مقالات مختارة

مقاييس إسرائيل المزدوجة: أورن هابر

 

في مقال الرأي الذي نشر مؤخرا على هذه الصفحة كتب نداف هعتسني أنه في شرقي القدس وفي الضفة «تثبت مقياس مزدوج لإنفاذ القانون وللهدم. قانون واحد جسيم ومتشدد لليهود، وقانون آخر، مخفف ومتجاهل للعربـ« («يضحكون كل الطريق إلى عمونة»، 15/2/17). انتباه خاص كرس في المقال للبناء في كفر عقب، الحي الذي قطع عن القدس بجدار الفصل، ولكن سكانه يحملون بطاقات هوية اسرائيلية ـ الحقيقة التي قالها هعتسني. الادعاء بان السكان الفلسطينيين في شرقي القدس ـ سكان مميز ضدهم في كل المجالات، في التخطيط والبناء، في الانفاذ، في التعليم وفي خدمات البلدية ـ يحظون بتسهيلات مبالغ فيها مقارنة بالسكان اليهود ـ هي حقيقة مدحوضة من أساسها بل وسخيفة. ولكن الوضع في احياء شرقي القدس خلف الجدار يحتاج فحصا أكثر عمقا.

حسب التقديرات، في الأحياء التي ضمن الحدود البلدية للقدس، والتي قطعها عن المدينة جدار الفصل، يسكن قرابة 100 الف نسمة، نحو ثلث سكان شرقي القدس الفلسطينيين. ما لا قل عن نصف سكان الأحياء خلف الجدار كانوا يسكنون قبل ذلك في نطاق الجدار ودحروا إلى خارجه في العقد الأخير في أعقاب سياسة حكومية وبلدية تكاد لا تسمح لبناء قانوني في شرقي القدس، وفي اعقاب ضغوط اقتصادية ـ اجتماعية. وأصبح سكان الأحياء خلف الجدار «نازحين في مدينتهم». كما يصف تقرير جمعية «عير عميم» في 2015، فان هؤلاء السكان في هذه الأحياء هم عرضة لإهمال شبه مطلق من جانب البلدية والحكومة، في مجالات البنى التحتية، التعليم، الخدمات وما شابه. وفي السنة الماضية علم أن سكان حي رأس خميس اضطروا لشق طريق إلى الحي بقواهم الذاتية، بعد أن يئسوا من امكانية أن تفعل البلدية ذلك نيابة عنهم. وفي السنة الماضية، بعد أكثر من عقد من الإهمال وفقط بعد جهود كبيرة من لجنة الحي و «عير عميم» دشنت محطة اطفاء النار الأولى في منطقة كفر عقب، وهي محطة الاطفائية الوحيدة في الأحياء التي خلف الجدار.

مثل سلطات بلدية أخرى، فان سلطات انفاذ القانون هي الأخرى تدير أرجلها عن هذه الأحياء. في مخيم اللاجئين شعفاط مثلا، لا توجد محطة شرطة، ما يترك المكان لاعمال جنائية واسعة في المخيم. السكان أنفسهم تواقون لانفاذ القانون والنظام في الاحياء خلف الجدار، ولكنهم يجدون أنفسهم متروكين لمصيرهم تماما. فالسياسة التي تشجع هجرة السكان الفلسطينيين إلى خارج الجدار ليست نوعا من التمييز الايجابي بل العكس، هكذا ترك للسكان لمصيرهم بلا خدمات وبلا بنى تحتية مناسبة، مما يخلق اكتظاظا شديدا وبناء متهالكا، من شأنه أن يعرض السكان للخطر في حالة المصيبة. ومع كل هذا، فان الفلسطينيين في شرقي القدس مستعدون لان يحشروا في هذه الاحياء من أجل الحفاظ على صلتهم بالمدينة، التي هي مدينة مركز حياتهم، وعلى مكانة الاقامة لديهم، المهددة دوما من السلطات.

في نظرة إلى شرقي القدس كلها، يكاد يكون غنيا عن البيان بان السلطات لا تتجاهل البناء غير المرخص من جانب السكان الفلسطينيين، بل العكس. فالعام 2016 كان سنة ذروة في هدم المنازل في شرقي المدينة، واكثر من 120 وحدة سكن و 80 مبنى آخر هدمت على مدى السنة. في قلنديا قرب كفر عقب فقط هدم 37 وحدة سكن. وفي مجال أذون البناء في القدس بالمقابل فإن التمييز ضد الفلسطينيين واضح: كما ذكر في تقرير مراقب الدولة، فان فقط نحو 15 في المئة من أذون البناء تعطى للفلسطينيين في شرقي المدينة، والذين يشكلون قربة 40 في المئة من عدد سكان القدس. ما هو مطلوب للقدس في هذا الوقت هو ليس المزيد من الاهمال، الهدم والتنطح، بل تخصيص عادل للمقدرات لشطري المدينة والاعتراف بان القدس هي وطن للشعبين اللذين يقيمان فيها حياتهما.

معاريف

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى