بقلم غالب قنديل

وحش الخصخصة والتقاسم مجددا

غالب قنديل

تماشيا مع التوصيات الأميركية انطلقت موجات الخصخصة والتقاسم في لبنان منذ انتخاب الرئيس الراحل الياس سركيس بعد حرب السنتين ونشأت في حينها عملية خصخصة شاملة للتعليم ومعها جرى التخريب المنهجي للمدرسة الرسمية وللجامعة اللبنانية ولمؤسسات التعليم التقني العام كما أهملت حتى الدمار والخراب سلسلة المستشفيات الحكومية التي كانت قبل الحرب الأهلية معروفة بنجاحها وبخدماتها المميزة في مختلف الأقضية اللبنانية.

طرحت منذ تلك الفترة نظريات تنظيم جباية البدلات عن اشتراكات المياه والكهرباء والهاتف للميليشيات الحزبية المحلية التي ظهرت خلال الحرب وكذلك تم التداول بفكرة خصخصة إنتاج الكهرباء وتلزيم الشبكات لشركات خاصة وبعد اتفاق الطائف قامت السلطة السياسية برعاية أميركية على تبني خيار الخصخصة وتدمير مفهوم الخدمة العامة وهو المشروع الذي جسدته الحكومات المتعاقبة بالشراكة مع الطغمة المالية الحاكمة من خلال النظام الريعي الذي دمر قطاعات الإنتاج وهمشها بصورة منهجية بينما جرت تحت ستار خرافة تثبيت سعر صرف الليرة بالهندسة المالية مراكمة الدين العام ورعاية التورم العقاري وصار المشهد المالي المهيمن محكوما بأحادية السيطرة المصرفية على الاقتصاد الوطني .

المفارقة اليوم هي ان حزب الريعية اللبناني متمسك بخصخصة ما تبقى من الخدمات العامة وتقاسمها مجددا وعلى نطاق اوسع بينما يشهد العالم ولاسيما الولايات المتحدة ارتداد أشد الأحزاب محافظة ورجعية عن خيار الخصخصة لصالح تعزيز دور الدولة في تأمين الخدمات العامة.

الحقيقة هي ان الطغمة المالية اللبنانية وجناحها السياسي الريعي متعطشة لنهب قطاعات جديدة بعدما استهلكت فرص الاستثمار والربح المتاحة في القطاع العقاري وفي التعليم الخاص وبعض الخدمات التي تمت خصخصتها إلى اليوم . وبناء عليه فهي مع جناحها السياسي تلتفت لمجالات جديدة وتسعى للانتقال إليها تحت شعار تحسين الخدمات الخادع الذي لن يكون أفضل حالا في التطبيق مما جرى في تجربة دخول الهاتف الخلوي خلال التسعينيات التي تكشفت عند تصحيحها عن أبشع عملية نهب وغش لم يحاسب عليها أحد ولم يسأل أي كان عما جرى خلالها فالتقاسم الطائفي والسياسي للمنهوبات يكفي لتغطية أبشع الجرائم بحق المواطنين المشدودين بعصبيات الطوائف والمذاهب .

فكرة الدولة الوطنية ومفهوم الخدمة العامة هما من أعمدة الحداثة والتقدم في هذا العصر فكيف في بلد ينتمي إلى مجموعة البلدان النامية المتعثرة اقتصاديا والمصابة بعلة التبعية الاستهلاكية.

وتأمين الخدمات العامة هو من مسؤوليات الدولة الوطنية المعنية بإيصال المياه والكهرباء والهاتف والطرق ووسائل المواصلات والنقل العام ( الذي كان من اول الضحايا ) وشبكات البث الإذاعية والتفزيونية إلى آخر مواطن يسكن آخر منطقة نائية في جرود لبنان الحدودية وهذا ما تجده الشركات الخاصة غير مجد عبر مقارنة التكاليف بالعائدات .

على جداول الأعمال في منتديات البيزنس السياسي اللبناني نقاط جديدة متعلقة بمواصلة خصخصة الكهرباء ومباشرة خصخصة المياه التي لوثها التوحش الريعي وانهيار نظام الخدمات الحكومية والبلدية وكذلك خصخصة الأتوتسترادات والطرقات الدولية وخصخصة الفضاء الإعلامي اللبناني حيث تستعين بعض الشركات الطامحة برساميل وشركات قطرية وسعودية وأميركية لوضع اليد على الإعلام اللبناني بينما تم تعطيل خطة البث الرقمي التي أصدرتها حكومة الرئيس نجيب ميقاتي .

كما جرى مع انطلاقة عهد الريعية الذهبي بعد اتفاق الطائف ترتبط خطط الخصخصة الراهنة بمشاريع تقاسم وبعروض سخية لاسترضاء القوى السياسية المكونة للسلطة حتى تمر اللعبة المغرية دون اعتراضات من مواقع الدفاع عن المصلحة العامة ومفهوم الخدمة العامة ومبدأ مسؤوليات الدولة عن كل مرفق عام وما يرتبط به او ينبثق عنه من خدمات هي حق للمواطن على مؤسسات الدولة التي لايمكن ان تحل مكانها شركات تجارية ( خصوصا إن كانت أجنبية يمثلها وكلاء وسماسرة محليون ) دون ان تخل بمفهوم المواطنة الذي يتعرض للتخريب المنهجي منذ عقود.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى