العدوان التركي على سورية
غالب قنديل
منذ بداية العدوان على سورية كان الدور التركي رأس الحربة في التحالف الكبير الذي قادته الولايات المتحدة وكان الكيان الصهيوني شريكا رئيسيا مع حكومات كل من السعودية وقطر والأردن وتجاوز تعداد الحكومات المشاركة في هذا التحالف المئة وظلت تركيا في المقدمة توفر كل التسهيلات لجيوش الإرهابيين والمرتزقة.
أكثر من مرة تحركت كل من إيران وروسيا الحليفان الاستراتيجيان للدولة الوطنية السورية بهدف التأثير على رجب أردوغان ولجم العدوانية التركية خلال السنوات الأخيرة وكانت القيادة السورية متحفظة حول الفرص الجدية لنجاح تلك الجهود انطلاقا من خبرة التجارب ومن وقائع الأرض ولكن دمشق تجاوبت مع المساعي التي أعقبت محاولة الانقلاب الفاشلة وتوجت ببيان موسكو الذي أعطى الدولة الراعية للإرهاب التكفيري وصاحبة الباع الطويل في استيلاد وتجهيز عصابة داعش مقعدا في رعاية الحل السوري مقابل تعهد تركي بدفع الجماعات التابعة في طريق التسويات والمصالحات انطلاقا من إجلاء المسلحين من شرقي حلب إلى إدلب .
خارج صيغ المبالغات العاطفية والإعلامية كانت القراءة الهادئة للسلوك التركي تفيد بان اولويات انقرة الراهنة تغيرت مذ بات في مقدمها لجم الاندفاعة الكردية في سورية ومنع انتقال تفاعلاتها إلى العمق التركي ولذلك انصب الجهد التركي على منع سيطرة القوات الكردية على مناطق متصلة جغرافيا في الشمال السوري وهنا ارتسم خط تعارض تركي مع الولايات المتحدة لكن القيادة السورية كانت مدركة لحقيقة التبعية التركية للغرب والولايات المتحدة بالذات وبالتالي استحالة انتقالها إلى محور جديد رغم ثقل مصالحها المشتركة مع إيران وروسيا ولكن دمشق كالعادة كانت تعطي الفرص لكل الخيارات التي يمكن أن تسهم في حقن دماء السوريين..
فسرت بعض خطوات التغاضي والتسهيل السلبي للتوغلات التركية من جانب روسيا وإيران بأنها تهدف إلى تفعيل تناقضات وتوازنات بين تركيا والقوات الكردية والولايات المتحدة بينما اكتفت القيادة السورية بموقف مبدئي يصف الوجود التركي بالاحتلال والعدوان.
ظلت الولايات المتحدة تمسك الخيوط وتفتح خطوط الاتصال مع موسكو وبصورة غير مباشرة مع دمشق وطهران بينما تمضي في توسيع نطاق حضور قواتها الخاصة على الأرض وهي استعادت مع إدارة ترامب حرارة التحالف مع الحكم التركي بعد هزة عنيفة أصابت تلك العلاقة في ظل إدارة اوباما وقد اختار ترامب عنوان المناطق الآمنة في سورية لمصالحة أردوغان وهو ما كان عنوان التباعد التركي مع سلفه في البيت الأبيض .
كانت بعض التوقعات الميدانية تشير بعد تحرير حلب إلى ان التوجه لتحرير محافظة إدلب هو الخطوة التالية ولكن القيادة السورية اتخذت القرار بتوجه الجيش العربي السوري إلى التقدم على جبهتي الباب وتدمر للقتال ضد داعش ومواصلة القتال في محاور الغوطة وأرياف حلب وإدلب والجولان ودرعا وقد اظهرت الأيام القليلة الماضية مجموعة من الإنجازات الميدانية المهمة التي حققها هذا الجيش على جميع تلك الجبهات بفضل دقة التخطيط القيادي وبسالة الضباط والجنود وتفانيهم في الميدان إلى جانب الوحدات الشعبية الحليفة والرديفة .
أردوغان المتمادي في العدوان على سورية والعراق يطلق خطابا عدائيا ضد إيران ويطور التحالف مع الكيان الصهيوني وهذا التحدي تردعه القيادة السورية بخطوات ميدانية على الجبهات القتالية ضد داعش وجبهة النصرة وسائر الميليشيات التي يدعمها الحلف التركي السعودي بقيادته الأميركية.
قتلت تركيا جميع الرهانات والأوهام حول استدارتها الافتراضية نحو الشرق وحيث يمثل التغيير المنهجي لسلوكها في سورية البرهان العملي المحتمل ولا سيما في الموقف من الدولة الوطنية ورئيسها لكن تركيا مارست الرقص على الحبال بانتهازية واستمر أردوغان ينفث سمومه واحقاده كلما سنحت له الفرصة ورغم كل التسريبات عن اتصالات سرية بدمشق تكشف الأمر عن خداع وكذب لا يبنى عليه شيء.
تركيا في الحظيرة الأميركية الأطلسية ولن يخلع أردوغان جلد نظامه التابع ولن يخلخل ركائز التبعية التي قامت عليها زعامته وهي التي حكمت النظام التركي منذ اتاتورك حتى اليوم بوصفه جزءا من منظومة الهيمنة الاستعمارية الصهيونية في الشرق .
المرتقب من روسيا وإيران والصين معهما اتخاذ خطوات عملية تضع حدودا لابتزاز سلطان الوهم العثماني وهو ما يتطلب مضاعفة زخم التحالف مع الدولة السورية لحسم فصل هام من مسيرة تحرير سورية من الإرهاب وهذا يقتضي انضمام العراق إلى التحالف العسكري الروسي الإيراني السوري ووضع الآخرين وفي مقدمتهم انقرة وواشنطن والرياض تحت أمر واقع جديد.
لقاء أردوغان بالرئيس بوتين سيكون محطة مهمة والعبرة بالنتائج .