«القنبلة الديموغرافية» لضرب حزب الله: ابراهيم ناصرالدين
في الشكل لم يحظ الاتصال بين ولي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان ورئيس الحكومة سعد الحريري الاسبوع الماضي، بالكثير من الاهتمام الاعلامي والسياسي ، ومر الاتصال مرور الكرام، دون ان يجري توظيفه او استثماره من قبل تيار المستقبل على الصعيد الداخلي، اقله اعلاميا، كما لم يتوقف عنده الفريق السياسي المناهض للمملكة كثيرا… اجواء الارتياح في «بيت الوسط» بنيل اهتمام صاحب السمو، كانت واضحة على معالم الحريري، بحسب من التقاه بعد الاتصال… لكن اوساطاً ديبلوماسية في بيروت تتخوف من مضمون الاتصال في ظل ما تستبطنه السياسة السعودية الراهنة بقيادة ولي ولي العهد، ويمكن الاستنتاج ان القيادة الشابة في الرياض لا تزال تعتقد ان المواجهة المباشرة على الساحة اللبنانية غير مجدية، وهذا الامر جيد، ولكن دعوتها الحلفاء الى الثبات والحفاظ على المكتسبات القائمة بانتظار التحولات القادمة في الاقليم والتي ستترك انعكاساتها المباشرة والمؤثرة على موازين القوى السائدة حاليا في لبنان، تدعو الى الكثير من الحذر، خصوصا ان الاستراتيجية السعودية الراهنة تقوم على مبدأ «قص اجنحة» حزب الله في الاقليم كمقدمة حتمية لتراجع قوة تأثيره في لبنان…
وبحسب معلومات تلك الاوساط، فان الرياض تعمل على مستوى المنطقة لتعزيز دور السنة في المعادلات الجديدة، وهي لا تستثني الساحة اللبنانية من خططها، هذه الرؤية التي يقودها محمد بن سلمان، تقوم لبنانيا على عدم الذهاب باي شكل من الاشكال نحو صدام مباشر خاسر مع حزب الله، لكن مع الحفاظ على مكتسبات الطائف وعدم القبول باي شكل من اشكال «المثالثة» في الحكم، وهم يعتقدون ان قدرة الشيعة واقعيا على فرض نفوذهم مرحلية ومرتبطة بظروف وتطورات المنطقة، وفك «شيفرته» مرتبط بهذه التطورات، المهم ان لا يتحول الى واقع دستوري يتم من خلاله تجاوز اتفاق الطائف، ومن هنا يمكن فهم تمسك الحريري خلال مفاوضاته على التسوية الرئاسية بالتزام صريح من المرشح ميشال عون بهذا الاتفاق، وعدم التفكير في تعديله او الذهاب الى مؤتمر تأسيسي… وكان هذا شرطاً سعودياً.
وفي هذا السياق، القيادة السعودية مهتمة بانتاج قانون انتخابات يؤدي الى انتاج كتلة نيابية وازنة يقودها تيار المستقبل، لان تشرذم «الواقع» السني في البرلمان سيؤدي الى اضعاف قدرتهم على التأثير… وفي هذا السياق تجري الاتصالات السعودية على «قدم وساق» لتحقيق تفاهم واسع يضم ابرز الشخصيات السنية البارزة، وتبدو الرياض مهتمة ببقائها على «قيد الحياة» السياسية، لكن هذا لا يلغي وجود صعوبات تبرز حتى الان بسبب دخول الامارات وقطر على «خط» بعض الاطراف الوازنة خصوصا في الشمال، وما لم يحصل تفاهم اقليمي على دورها ستبقى خارج السرب السعودي، لكن وزنها السياسي سيبقى محدودا…
هذه الرؤية السعودية تأتي في اطار الاعداد لمرحلة ما بعد فشل الاستثمار بتنظيم «داعش»، والعودة مجددا الى خيار سنة «الاعتدال»، وما يحصل في العراق وسوريا يقدم اكثر الادلة وضوحا على هذه الاستراتيجية، ووفقا للمعلومات فان مدير الاستخبارات السعودي خالد الحميدان ينسق مع الجنرال ديفيد بترايوس في مهمة اميركية ـ سعودية مشتركة في العراق، الادارة الاميركية الجديدة اعادت «نفض الغبار» عن «الجنرال» المتقاعد، وهو احدى الشخصيات العسكرية التي عملت على تأسيس الصحوات السنية في العراق والتي تشكلت من ابناء العشائر السنية لقتال تنظيم «القاعدة» في العام 2006 بدعم اميركي مباشر لتحجيم نفوذ «القاعدة»، لكنه يحمل اليوم مشروعا مختلفا وهو ينظم هؤلاء تحت عنوان «الخطر الحقيقي على العراق يأتي من ميليشيات الحشد الشعبي المدعومة من ايران، وليس من «داعش»، وهو يتحرك بالتنسيق مع السعوديين لمنع تنامي نفوذ «الحشد الشعبي» قبل ان تصبح الحكومة العراقية عاجزة عن السيطرة عليها…
هذا التحرك سبقته اجتماعات عقدتها قيادات سنية عراقية محسوبة على المملكة مع الإدارة الأميركية الجديدة، وقد لمس هؤلاء تغييراً كبيراً من قبل البيت الابيض في ما يتعلق بالواقع السني في العراق وسوريا، ثمة مقاربة اميركية جديدة للعراق في ظل ادارة ترامب، بحثها معه الملك سليمان في الاتصال الهاتفي الاخير، ويجري العمل على بلورة اطروحة الاقليم السني الذي يسعى الاميركيون لانشائه بالتوازي مع الاقليم الكردي، وهي معادلة عنوانها الكونفدرالية، التي ستكون خطوة اولى نحو التقسيم…. او القبول بمشاركة «وازنة» للمكون السني في الحياة السياسية العراقية…
هذه «القنبلة الديموغرافية» تراهن عليها الرياض في سوريا ايضا، تريد وضع قدمها عبر «المناطق الامنة» المدعومة اميركيا، لكن ضعف نفوذها يجعلها تراهن على الدور التركي، لارساء قواعد جديدة للحكم، وتحت عنوان استعادة الاغلبية السنية لحقوقها يجري العمل على بلورة نظام جديد بالتكافل والتضامن مع انقرة، وليس مفاجئا صدور العديد من التصريحات عن كبار المسؤولين الأتراك، هاجموا فيها إيران بشكل حاد وانتقدوا سياساتها في الاونة الاخيرة، فقد تزامن ذلك مع اختتام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لجولته الخليجية التي شملت قطر والبحرين والسعودية، وزيارة رئيس أركان جيشه إلى الإمارات، وكان ملفتا قول اردوغان صراحة ان حزب الله «الإرهابي» يتحرك في سوريا … وتركيز مولود جاويش أوغلو، على البعد المذهبي للخلاف بقوله ان الدور الإيراني في المنطقة « يزعزع الاستقرار، وخاصة أن طهران تسعى لنشر التشيّع في سوريا والعراق»… وتتلاقى المصالح التركية ـ السعودية على تقليص نفوذ ايران في سوريا واخراجها من التسوية دون مكاسب وازنة…
وبحسب تلك الاوساط، محاولة استغلال الديموغرافيا في الصراع السياسي في المنطقة، لا يتوقف عند العراق وسوريا، وما كشف عن تقارب سعودي- اسرائيلي لن يدفع ثمنه الشعب الفلسطيني فقط، وانما دول الجوار ايضا، الرياض تريد ان تسحب هذه «الورقة» من يدي طهران، عبر تسوية «عرجاء» بغطاء اقليمي – عربي، ليس واضح المعالم حتى الان، لكن اولى مؤشراته نعي ترامب امام رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتانياهو «حل الدولتين»، وهذا يعني ان على لبنان استيعاب مئات الاف الفلسطينيين الموجودين فوق اراضيه، ومع اضافة مليون ونصف المليون سوري الى المعادلة، وهنا يتضح عدم استعجال رئيس الحكومة اللبنانية لحل ازمة النزوح السوري، وبغياب استعداد اسرائيل لخوض الحرب، فان الخلل الديموغرافي سيكون الحل الانسب بالنسبة الى السعوديين لاعادة رسم حدود النفوذ بين الاطراف اللبنانية، اي بمعنى آخر اغراق الاقليات الدينية «ببحر» من السنة، ما سيشكل على المدى المتوسط والطويل امرا واقعا لن يستطيع حزب الله تجاوزه في ظل محاولات سعودية- تركية- بدعم اميركي لربط التسوية في سوريا والعراق بعقدة استعادة السنة لدولة «الامويين»، مقابل السماح للشيعة بحكم مشروط باستعادة السنة لحقوقهم في دولة «العباسيين»، وبحكم الجغرافيا يصبح حزب الله محاصرا بين حدود شرقية «غير متعاونة»، وحدود جنوبية عدائية، وتكون بذور فنائه واقعية ولا تحتاج الا لمزيد من الوقت لا اكثر ولا اقل.. طبعا ليس مرجحا ان يكون محمد بن سلمان قد وضع الحريري في تفاصيل استراتيجية بلاده خلال الاتصال الهاتفي الاخير، لكن اتصاله لا بد انه حمل خطوطا عامة، وله دلالة شخصية في «بيت الوسط» حيث لا يملك الحريري راهنا الا الحفاظ على «المساكنة» مع حزب الله الذي تنسق قيادته مع دول محور المقاومة لمواجهة مرحلة خطرة من «الكباش» تحتاج الى نمط مختلف من ادوات الصراع…
(الديار)