عون والإرهاب وتكايا الارتزاق
غالب قنديل
عندما وصف الرئيس ميشال عون في خطابه بالقاهرة ما يجري في المنطقة بالحرب العالمية الثالثة كان يقدم تشخيصا دقيقا لحقيقة الغزوة الإرهابية التكفيرية التي قادتها ” من الخلف ” واحيانا في العلن حكومة الولايات المتحدة ودول الغرب بواسطة جماعات التكفير والإرهاب وجيوش المرتزقة وشبكات استخبارية متقنة الربط والتجهيز.
من هذا المنطلق قدم الرئيس اللبناني الوصفة المناسبة بدعوته إلى الشراكة العربية والدولية في محاربة الإرهاب وهو التعبير الجدي عن صدقية الالتزام التي تقف عند أبواب الحكومات المتورطة في تبني جماعات تكفيرية تطلق عليها توصيفات متباينة وفقا للبلد الذي انتدبت لتدميره فالتكفيريون هم في سورية ثوار ومعارضون وفي العراق مقاتلون من اجل المساواة ( كما قيل مع انطلاق غزوة داعش الشهيرة ) وفي ليبيا يتلونون بوسم جهوي وقبلي خاص وفي سيناء وداخل مصر لهم تسميات متنوعة وكذلك في اليمن والجزائر وفي قلب هذه التركيبة عصب تنظيمي وعقائدي هو المصدر والمرجع اسمه التنظيم العالمي للأخوان المسلمين.
لبنان معني بكل تأكيد بمجابهة هذا الخطر الوجودي الذي كان حزب الله وحلفاؤه يتقدمهم التيار الوطني الحر أول المنبهين إليه وقد انخرطت مؤسسات الدولة العسكرية والأمنية وقوات المقاومة في عملية مستمرة لصد الخطر منذ البداية وقدمت تضحيات جليلة رغم موجات التنكر والجحود التي قابلت بها بعض الأطراف اللبنانية تضحيات مناضلي حزب الله حتى اليوم مستغلة نهج الحزب المتواضع البعيد عن الاستعراض والكيد.
جميع المتنكرين مع فروخ كتابهم ومواقعهم المنفوطة البائسة وجوقاتهم المبتذلة عاجزون عن سوق حجة واحدة تنفي حقيقة ان قتال حزب الله ضد الإرهاب في سورية قرب الحدود وداخل العمق السوري هو الذي أقام حزام الحماية الرادع للإرهاب ووفر قاعدة ثابتة للاستقرار الذي لولاه لما انتظمت دورة المؤسسات ولما بقي أثر لحركة الاقتصاد الذي يعنيهم كثيرا بما فيه من صفقات وأرباح محتملة بعد نضوب موارد تمويل الحرب على سورية وتراجع تجارة المساعدات للنازحين.
لقد هدد الإرهابيون شتى مظاهر الحياة وردعهم حزب الله والجيش اللبناني والأمن العام وبنتيجة تعثر المخطط وفشله والتفاف قيادة المستقبل انضمت جميع الأجهزة إلى الجهد الأمني الرسمي خلال ولاية حكومة الرئيس تمام سلام وتمت محاصرة القوى السياسية التي تورطت بدعم الجماعات التكفيرية إلى ان اضطرت بالقوة الناعمة إلى الانقلاب على مواقفها الداعمة والتنصل من أدوار مشبوهة ومشهودة وغسلت يديها من آثار الدماء المسفوكة وكميات السلاح المشحونة والتسهيلات اللوجستية التي قدمتها لاستقبال القتلة المحترفين وإرسالهم إلى سورية قبل ست سنوات تحت شعارات الثورة التي لا تناسب خطب ومعتقدات ومشاريع زعامات وثيقة الارتباط بالغرب وتطنب في إبداء تعلقها بالسيد الأميركي كنموذج ملهم او انها تستلهم النماذج الاستبدادية القبلية فمن أين تأتي الأفكار الثورية المزعومة ولم تأتي غير وحوش التكفير كما بينت التجربة ؟!.
بعض الأطراف اللبنانية رغم صوتها المرتفع شكلا في محاربة الإرهاب تريد إدامة جدار من الحقد والسلبية في العلاقة مع سورية وهي بذلك تعيق المواجهة الفعلية مع هذا الخطر بقدر ما تعبر عن خيبة ثقيلة لرهاناتها المدمرة على عصابات التكفير وتنظيم الأخوان المسلمين وجوقة عملاء الناتو ومرتزقة النفط في واجهات العدوان على سورية.
بعض الزعماء اللبنانيين لا يجرؤون على مراجعة حساباتهم ومواقفهم كما يفعل سياسيون عديدون في دول الغرب التي تورطت بشن الحرب على سورية وحصدت نتائج ذلك بارتداد التهديد الإرهابي إليها … لأن بعض الساسة اللبنانيين يجبنون امام اولياء نعمتهم في الخارج حتى لو شحت إرساليات المال القادمة إليهم وهم محصنون بالعصبيات المذهبية والطائفية لا يعرفون عاملا اسمه الرأي العام وتأسرهم احقادهم على سورية وقيادتها التي غيرت المعادلات في المنطقة والعالم وقدمت نموذجا نادرا في التمسك بالسيادة والاستقلال القيمتين الغريبتين عن ثقافة وميراث التبعية للقناصل.
بعض اتباع الجوقة المتورطة في دعم التكفير يستهدفون تعبيرات السيادة والاستقلال في حركة وخطاب رئيس الجمهورية الذي لامجال عنده لقبول أي تدخلات أجنبية في الشؤون اللبنانية وهؤلاء الذين كالوا المدائح للرئيس في زيارتيه للسعودية وقطر لاسترضاء مموليهم وليس بفعل انتمائهم إلى بلدهم ودعمهم لرئيس دولتهم هاجموا الرئيس عندما زار القاهرة وعندما تحدث بعقلانية وموضوعية عن حقيقة الشراكة في مجابهة الإرهاب الذي يضرب المنطقة ويهددها انطلاقا من سورية وببساطة فقد استخدم بعض المتنفعين في التطاول على مواقف الرئيس عون عبارات تدينهم ولا تشرفهم وذهبت كلماتهم غبارا باهتا مثل سحناتهم الصفراء المسمومة منذ ان تجمعوا في تكايا العمالة والارتزاق.