تحريك ملفات أمنية وعسكرية يضع العهد امام اول تحدّ جدي ابراهيم ناصرالدين
هل من ترابط بين تحرك الوضع الامني على الساحة اللبنانية من «بوابة» مخيم عين الحلوة، وبين اقرار الادارة الاميركية للخطة العسكرية للقضاء على تنظيم «داعش» و«اخواته» من التنظيمات المتطرفة في المنطقة؟ وهل من علاقة بين زيارة الرئيس الفلسطيني محمود عباس و«الرسائل» الدموية الامنية من قبل المجموعات المتطرفة في المخيم؟ وهل هذا يعني ان لبنان وضع على «خريطة الشراكة» مع واشنطن في حربها للقضاء على «الارهاب»؟ هل الامر برضاه، ومن يتحكم «بالتوقيت»؟ وهل ستكون معركة «الجرود» الاختبار العسكري الاول في هذا السياق؟ ووفق اي «اجندة» سيتم القضاء على ظاهرة التطرف في مخيم «عين الحلوة»؟
اسئلة كثيرة، تعتقد اوساط دبلوماسية في بيروت انها «واقعية» لان ما يحصل على الساحة اللبنانية مرتبط بالتطورات المتسارعة في المنطقة، وبرأيها فان «خيط رفيع» يربط بين زيارة سرية قام بها الجنرال جوزف فوتيل قائد العمليات العسكرية الاميركية في الشرق الاوسط لشمال سوريا، وبين زيارته لبنان حيث عقد لقاءات سياسية وعسكرية ركزت على ملف مكافحة «الارهاب»، وكذلك الزيارة الاستطلاعية التي قام بها رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ الاميركي السناتور روبرت كوركر برفقة وفد من قيادة الجيش الى المواقع الامامية للجيش اللبناني بجرود عرسال حيث اكد يومها ان الادارة الاميركية ترغب في تعزيز الشراكة بين الجانبين، ومواصلة تعزيز قدرات الجيش اللبناني لدعم جهوده في محاربة «الإرهاب»…
وفي هذا السياق، يرغب الاميركيون في ان يكون الجيش اللبناني جزءا من الاستراتيجية الجديدة التي ابلغ الرئيس الاميركي دونالد ترامب الكونغرس بها رسميا، بعد ساعات على تسلمها من «البنتاغون» وقد ترأس وزير الدفاع جيمس ماتيس مجلس الأمن الوطني وبحث في تفاصيل خطة عنوانها تحقيق «هزيمة سريعة« «للتنظيم»، وكان واضحا في قوله ان هزيمة «داعش»، لن تكون محصورة في العراق وسوريا بل ستكون «عابرة للمناطق» والدول والمجاورة.. فهل لدى السلطات اللبنانية اجوبة واضحة على المطالب الاميركية؟
المشكلة برأي تلك الاوساط، بان واشنطن قد لا تحتاج في بعض الملفات اجوبة من الدولة اللبنانية، اوضح مثال على ذلك «الورقة» الفلسطينية، فـ«السلطة» باتت تشكل جزءا رئيسيا من هذه الاستراتيجية، داخل الاراضي الفلسطينية وفي دول «الشتات»، وقد حسم هذا الموضوع خلال لقاء مدير «السي اي ايه» مايك بومبيدو مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس قبل وصوله الى بيروت، وذلك عشية لقاء ترامب مع نتانياهو في البيت الابيض منتصف الشهر الماضي… وما رشح عن اللقاء كان لافتاً لجهة تركيز واشنطن على ما يمكن ان تقدمه السلطة من مساعدة في الحرب للقضاء على المنظمات الارهابية في البيئة الفلسطينية، وبعدها ياتي البحث في ملف التسوية التي لا يملك الرئيس الاميركي اي تصور حيالها… وفي هذا السياق لم يكن انفجار الوضع الامني في مخيم عين الحلوة «صدفة»، فالمجموعات المتطرفة وحركة فتح اجريا اختبارا اوليا بالنار، وكانت «الرسالة» بالغة الدلالة الى السلطات اللبنانية ومفادها بانها ليست هي من يتحكم بالوضع داخل المخيم، ومن خلال استعراض القوى ارادت هذه القوى اثبات انها قادرة على «قلب الطاولة»…
وبحسب اوساط مواكبة لزيارة المسؤولين الاميركيين الى بيروت، فان هؤلاء حددوا مصدرين للخطر المحدق بالامن اللبناني، الاول الحدود الشرقية مع سوريا، وخصوصا في عرسال ومحيطها، ومخيم عين الحلوة في صيدا، وكان التركيز على معرفة مدى جهوزية الجيش اللبناني لمواجهة تداعيات ضرب التنظيم الاصولي من الجهة السورية للحدود… «اجندة» المقاومة قد تكون منفصلة عن الخطط الاميركية، لكن التنسيق الاميركي – الروسي في هذا الاطار قد يفرض جدول اعمال محدد على الجيش السوري الذي بات محسوما انه سيكون جزءا من هذه الاستراتيجية، وبالتالي فان الاسابيع القليلة المقبلة ستكون حافلة بالتطورات على الحدود مع قرب استعادة تدمر، والبدء بتوجيه ضربات منسقة لـ«داعش» و«النصرة» على امتداد الجغرافيا السورية، ولن يكون لبنان بعيدا عن هذه التطورات… ومن هنا جاء الاجتماع في بعبدا بين رئيس الجمهورية ميشال عون ووزير الدفاع يعقوب الصراف، ولقاء الاخير مع قائد الجيش جان قهوجي، كما عقد رئىس الحكومة سعد الحريري اجتماعاً في السراي الحكومي، للبحث في التطورات الامنية، وحسم مسألة التشكيلات، سلبا او ايجابا، كي تكون المؤسسة العسكرية على جهوزية تامة لمواجهة الاستحقاقات الداهمة في الداخل وعلى الحدود…
وبحسب تلك الاوساط، قد تكون «الصورة» اكثر وضوحا في الجهة المقابلة، حيث يجري سباق مع الوقت لاعادة ترتيب «الاوراق» لمواجهة او مواكبة الاستراتيجية الاميركية، فجميع الأطراف المشاركة في الحرب السورية تحاول فرض حقائق جديدة للتأثير في خريطة الصراع اومحاولة تعديل مسار «الخطط» الأميركية، وقد تسارعت التطورات العسكرية على الأرض في شمالي سوريا حيث تمكن الجيش السوري من قطع الطريق بين الباب والرقة بعد اشتباكات عنيفة مع قوات»درع الفرات« المدعومة من الاتراك، فيما تمكن الجيش السوري ايضا من فتح ممر يصل مناطق سيطرته بمناطق سيطرة الوحدات الكردية في مدينة منبج، وسط مخاوف تركية من لجوء الأكراد إلى تسليم المدينة للجيش السوري في محاولة لمنع الجيش التركي من السيطرة عليها…
وقد اندفع الجيش السوري ايضا الى مدينة تادف الواقعة جنوب الباب وسيطرعليها وعلى 22 بلدة أخرى، وتم قطع الطريق الواصل بين مدينة الباب ومحافظة الرقة المعقل الرئيسي لتنظيم «داعش»، وهو الطريق الذي وضعته تركيا في مقترحاتها للإدارة الأميركية ليكون منطلقها للتوجه إلى الرقة… واستعداداً للخطة الأميركية الجديدة ولمتابعة التطورات المتسارعة في شمالي سوريا، أجرى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيس وزرائه بن علي يلدريم، الاثنين، لقاءات عاجلة وغير معلنة مع وزير الدفاع فكري أشيق ورئيس أركان الجيش خلوصي أكار، في حين واصل الجيش التركي لليوم الخامس على التوالي إرسال تعزيزات عسكرية كبيرة إلى الحدود مع سوريا، وسط تكهنات بإمكانية حصول تحرك تركي منفرد لمحاولة وقف التغيرات التي يحاول النظام والأكراد فرضها على الأرض…
هذه الاستحقاقات الداهمة ببعدها الاقليمي والدولي، دفعت النائب وليد جنبلاط الى الدعوة لعدم تحويل مخيم عين الحلوة الى «موصل» ثانية… وترقبها يدفع العديد من القوى السياسية للرهان على الوقت وتمييع النقاش حول قانون انتخابي جديد، علّ التطورات الامنية تقلب الاولويات، وتسمح ببقاء القديم على قدمه… من هنا، ترى اوساط في 8 آذار، ان ثمة تحدي جديد سيواجه السلطات اللبنانية والعهد الجديد لتحديد حدود المشاركة في «قواعد اللعبة» التي تحاول واشنطن فرضها على دول المنطقة، ومنها لبنان، وثمة ضرورة لتحديد الاولويات الوطنية كي لا تفرض واشنطن اجندتها في التوقيت غير المناسب… اخراج عين الحلوة من «عين العاصفة» عبر ترتيبات امنية تؤدي الى سحب «فتيل الانفجار» ومنع الاخرين بالتحكم بالاولويات اللبنانية، وهنا يبرز طلب استخبارات الجيش تسليم المطلوبين المتوارين عن الانظار، واجراءات اخرى قيد الدرس… لكن استحقاق «الجرود» قد يكون قادم لا محالة بعد ان ضاقت خيارات المجموعات المسلحة بفعل تطورات الشمال السوري، ولم يعد امامها الا خيار المواجهة، وهو امر يحتاج الى قدر عال من تحمل المسؤولية السياسية لدعم الجيش والمقاومة في مهمة «آتية» لا محالة… لكن يجب ان لا تكون على توقيت «الساعة» الاميركية…؟؟
(الديار)