صحف اسرائيلية عن تصريحات ترامب: جهل وتناقض ودفن للدولة الفلسطينية سابق لأوانه
كان من اللافت، في أعقاب المؤتمر الصحفي الذي عقده الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ورئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، السذاجة التي أعلن فيها ترامب أن حل الدولة الواحدة أو حل الدولتين سيان، بما يشي أن اطلاعه على الصراع محدود جدا، وأن لا رؤية إستراتيجية تحكم مواقفه .
وتتداعي تساؤلات، بالنتيجة، حول ما إذا كان ترامب وأعوانه سيضطرون إلى العودة إلى المواقف الرسمية التقليدية التي ميزت الولايات المتحدة حيال الصراع، في كل مرة يصطدمون فيها بالواقع المعاش في الشرق الأوسط، والذي لا تضبطه الشعارات التي أطلقها ترامب خلال حملته الانتخابية.
ورغم ما ظهر للعيان من حفاوة الاستقبال والأجواء الدافئة في المؤتمر الصحفي، يوم أمس الأربعاء، الذي جمع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ورئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، إلا أنه كان هناك أيضا جهل وتناقضات داخلية وشعارات لاحتياجات السياسة الداخلية، إلى جانب تحييد خلافات ليست قليلة جانبا.
وبحسب المحلل السياسي لصحيفة هآرتس، براك رابيد فإن “تويتر” هاج وماج في الدقائق التي تلت المؤتمر الصحافي لترامب ونتنياهو، وحاول ‘المغردون’ من جانبي الأطلسي، بالإنجليزية والعبرية، تفسير تصريحاتهما، وخاصة ترامب. ويخلص إلى أن الأمر الوحيد الواضح في المؤتمر الصحفي هو أن مدى اطلاع ترامب وأعوانه على الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني محدود جدا في أحسن الحالات، وأبعد ما يكون عن بلورة إستراتيجية واضحة.
فقد شدد ترامب مرارا وتكرارا بأنه يريد “صفقة” بين إسرائيل والفلسطينيين والدول العربية، الأمر الذي يصعب فهم كيف يمكن تطبيقها وتسوية كل التناقضات الداخلية. وضمن أحد أهم الأمور التي عرضها ترامب، والذي يتصل بجوهر الصفقة التي يريد إنجازها، هو السذاجة التي أعلن فيها أنه سواء بالنسبة له حل الدولتين أم حل الدولة الواحدة، و’كأن الأمر الهامشي المتبقي هو التوصل إلى اتفاق الطرفين على ذلك‘.
وكتب المحل السياسي أنه ‘للمرة الأولى يدفع رئيس أميركي بحل الدولتين جانبا، ويعبر عن دعمه لإمكانية تحويل إسرائيل من دولة يهودية ديمقراطية إلى دولة ثنائية القومية. والحديث ليس عن أوتونوميا كما يطمح نفتالي بنيت، ولا عن دولة منقوصة كما يريد نتنياهو أن يحصل، وإنما دولة واحدة يهودية – عربية. هذه الرسالة هي تقريبا لا صهيونية، وهناك شكوك بأن يكون ترامب مدركا لمغزى أقواله. وهناك عدد غير قليل من الفلسطينيين الذين يدعمون الدولة الواحدة، وبالتأكيد فقد احتفلوا بذلك. وبالتاكيد فإن هرتسل وجبوتنسكي وبن غوريون والراف كوك يتقلبون في قبورهم‘.
وفي المقابل، بحسب رابيد، فإن ترامب قال سلسلة أمور مناقضة بجوهرها، وكان أبرزها ما يتصل بالبناء في المستوطنات في الضفة الغربية، بما فيها القدس. فقد وقف إلى جانب نتنياهو، ودعا إسرائيل بشكل مباشر، دون أن يلتمس الأعذار، إلى لجم البناء في المستوطنات. من الصعب رؤية كيف ستستطيع الحكومة الإسرائيلية البناء بدون قيود، ناهيك عن ضم المستوطنات. وعندما قال أوباما ذلك في اللقاء الأول مع نتنياهو في أيار/مايو من العام 2009، تعرض لهجوم كاسح في الإعلام من قبل المستوطنين في الإعلام والحكومة والكنيست. وعندما قال ترامب الشيء نفسه، وتهرب أيضا من نقل السفارة إلى القدس، بدأ اليمين الإسرائيلي بالرقص.
واضاف أن نتنياهو وترامب عرضا في المؤتمر الصحفي مبادرة سياسية “بديلة”، تبدأ من الخارج إلى الداخل، من العالم العربي إلى الساحة الفلسطينية. بمعنى أنهما لم يعرضا أي جديد، فقد حاول ذلك رئيس الحكومة الإسرائيلية في الولاية الأولى لأوباما، وايضا في ولايته الثانية، وفي الحالتين اكتشف أنه ربما يبدو ذلك جيدا، ولكنه ليس أسهل ما يكون للتطبيق، إذا لا يوجد أي زعيم عربي على استعداد لتحسين العلاقات مع إسرائيل قبل الفلسطينيين.
وتابع الكاتب القول إنه من غير الواضح ما إذا كان ترامب جديا عندما تحدث عن نيته التوصل إلى ‘صفقة رزمة’ في الشرق الأوسط. وإذا حاول، هو ومستشاروه الدفع بذلك حقا فسوف يكتشفون أنه لا بد من تسوية التناقضات الداخلية التي طفت في المؤتمر الصحفي. ويمكن الافتراض بأنه في الزيارة الأولى لمبعوثي ترامب إلى القدس ورام الله وعواصم العالم العربي وأوروبا سوف يكتشفون أن الحديث عن ‘دفن الدولة الفلسطينية’ كان سابقا لأوانه.
وانهى بالقول إنه ‘في كل مرة كان يصطدم ترامب وأعوانه بالواقع، منذ أن دخلوا البيت الأبيض، فإنهم يعودون إلى المصادر، وهو ما حصل في العلاقات مع الصين، والسياسة تجاه الاحتلال الروسي في أوكرانيا، وبشأن نقل السفارة إلى القدس. ولا يوجد سبب يدعو للاعتقاد بأن الأمر نفسه لن يحصل بشأن حل الدولتين’.