترض أنه أرفع مستويات التواصل الثلاثي للدول التي يكفي تفاهمها على قواعد اشتباك حتى تتغيّر صورة الحرب واتجاهاتها، حيث لا توجد قوة تملك قدرة تعطيل ما يتوصلون للتفاهم حوله، فروسيا حاسمة بالعمل ضمن تفاهمها مع سورية وإيران، وخارج تركيا وأميركا لا يوجد لاعبون دوليون وإقليميون من المعكسر ذاته قادرون على تغيير الوجهة العامة للحرب كما يرسمها الأميركي والتركي بمن في ذلك السعودي و«الإسرائيلي».

– حوادث التصادم التي جرت من قبل تمّ تركها لمستويات دنيا مثل يوم القصف الأميركي للمواقع السورية في دير الزور، أو لتسجيل النقاط ورسم التداعيات بما في ذلك من خطر تصعيد، مثل يوم إسقاط تركيا للمقاتلة الروسية. فخطر تصادم تركي كردي في منبج كان له أن يسلك إحدى الطريقين لو لم يقدّم فرصة مناسبة لتغيير في قواعد الاشتباك، وبالتالي رسم الاستراتيجيات، وهذا ما يفعله قادة الجيوش. وهو هنا اجتماع روسي أميركي خلافاً لعقيدة البنتاغون والـ»سي أي آي» المعلنة بوجه الرئيس دونالد ترامب بالتعامل مع روسيا كعدو يستدعي الاتصال به استقالة شخصية بحجم مستشار الأمن القومي. فهو بالتالي اجتماع أميركي روسي فرضته التطورات على أميركا بقبول التغيير في القواعد الحاكمة للعلاقة العسكرية مع روسيا في الحرب السورية، واستدعت طبيعة الاجتماع لشموله الاستراتيجيات وانطلاقه من معادلة الاستحالة في التعاون التركي الكردي التي قدّمتها حوادث منبج، لرسم قواعد الحرب الجديدة.

– كانت المهمة الروسية محدّدة، وهي البديهيات التي تقتضيها كل استراتيجية، تحديد العدو وتحديد الجهات الملتبسة التوصيف، وحسم أدوار المجتمعين في معاملة القوى المصنّفة صديقة بما لا يحرجها، لكن من دون إخراج الحرب عن مسارها لحسابات الخصوصية الواجبة مراعاتها. وهنا حَسَمَ الاجتماع العدو بداعش والنصرة، وحسمَ عدم تصنيف الجيش السوري عدواً، وحسم اعتبار الفصائل التي تحمل عنوان المعارضة ضمن الذين تلتبس علاقتهم بجبهة النصرة، وحسم اعتبار حلفاء الجيش السوري في الحرب على داعش والنصرة، ضمن معكسر صديق ولو كان إعلان ذلك غير مرغوب لما فيه من إحراج. فلا يُذكَرون بأسمائهم على خرائط القتال العسكرية بل يذكر الجيش السوري بالنيابة عن نفسه وعن حلفائه، لكن الأهم اعتبار القتال ضد الجيش السوري خارج أي تغطية من المجتمعين.

– لا يلغي هذا التغيير الذي فرضته الحاجة لتفعيل وتزخيم الحرب على داعش في الرقة أميركياً، مع العجز عن تجميع الأكراد والأتراك في ضفة واحدة، من جهة، وتقدم الجيش السوري للإمساك بخطوط الاشتباك نحو الرقة من جهة مقابلة، أن الموقف الأميركي الرمادي من صيغ التسوية السياسية في سورية مستمر، ولو أنه يفتح باباً للتطبيع السوري الأميركي على مستويات عدة. ولا يعني هذا المستجد التزام أميركا بأن تصير صديقاً لإيران او لحزب الله أو خصماً لـ«إسرائيل». وهي لن تغيّر وتبدّل من سياساتها العامة في كل ما له صلة بكل ما تستطيعه لأجل «إسرائيل»، لكن على طريقة كلام جيفري فيلتمان قبل يومين، لا يجوز أن يكون بيد حزب الله سلاح في لبنان، لكننا نعترف بكونه ليس عاملاً لزعزعة الاستقرار فيه.

– ستسعى واشنطن وأنقرة لتمويل وتسليح وتجهيز الجماعات المسلحة، ولإقناع السعودية بفعل ذلك، لكن هذه المرة تحت سقف حجز مقعد أكبر في الحرب على النصرة شمال سورية وعلى داعش والنصرة في جنوبها والوسط، وإن اقتضى الأمر التنسيق مع الجيش السوري بتعاون تركي روسي، على أن يقوم الأكراد ومعهم الجماعات العربية التي تدرّبها اميركا بمقتضيات تسريع الحرب في شمال سورية ضد داعش وإن اقتضى الأمر التنسيق الكردي المباشر مع الجيش السوري، ولا مانع من تنسيق أميركي روسي يظلل هذه المعركة، ويحدّد إطار التعاون مع الجيش السوري وحلفائه ميدانياً.

– قد يشكل هذا التغيير قراءة صادمة للبعض، إذا بقيت نظرتهم لدينامية الحرب تنطلق من قراءة تعتبر كل حديث عن تحوّل أميركي أو تركي نوعاً من الوقوع في الخداع، وتعتبر أن المعسكر الذي تقوده واشنطن يختصر تشخيصه بالخبث المشفوع بالقوة، من دون قراءة مفعول العجز اللاحق بقدرات هذا المعسكر، كما ظهر في فرار المدمرة «يو اس أس» من طريق الزوارق الإيرانية في هرمز، العجز والخيارات الضيقة هما اللذان يجلبان الأميركي لميادين لم يكن يرغب أن يصلها. فمعادلة هزيمة داعش تحدّ وضعته إدارة ترامب لربح معاركها الداخلية بنصر خارجي، وصار تحدياً لـ«البنتاغون» كجهة معنية بتحقيق الهدف، فإن أمكن إنجازه بالانفراد فليكن، وإلا فليجد الطرق المناسبة للتحالفات، والبيت الأبيض لن يتدخل في الضغط لحساب ترجيح خيار على خيار، لكن الوقائع تفرض نفسها، إما تدخل بحجم حرب العراق يرفض «البنتاغون» تورطاً فيه، أو تغييراً في التحالفات يعترف بالحقائق بحدّها الأدنى يجد البنتاغون طريقه لمثل اجتماع أنطاليا ومندرجاته.

(البناء)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى