لماذا تراجع نتنياهو عن مبادرة السلام الإقليمية؟: براك ربيد
أوصل رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو قبل نصف سنة إلى رئيس المعسكر الصهيوني اسحق هرتسوغ وثيقة فيها إعلان مشترك، كان من المفروض أن تحرك مبادرة سلام اقليمية وتشكل أساسا لإقامة حكومة وحدة وطنية. الوثيقة التي يتم نشرها هنا لأول مرة شملت استعداد نتنياهو لحل وسط اقليمي على أساس حل الدولتين وكبح البناء في المستوطنات. وبعد ثلاثة اسابيع من وصول الاقتراح إلى هرتسوغ وبعد الحصول على الموافقة المبدئية، بدأ نتنياهو بالتراجع على خلفية الازمة السياسية حول البؤرة غير القانونية عمونة. المحادثات بين الاطراف وصلت إلى طريق مسدود، وفي منتصف تشرين الأول فشلت كليا.
الوثيقة التي وصلت إلى هرتسوغ في 13 أيلول، بعد يومين من المحادثات بين الاطراف، كانت مسودة إعلان مشترك كان من المفروض أن يعلن عنه الاثنان في قمة القاهرة أو شرم الشيخ مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ويمكن ايضا مع عبد الله الثاني ملك الأردن، بعد ذلك بثلاثة اسابيع، في بداية تشرين الثاني 2016.
كان من المتوقع أن تكون قمة مصر البداية لمبادرة سلام اقليمية، ونتنياهو كانا ينويان بعد عودتهما إلى البلاد الإعلان عن مفاوضات ماراثونية لتشكيل حكومة وحدة وطنية.
عدد من الجهات الدولية كانت على صلة بالأمر، والوثيقة ومضمونها كانت معروفة للمسؤولين الرفيعين في حكومتي مصر والأردن، ورئيس حكومة بريطانيا السابق طوني بلير الذي كان على صلة بالمحادثات، ووزير الخارجية الأمريكي السابق جون كيري وبعض مستشاريه. الصحافي بن كسبيت كتب قبل بضعة اشهر في صحيفة «معاريف» بعض تفاصيل اقتراح نتنياهو على هرتسوغ، لكن هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها نشر الوثيقة بالكامل.
جاء من مكتب رئيس الحكومة أن وصف عدم تطبيق العملية الاقليمية الممكنة خاطىء من الأساس، وفي مكتب رئيس المعارضة رفضوا التحدث عن تفاصيل الوثيقة.
الوثيقة باللغة الإنكليزية شملت 8 نقاط:
٭ نحن نشكر الرئيس السيسي على استعداده للعب دور ناجع من اجل السلام والأمن في المنطقة، واستئناف العملية السلمية.
٭ نحن نجدد التزامنا بحل الدولتين لشعبين ونعلن عن رغبتنا في تقدم هذا الحل.
٭ اسرائيل تسعى إلى وضع نهاية للصراع وانهاء جميع المطالب، والحصول على اعتراف متبادل بين دولتين قوميتين، مع ترتيبات أمنية متواصلة وحل جغرافي متفق عليه يعترف ايضا بالمراكز السكانية القائمة.
٭ في إطار السعي للسلام اسرائيل تمد يدها للفلسطينيين وتطلب إجراء مفاوضات ثنائية مباشرة دون شروط مسبقة.
٭ اسرائيل تنظر بشكل ايجابي لروح مبادرة السلام العربية والعوامل الإيجابية فيها. وتبارك اسرائيل بدء المحادثات مع دول عربية حول هذه المبادرة من اجل عكس التغييرات الدراماتيكية في المنطقة في السنوات الأخيرة، والعمل معا من أجل التقدم في حل الدولتين والسلام الشامل في المنطقة.
٭ في سياق استئناف جهود السلام فإن نشاط اسرائيل في مستوطنات الضفة الغربية سيتم في اطار يمكن من حدوث النقاش الإقليمي للسلام، ويمكن من تحقيق هدف الدولتين لشعبين ـ وراء هذه الصيغة المتلونة لهذا البند كان هناك استعداد لدى نتنياهو لتنفيذ «تجميد هادىء» وليس رسميا للبناء في المستوطنات المعزولة وغير الموجودة في الكتل الكبيرة التي تريد اسرائيل ضمها في اطار الاتفاق النهائي. وقد رفض نتنياهو الاعلان عن هذا التجميد بشكل رسمي. وفي اطار المحادثات التي استمرت بعد نقل الوثيقة طلب هرتسوغ تفصيل هذا البند بشكل أكبر وحذف الكلمات الأربع الأولى للتأكيد على أن هذه السياسة الاستيطانية لن تكون مرتبطة بوجود المفاوضات مع الفلسطينيين. ونتنياهو وافق على ذلك.
٭ تعمل اسرائيل مع السلطة الفلسطينية على تحسين الوضع الاقتصادي بشكل كبير، وكذلك التعاون الاقتصادي، بما في ذلك في الميدان، وتعزيز التنسيق الأمني. في المحادثات التي استمرت بعد ايصال الوثيقة، طلب هرتسوغ توضيح هذا البند والتأكيد على أن اسرائيل ستسمح بالبناء الفلسطيني وبالمشاريع الفلسطينية في مناطق ج. ونتنياهو وافق على ذلك.
٭ اسرائيل ترغب في استقرار بعيد المدى في قطاع غزة، بما في ذلك الإعمار الإنساني والترتيبات الأمنية الناجعة.
لقد أرسل نتنياهو الوثيقة إلى هرتسوغ بعد القمة السورية في العقبة بسبعة اشهر، والتي تم الكشف عنها قبل اسبوعين في «هآرتس». هذه القمة التي أجريت في شباط 2016 شارك فيها، اضافة إلى نتنياهو، وزير الخارجية الأمريكي جون كيري والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وملك الأردن عبد الله الثاني. وقد شكلت هذه القمة الأساس للمحادثات التي جرت في اشهر آذار/ ايار بين نتنياهو وهرتسوغ على تشكيل حكومة وحدة وطنية. وقد فشلت هذه المحادثات، لكنه تم استئنافها في نهاية آب.
ست ساعات في روما
في 26 حزيران التقى نتنياهو مع جون كيري على وجبة عشاء في مطعم «فاير لويجي» في روما. وقد استمر هذا اللقاء ست ساعات. وقد استمتع الاثنان بملذات المطبخ الروماني والنبيذ الإيطالي الفاخر ودخن نتنياهو السيجار الكوبي. مصدر أمريكي سابق رفيع المستوى، كان مطلعا على تفاصيل هذا اللقاء، والذي طلب عدم ذكر اسمه، تحدث عن الحوار بين الاثنين.
«ما هي خطتك مع الفلسطينيين؟ ما الذي تريد أن يحدث الآن؟»، سأل كيري نتنياهو. وعاد رئيس الحكومة وقال إنه يريد السير في مبادرة اقليمية مع الدول العربية على أساس خطة «النقاط الخمس» التي اقترحها في قمة العقبة قبل ذلك بأربعة اشهر التي تم نشرها في «هآرتس» قبل اسبوعين. وقال كيري لنتنياهو إن الخطوات التي يريد القيام بها غير كافية لجعل دول عربية مثل السعودية والإمارات تنضم إلى مبادرة السلام الإقليمية».
اعلان ايجابي غامض حول مبادرة السلام العربية، وخطوات رمزية في الميدان، لن تساعدك في إحضار العرب إلى الطاولة. أنا أعرف ذلك لأنني سألتهم»، قال كيري لنتنياهو». لا يوجد لديك مسار للعودة إلى المفاوضات المباشرة مع الفلسطينيين، ولا يوجد لديك مسار للدول العربية. لقد وصلت إلى سقف الزجاج. فما هي خطتك؟».
لقد اقترح كيري على نتنياهو في لقاء روما مبادرة اقليمية معدلة للمبادرة التي اقترحها في العقبة قبل أربعة اشهر. في بداية حزيران أجري في باريس لقاء بمشاركة ثلاثين وزيرا للخارجية، كجزء من مبادرة السلام الفرنسية. وقد تحفظ نتنياهو من هذه الخطوة الفرنسية. وقال كيري لنتنياهو إن الخطوة المعدلة التي يقترحها ستستبدل مبادرة السلام الفرنسية وتشمل العنصر الاقليمي الذي رغب فيه جدا رئيس الحكومة.
وقد شمل اقتراح كيري عقد مؤتمر إقليمي للسلام بمشاركة اسرائيل والفلسطينيين والدول العربية السنية، بما في ذلك السعودية والإمارات، اللتان ليس لاسرائيل معهما علاقات دبلوماسية، وروسيا والصين ودول بارزة في الاتحاد الاوروبي. واقترح كيري عقد المؤتمر على اساس المبادىء الستة للمفاوضات حول الاتفاق النهائي، التي طرحها في قمة العقبة والتي شملت الاعتراف بالدولة اليهودية.
كيري قال لنتنياهو إن اسرائيل والفلسطينيين لن يكونوا ملزمين بتبني هذه المبادىء، ويمكنهم التحفظ منها بشكل علني. ولكن عقد القمة سيؤدي إلى استئناف المفاوضات المباشرة وايجاد قناة للحوار مع دول عربية تشمل النقاشات حول الترتيبات الأمنية الاقليمية التي تريدها اسرائيل، واعتراف دول عربية وغربية كثيرة بالمبادىء الهامة بالنسبة لنتنياهو مثل الاعتراف بالدولة اليهودية.
دبلوماسي أمريكي سابق رفيع المستوى أشار إلى أن نتنياهو لم يرد بالإيجاب على اقتراح كيري، وفي نفس الوقت لم يرفضه، بل قال إنه سيفكر في هذا الأمر. وعلى الرغم من ذلك، بعد يومين من اللقاء مع نتنياهو في روما اتصل كيري برئيس المعسكر الصهيوني اسحق هرتسوغ وشريكته في قيادة الحزب تسيبي ليفني، وأطلعهما على محادثاته مع نتنياهو وعلى المبادرة التي اقترحها على رئيس الحكومة، وفحص معهما امكانية الانضمام إلى الائتلاف.
المبادرة الفرنسية، ومعها الخطوة المتجددة لكيري، تسببتا بالضغط لرئيس الحكومة، ودفعتاه لاستئناف المحادثات مع الرئيس المصري السيسي ورئيس الحكومة البريطانية السابق طوني بلير، واقترح عليهما العملية الاقليمية التي ستلتف على ادارة اوباما ولا تلزم اسرائيل بالموافقة على مبادىء كيري الستة.
في 10 تموز، أي بعد اللقاء مع كيري في روما بأسبوعين، وصل وزير الخارجية المصري سامح شكري إلى القدس بشكل مفاجىء. وكانت هذه هي الزيارة الأولى لوزير خارجية مصري منذ عشر سنوات، وقد سبقتها عدة زيارات لمبعوث نتنياهو اسحق مولخو في القاهرة، إضافة إلى اللقاء مع نتنياهو، التقى شكري مع اسحق هرتسوغ ايضا.
في الأسابيع التي تلت ذلك، تراجعت المحادثات الدولية، خصوصا بسبب العطلة الصيفية في اوروبا والولايات المتحدة. ورغم ذلك استمر كيري في محادثاته الهاتفية في كل اسبوع مع نتنياهو ومع جهات كثيرة في المنطقة. وقد قال دبلوماسي أمريكي سابق رفيع المستوى إن كيري رفض التنازل رغم حقيقة أن مستشاريه والبيت الأبيض قالوا له إن نتنياهو ليس جديا، وإن هذا خطأ. «البيت الأبيض قال له إن الرئيس اوباما يريد اعطاء نتنياهو وعباس فرصة أن ينضجا في مرقهما، لكن كيري استمر في الأمر لأن الموضوع كان هاما جدا بالنسبة له».
في 21 آب اتصل كيري مرة أخرى مع هرتسوغ وليفني. وقال لهما إنه ينوي المجيء إلى مصر والسعودية بعد بضعة اسابيع في محاولة أخيرة لعقد مؤتمر سلام اقليمي اعتمادا على المبادىء التي اقترحها على نتنياهو في العقبة وروما. وسيتم عرض المبادىء في المؤتمر، لكن يمكن لاسرائيل والفلسطينيين تسجيل التحفظات.
حسب مصدر أمريكي سابق، وحسب مصدر اسرائيلي مطلع على التفاصيل، قال كيري لهرتسوغ وليفني إنه يؤمن بنجاحه في إحضار نتنياهو وعباس ودول عربية، بما فيها السعودية، إلى مؤتمر كهذا، وإنه اذا عقد هذا المؤتمر فهو سيشكل تغييرا تاريخيا في المنطقة. في هذه المرحلة وصل كيري إلى النقطة الأساسية في الحديث»لا أريد التدخل في سياسة اسرائيل. ولكن هل ستفحصون في ظل وضع كهذا الانضمام إلى الائتلاف؟ إن انضمامكم للحكومة سيشكل تغييرا دراماتيكيا».
المصدر الأمريكي السابق والمصدر الاسرائيلي أشارا إلى أن ليفني لم ترفض أقوال كيري، لكنها شككت في نوايا نتنياهو. وهرتسوغ الذي اكتوى من نتنياهو قبل ذلك ببضعة اشهر كان متشككا ايضا، لكنه أبدى استعداده لفحص الاقتراح اذا حصل على مؤشرات من دول المنطقة بأن الحديث يدور عن خطوة جدية.
تحدث هرتسوغ في ذلك الاسبوع مع مسؤولين مصريين واردنيين ومسؤولين من دول عربية ليس لاسرائيل علاقات دبلوماسية معها لاستيضاح فرصة تقدم العملية الاقليمية. وفي بعض الأحاديث سمع أن هناك استعدادا عربيا للتعاون مع مبادرة كيري، وفي احاديث أخرى سمع اجابات متحفظة أكثر على شكل «نعم ولكن». وقد فهم هرتسوغ أن هناك خطوتين متنافستين، الأولى لكيري، شملت مبادىء الاتفاق النهائي وعقد مؤتمر دولي. والثانية لطوني بلير ومصر، شملت مطالب أقل، وعقد قمة أصغر وأكثر تواضعا.
استئناف المفاوضات
في الأسبوع الأخير من شهر آب، في ذروة المحادثات الدولية، اتصل نتنياهو مع هرتسوغ. وقال رئيس الحكومة إنه يريد مرة أخرى السير في مبادرة اقليمية مع الرئيس المصري السيسي، ويريد معرفة اذا كان هرتسوغ على استعداد لفحص امكانية الانضمام إلى حكومة وحدة. هرتسوغ الذي كان متشككا وحذرا جدا طرح طلبين، الأول، أن يسمع بشكل مباشر من المصريين والأردنيين. والثاني، الحصول على اقتراح نتنياهو السياسي خطيا.
في الفترة التي تلت ذلك تمت الاستجابة لطلبي هرتسوغ. أولا، وصل مبعوث رفيع المستوى من مصر إلى البلاد وقال لهرتسوغ إن الرئيس السيسي يريد السير في العملية الاقليمية. وقام مسؤولون اردنيون بإيصال نفس الرسالة في محادثة هاتفية. ثانيا، في 13 ايلول أرسل نتنياهو لهرتسوغ الوثيقة التي نشرت هنا مع مسودة الإعلان المشترك.
بعد اسبوعين من ذلك جرت محادثات مطولة بين نتنياهو وهرتسوغ، تم فيها الجدل حول كل كلمة. وحسب مصدر مقرب من هرتسوغ، طلب ادخال بعض التعديلات على الوثيقة. التعديل الأول كان رفض هرتسوغ لطلب نتنياهو ادخال مصطلح «بناء حكومي» إلى الاعلان المشترك. وطلب أن يتم الحديث عن أي بناء. وطلب هرتسوغ ايضا أن يكون تجميد البناء في البؤر المعزولة خارج الكتل الاستيطانية غير مرتبط بوجود أو عدم وجود المفاوضات مع الفلسطينيين، بل مرتبط به وبنتنياهو كسياسة للحكومة حتى لو لم يتم الإعلان عن ذلك. وقد وافق نتنياهو على جميع النقاط وتمت صياغة الإعلان مجددا بشكل يعبر عن موافقته هذه.
النقطة الثانية في الوثيقة تحدثت عن تغيير سياسة اسرائيل في المناطق ج في الضفة الغربية، حيث تسيطر اسرائيل هناك أمنيا ومدنيا، والسماح للفلسطينيين بالبناء هناك والتطوير الاقتصادي الواسع. ووافق نتنياهو على توضيح هذه النقطة. المسألة الثالثة كانت أن هرتسوغ طلب أن يضاف للوثيقة مصطلح «دولة فلسطينية مع تواصل جغرافي». نتنياهو تحفظ من ذلك، والأطراف استمرت في التفاوض.
قبل سفر نتنياهو إلى الجمعية العمومية للأمم المتحدة تم التوصل إلى اتفاق نهائي حول صيغة الإعلان المشترك. وكان الهدف هو أنه بعد عودة نتنياهو من نيويورك سيسافر مبعوثه مولخو إلى القاهرة. وكانت الخطة هي أن يذهب نتنياهو وهرتسوغ سرا إلى القاهرة في بداية تشرين الاول وعقد مؤتمر صحافي دراماتيكي هناك مع الرئيس السيسي وملك الأردن عبد الله الثاني، وأن يلقيا الإعلان المشترك الذي سيشكل أساس انطلاق المبادرة الاقليمية برئاسة مصر والأردن ومشاركة دول عربية.
حسب الخطة، عند عودتهما إلى البلاد كان من المفروض أن يتم عقد مؤتمر صحافي ثان في مطار بن غوريون، حيث سيتم استدعاء وزير الدفاع افيغدور ليبرمان ووزير المالية موشيه كحلون، والاعلان بشكل مشترك عن خطوة سريعة لتشكيل حكومة وحدة وطنية. إن مشاركة ليبرمان وكحلون كان الهدف منها اظهار أنهما يؤيدان اعلان نتنياهو وهرتسوغ في القاهرة.
في 20 أيلول وصل نتنياهو إلى نيويورك للمشاركة في الجمعية العمومية للأمم المتحدة. وفي خطابه أعطى اشارة إلى مبادرة السلام الاقليمية التي تمت المحادثات حولها من وراء الكواليس. «أنا لم أتنازل عن السلام، أنا ما زلت التزم بهدف السلام المبني على دولتين لشعبين»، قال نتنياهو في خطابه. «أنا اؤمن بأن التغيير الذي يحدث في العالم العربي يحمل في طياته فرصة خاصة من اجل السلام. وأنا أثني على الرئيس المصري على جهوده لإحلال السلام في المنطقة. اسرائيل تبارك روح مبادرة السلام العربية التي تعزز الحوار مع الدول العربية من اجل احلال السلام الشامل. وأنا اؤمن بأنه من اجل تحقيق السلام الواسع هذا يجب على الفلسطينيين أن يكونوا جزءًا منه، أنا مستعد للبدء في المفاوضات الآن من اجل تحقيق ذلك».
بعد ذلك بيومين التقى نتنياهو في نيويورك مع وزير الخارجية جون كيري. وقد أبلغ كيري نتنياهو عن لقاء وزراء خارجية الرباعية ـ الولايات المتحدة وروسيا والامم المتحدة والاتحاد الاوروبي ـ الذي عقد قبل ذلك ببضعة ايام بمشاركة وزير خارجية السعودية عادل جبير. وقد قال دبلوماسي أمريكي سابق إن كيري حدث نتنياهو عن أن الجبير قال إنه اذا اتفقت اسرائيل والفلسطينيون على مبادىء ادارة المفاوضات، واذا حدث تقدم فان السعودية والدول السنية ستبدأ بالتطبيع مع اسرائيل». «الجبير أوضح أن السعودية لن تقوم بذلك، لأن اسرائيل تعطي بضعة تصاريح عمل للفلسطينيين»، كما قال كيري لنتنياهو.
وزير الخارجية الأمريكي عاد واقترح على نتنياهو قبول اقتراحه عقد مؤتمر دولي حسب المبادىء التي بلورها لاتفاق دائم، وأكد على أن السعودية ستشارك في المؤتمر. «لقد قمنا بتحريك الاجماع الدولي نحوك»، قال كيري لنتنياهو، «لماذا أنت غير مستعد لقبول اقتراحي؟». مصدر أمريكي قال إن نتنياهو قال لكيري إنه يريد أولا استنفاد خطوته مع المصريين ومع هرتسوغ. «سيكون من الاسهل علي التقدم مع هرتسوغ في الائتلاف».
وأشار المصدر الأمريكي إلى أن كيري كان يائسا في هذه المرحلة من اللقاء. «أنا أعرف ما الذي تفعله»، قال له كيري، «أنت ببساطة تحاول كسب الوقت إلى حين دخول الإدارة الجديدة». نتنياهو حسب المصدر الدبلوماسي الأمريكي لم ينف ذلك، وهو فضل ببساطة المسار المنفصل الذي أداره مع هرتسوغ والمصريين. «كان نتنياهو يريد السيطرة على الخطوة. أراد توسيع الائتلاف وعقد مؤتمر صغير دون تدخل دولي زائد. والاهم أنه لم يرغب في مبادىء كيري حول الاتفاق الدائم. لذلك قام بالالتفاف على هذا الاقتراح بكل طريقة ممكنة».
نتنياهو قام بالاتصال مع هرتسوغ عدة مرات من نيويورك واتفقا على الالتقاء عند عودته لإجمال تفاصيل الاعلان المشترك والتفاصيل الخاصة بتشكيل حكومة الوحدة. قبل اقلاع الطائرة ببضع دقائق اتصل نتنياهو ومستشاروه مع هرتسوغ وزملائه. نتنياهو في العادة حذر جدا في المكالمات الهاتفية خشية التنصت، لكن يبدو أنه في هذه المرة أراد أن يتنصت الأمريكيون إلى المحادثة.
مقربو نتنياهو قالوا لمقربي هرتسوغ إنهم معنيون بارسال مولخو إلى القاهرة، وطلبوا الموافقة النهائية على الاقتراح. رغم بقاء امور مختلف فيها، إلا أن هرتسوغ اعتقد أنها امور هامشية نسبيا، وقال لنتنياهو إنها لن تمنع التوصل إلى اتفاق. نتنياهو عاد إلى البلاد وكان الشعور أنه خلال بضعة ايام سيسافر هو وهرتسوغ إلى القاهرة من اجل القاء الاعلان الدراماتيكي. إلا أنه بعد ذلك بـ 12 ساعة، عند وصول نتنياهو، لم يطلب من مولخو السفر إلى القاهرة.
وبعد ذلك بيومين مات الرئيس السابق شمعون بيريس، وخلال بضعة ايام لم تحدث أي اتصالات حول الموضوع بين نتنياهو وهرتسوغ. وبعد رأس السنة تم استئناف المحادثات بين الطرفين، لكن اقوال مختلفة بدأت في الوصول من نتنياهو. مولخو ورئيس الطاقم في مكتب رئيس الحكومة يوآف هوروفيتس ونتنياهو نفسه أوضحوا لهرتسوغ أنهم يريدون الانتظار إلى ما بعد انتهاء ازمة البؤرة غير القانونية عمونة، التي يفترض أن يتم اخلاؤها في نهاية كانون الأول.
منذ ذلك الحين فصاعدا كان واضحا لهرتسوغ ومقربيه أن نتنياهو تراجع، وأن فرصة تحريك المبادرة الإقليمية وتشكيل حكومة وحدة وطنية آخذة في الضياع. «بدأ نتنياهو بالتراجع التدريجي عن تصريحه السياسي»، قال مصدر من حزب العمل كان على صلة بالمحادثات. «رويدا رويدا حاول نتنياهو التراجع عن ما تم الاتفاق عليه والتأجيل بسبب عمونة وبسبب ضغط البيت اليهودي». المحادثات بين الأطراف استمرت بضعة لأيام أخرى، بما في ذلك لقاء صعب وفاشل بين نتنياهو وهرتسوغ عشية عيد يوم الغفران. وبعد انتهاء الصيام فان كل ما تبقى للطرفين هو الاعلان عن نهاية المفاوضات.
هآرتس