كيف يتعين حماية الأردن من الفوضى ديفيد شينكر
بروكينغز
22 شباط/فبراير 2017
هذه المقالة هي خلاصة تقرير أعده الكاتب لمعهد بروكينغز
توصيات على المستوى الأمني
استمرار التعاون الأمني الوثيق: يمثّل الأردن اليوم أكثر الشركاء الأمنيين العرب موثوقيةً بالنسبة لواشنطن. وبشكل خاص، تلعب المملكة الهاشمية دوراً مهماً على نحو متزايد في حملة التحالف التي تقودها الولايات المتحدة ضد تنظيم «الدولة الإسلامية». وفي حين أن تبادل المعلومات الاستخباراتية والتعاون الأمني بين واشنطن وعمّان قويّان بالفعل على نحو استثنائي، يمكن إضفاء بعض التعديلات من أجل توطيد العلاقة وتحسين قدرات الأردن. يُذكر أنه في عام 2016، زوّدت واشنطن المملكة بمساعدات أمنية وتمويل لمكافحة الإرهاب فاقت قيمتهما عن 800 مليون دولار. وبينما لا يحتاج الأردن إلى أي مساعدة أمريكية إضافية، إلى أنه يتعين على إدارة ترامب تزويدها بطائرات بدون طيار متقدمة مسلحة وخاصة بالمراقبة من أجل تحسين قدرات المملكة على جمع المعلومات الاستخباراتية فوق جنوب سوريا. وهذا من شأنه أن يساعد الأردن على الدفاع عن حدوده بشكل أفضل وحماية مناطق الإغاثة الإنسانية على أرض الواقع التي يعمل على المحافظة عليها على طول حدوده في جنوب غرب سوريا.
إدارة مخاطر الوجود العسكري الأمريكي: للأسف، من المرجّح أن تستمر ظاهرة عمليات قتل “القوات الصديقة” السائدة مؤخراً في الأردن وقد تصبح عاملاً مزعجاً في العلاقات الثنائية. وفي حين لا يمكن عمل الكثير من أجل الحدّ من هذه الأفعال المأساوية، إلا أنه يتوجب على إدارة ترامب التفاوض بشأن السماح للقوات الأمريكية بحمل أسلحة معبأة بالذخيرة للحماية الشخصية خلال تواجدها في قواعدها في الأردن. وبالمثل، نظراً لأن الوجود العسكري الأمريكي لا يحظى بشعبية في الأردن – وله عواقبه على كل من واشنطن والملك عبد الله – يتعين على الإدارة الأمريكية أن تسعى إلى تقليص هذا التواجد إذا سمحت الظروف. ونظراً إلى التحديات التي يطرحها تنظيم «الدولة الإسلامية»، ونظام الأسد وروسيا وإيران في سوريا، قد تبقى القوات الأمريكية في المملكة الهاشمية لبعض الوقت. وفي ظل عدم تخفيض عدد القوات الأمريكية، يجب أن تعمل إدارة ترامب على ضمان انتشار غير ملحوظ قدر الإمكان. .
مواجهة الفكر الجهادي: بالإضافةً إلى التمويل العسكري الخارجي، تزوّد واشنطن الأردن بمساعدة من “صندوق شراكات مكافحة الإرهاب”، فضلاً عن مساعدات محددة لعمليات أمن الحدود، وفقاً لوزارة الخارجية الأمريكية. وفي الواقع، إن المملكة الهاشمية هي من أكثر المستفيدين من تمويل الصندوق. وفي حين أن هذه المساعدات مفيدة، إلّا أنها لا تعالج بشكل كافٍ أكبر تهديد إرهابي يواجهه الأردن، وهو التطرف المحلي. فخلال الأشهر القليلة الماضية، أطلق البلاط الملكي أولى مبادراته الفعلية لمواجهة الفكر الإسلامي المتطرف آملاً الحدّ من هذا التهديد الطويل الأمد. يتوجب على إدارة ترامب تقديم المساعدة التقنية والمالية إلى المملكة، إذا طُلب منها ذلك، عبر سلطات وزارة الخارجية القائمة لضمان نجاح هذا المسعى.
تعزيز أمن الحدود: على مدى العقد الماضي، قدّمت الولايات المتحدة إلى الأردن مئات الملايين من الدولارات من أجل إقامة نظام أمن حدود متكامل. وقبل عام، أغلق الأردن أساساً حدوده مع سوريا، وهو يوفّر الآن المساعدة الإنسانية للجماعات المشردة داخلياً من الجانب السوري للحدود لجهة الغرب. ولا يقوم الأردن بعمل الكثير في الشرق، أي قرب الركبان حيث يتجمّع الآن نحو 75 ألف مشرد عند الجانب السوري من الحدود ويطرح تنظيم «الدولة الإسلامية» تهديداً مباشراً . فهؤلاء السوريون الضعفاء بحاجة إلى حماية ودعم إنساني أكثر موثوقية. وسواء بموافقة روسيا أو عدمها، على إدارة ترامب العمل مع شركائها في التحالف المناهض لتنظيم «الدولة الإسلامية» من أجل دعم المناطق العازلة الإنسانية الأردنية في سوريا، وتوفير الطعام والمأوى للمدنيين وحمايتهم من تنظيم «الدولة الإسلامية» ونظام الأسد. فهذه المناطق لا تساعد السوريين المشردين داخلياً وتحد من تدفق اللاجئين فحسب، بل تعزّز أمن المملكة أيضاً.
تشجيع المزيد من التعاون الأردني-الإسرائيلي: من الأخبار الجيدة التي طبعت العام 2016 كان التوقيع على اتفاق بين الأردن وإسرائيل بقيمة 10 مليارات دولار لمدة 15 عاماً تزوّد إسرائيل بموجبه الأردن بالغاز الطبيعي. والأكثر أهمية من ذلك، هو التعاون الإستراتيجي المستمر والممتاز بين الأردن وإسرائيل، رغم أنه لم يحظَ بتغطية إعلامية كبيرة. فالملك عبدالله وحكومة إسرائيل ملتزمان بالتعاون العسكري وتبادل المعلومات الاستخباراتية اللذان يعودان بفائدة كبيرة على الدولتين وعلى واشنطن. ونظراً إلى التنسيق الثنائي القوي، قد لا تكون مساعدة واشنطن ضرورية. ومع ذلك، بإمكان إدارة ترامب الإيعاز إلى وزارة الدفاع الأمريكية لإيجاد سبل لتعزيز العلاقة الوطيدة أساساً، بما في ذلك – ولكن ليس على سبيل الحصر – السماح والتشجيع على مزيد من تحويل العتاد العسكري الإسرائيلي الفائض عن الحاجة إلى الأردن.
الدعم السياسي: يقوم الملك عبدالله بزيارات متواترة إلى واشنطن، كما أن دعم الأردن يحظى بتأييد الحزبين – الديمقراطي والجمهوري – على نحو نادر في الكونغرس الأمريكي. ولا شكّ في أن إدارة ترامب ستستمر في هذا التقليد. وفي حين أن المساعدة الأمريكية المادية إلى المملكة الهاشمية مهمة، لا بدّ أيضاً من تطوير رمزية مواصلة دعم الولايات المتحدة للمملكة الأردنية – التي غالباً ما تتعرّض لانتقادات في الخارج بسبب علاقاتها مع إسرائيل. ومن أجل التأكيد على هذا الالتزام، يجب على الرئيس ترامب أن ينظر بالقيام بزيارة مبكرة إلى عمّان.
توظيف الأردنيين: تدرك عمّان أهمية وضرورة إيجاد المزيد من فرص العمل لمواطنيها. وبالفعل، في عام 2009، نشرت المملكة “الإستراتيجية الوطنية للتشغيل 2011-2020″، وهي خطة شاملة ومدروسة لإيجاد فرص عمل وبناء اقتصاد تنافسي حديث. غير أن تطبيق الإستراتيجية، التي تعتمد على التدريب، والاستعاضة عن العمال الوافدين بعمال محليين، والمساعدات الدولية، والاستثمارات الأجنبية المباشرة الكبيرة، سيستغرق سنوات. أما الأمر الذي يعتبر أكثر إشكالية فهو أنه تمّ وضع الخطة قبل وصول مئات الآلاف من العمال السوريين.
لا بدّ من إلغاء الخطة الأردنية، لكن المملكة بحاجة إلى بعض المساعدة الأمريكية. وفي حين تركّز إدارة ترامب على استحداث وظائف محلياً، من شأن استقرار هذا البلد الحليف الرئيسي للولايات المتحدة أن يحضّ واشنطن على تشجيع بعض الشركات الأمريكية للاستثمار في المملكة، ربما عبر حوافز ضريبية. وإذا ما طلب الأردن، على واشنطن أن توقّع أيضاً ضمانة قرض أخرى. وكانت الولايات المتحدة قد ضمنت بالفعل ثلاثة قروض للمملكة بقيمة 3.75 مليار دولار. ونظراً إلى عدم الاستقرار في المنطقة، تمثّل هذه القروض استثماراً ممتازاً.
وأخيراً، وفي بياناتها إلى السعودية، على إدارة ترامب إقناع حليفها الخليجي بالمضي بالتزامها الذي أطلقته في أيار/مايو 2016 الرامي إلى إنشاء «مجلس التنسيق السعودي-الأردني»، وهو آلية “ستفتح المجال أمام [استثمار] مليارات الدولارات” في المملكة التي تعاني من أزمة مالية وفقاً للمسؤولين الأردنيين. ومن شأن تدفق استثمارات سعودية كبيرة أن تحفّز الاقتصاد الأردني المتعثّر، وتستحدث آلاف فرص العمل الإضافية.
تشجيع مشاركة المرأة: هناك حوالي ثماني من أصل كل عشر نساء في الأردن لا يعملن. ويلقي سوء التمثيل المذهل للنساء في سوق العمل بثقله دائماً على اقتصاد المملكة. ويقيناً،إن المجتمع الأردني محافظ للغاية، لذلك سيكون من الصعب التغلب على هذه المشكلة. ومع ذلك، بإمكان إدارة ترامب تقديم بعض المساعدة الهامشية. وتطبق الولايات المتحدة أساساً برنامجاً بقيمة 250 مليون دولار في الأردن تديره “مؤسسة الاستثمار الخاص عبر البحار” يضمن حصول شركات الأعمال الصغيرة الحجم على قروض من المصارف، لكن لم يتمّ صرف سوى 87 مليون دولار. يُذكر أن 16 في المائة تقريباً من هذه القروض خُصّصت إلى الشركات المملوكة للنساء، وهو أمر جيد لكن يمكن عمل المزيد. ينبغي أن يُطلق البرنامج حملة توعية أكثر اتساعاً لنشر وتسويق مساعدته للنساء. ففي الأردن، حيث تُعتبر مشاركة المرأة نقطة ضعف سوق العمل، يمكن أن يكون لقروض الشركات الصغيرة المقدمة إلى النساء وإلى الشركات المملوكة للنساء تأثير صغير ولكن غاية في الأهمية.
تحسين أوضاع اللاجئين: وفقاً للملك عبدالله، قد تبقى أعداد كبيرة من اللاجئين السوريين في الأردن “لسبع عشرة سنة على الأقل”، وحتى بعد انتهاء الحرب، قد لا يعود الكثيرون إلى ديارهم أبداً. وعلى الرغم من مخاوف عمّان، فإن الاندماج الاقتصادي والاجتماعي لهؤلاء اللاجئين أساسي لنجاح مساعي المملكة في الحدّ من التطرف. ومن المهم أيضاً ثني اللاجئين عن الانتقال إلى بلدان ثالثة. وفي حين أن الوظائف نادرة في الأردن، يُعرف السوريون بحسّ ريادة الأعمال العالي لديهم، وبالتالي فإن المشاركة السورية في القوة العاملة في الأردن قد تساعد عملياً على نمو اقتصاد المملكة الضعيف. هذا وقد سبق وحصل نحو 40 ألف سوري على رخصة للعمل في الأردن. يجب على الولايات المتحدة أن تشجع الأردن على إصدار المزيد من التراخيص كي يتمكن هؤلاء السوريون من العمل بشكل قانوني، بحيث يأخذون مكان العمالة الوافدة الأخرى.
تحديد أولويات المساعدة المالية للاجئين: منذ عام 2012، قدّمت واشنطن ما يقرب من 800 مليون دولار لمساعدة اللاجئين السوريين في الأردن. وفي حين أن هذه المساعدة كبيرة، إلا أنها لا تزال غير كافية. ويحصل لبنان – الذي يستضيف باعتراف الجميع أعداداً من اللاجئين تفوق تلك التي يستقبلها الأردن، لكنه أقلّ أهمية من الناحية الإستراتيجية بالنسبة لواشنطن – على مساعدة إضافية بواقع الثلث. وفي غياب تمويل أمريكي أو دولي إضافي للأردن، على إدارة ترامب النظر في إعادة تحديد أولويات مساعداتها المالية غير الكافية. يجب على واشنطن أيضاً الضغط على حلفائها الاوروبيين والعرب (المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، والكويت) لكي تزيد بصورة مؤقتة من مكوّن الدعم السنوي إلى الميزانية بقيمة مليار دولار لمشاريع الاستثمار في البنى التحتية القائمة في المملكة. ومن شأن هذا الدعم أن يساعد المملكة الهاشمية على تخفيض عجزها المتكرر في الميزانية والناتج في الدرجة الأولى من هؤلاء اللاجئين.
ديفيد شينكر هو من المحافظين الجدد ومدير برنامج السياسة العربية في معهد واشنطن.