هكذا تحوّلت حارة حريك الى «وسيط» بين الرئاستين الأولى والثالثة..؟ ابراهيم ناصرالدين
لم يتجاوز رئيس الحكومة سعد الحريري ما كان متوقعا منه في خطاب ذكرى اغتيال والده الشهيد رفيق الحريري، الاسباب واضحة للعيان، الظروف التي انتجت التسوية الرئاسية ومنحته «قبلة الحياة» السياسية واعادته الى السرايا الحكومية لم تتغير، المؤشرات الاقليمية والدولية تعيده الى سياسة «الانتظار» على منصة المتفرجين من «القصر الحكومي»، فيما تفرض عليه المعطيات الداخلية «مسايرة» رئيس الجمهورية ميشال عون، «ومهادنة» حزب الله الذي تحول في الآونة الاخيرة الى «وسيط» لتهدئة «الشطحات» الرئاسية وبعض نزعات «رجالات القصر» …فماذا ينتظر الحريري؟
اوساط سياسية مطلعة، لفتت الى ان خطاب الحريري اعد بعناية شديدة، وطالبه مستشاروه عدم «الخروج» عن «النص» في الملفات الدقيقة، ولذلك اكتفى رده على موقف رئيس الجمهورية ميشال عون من سلاح حزب الله المكمّل لسلاح الدولة، بالقول انه «لا يجوز أن تعلو أي مرجعية على مرجعية الدولة وما يحمي البلد هو الاجماع حول الدولة ونعيش بالأمن والاستقرار بفضل بطولات جيشنا وقوانا الأمنية»، وهي مفردات «منمقة» تهدف الى تثبيت موقف معروف دون الذهاب الى فتح «مشكل» مع احد، اكان الرئيس او حزب الله، فالالتزام بالثوابت ومنها المحكمة الدولية، والنظرة الى النظام السوري، والسلاح غير الشرعي، وتورط حزب الله في سوريا، عناوين غير قابلة للصرف على المستوى العملي، بعد ان تنازل الحريري مع تياره السياسي عن الكثير من الثوابت الاساسية التي اعتبرها «شجاعة»، لكنها في واقع الحال افضت الى إنتخاب ميشال عون رئيسا للجمهورية، وبقية القصة المعروفة…
لكن الاهم برأي اوساط بارزة في 8 آذار، كان رد الحريري عمن يدعوه داخل تياره السياسي للصدام بالقول له «غلطان بالعنوان»، وهنا «بيت القصيد»، فالحريري لا يرغب في الصدام ليس فقط «لغياب» القدرة على ذلك، وانما لانتفاء المصلحة ايضا، فرئيس الحكومة اكتشف متأخرا «فضيلة» الاستفادة من قدرات حزب الله في التاثير على الواقع السياسي اللبناني، وهو طالب بوضوح وصراحة مؤخرا عبر مندوبيه الى الحوار الثنائي مع حزب الله، «وساطة» او بمعنى آخر «التدخل» لدى الرئيس لعدم المغالاة والذهاب بعيدا في حشره على المستوى السياسي والانتخابي، وفي مسالة الصلاحيات، غداة المواقف العالية السقف من قبل الرئاسة الاولى وعدد من المقربين، وقد «لمس» الحريري النتائج العملية لهذا التدخل، ويعي جيدا اهمية ما جناه من «التعاون» مع حزب الله في هذا الملف، لانه يحتاج الى طرف مؤثر يستطيع ان يضمن التوازن بين الرئاسة الاولى والثالثة، وضمان عدم «الغلو» في استثمار البعض لشعار استعادة المسيحيين لحقوقهم، لان لا مصلحة لديه في فتح مواجهة مع الرئاسة الاولى تؤدي الى «نسف» التسوية في مرحلة حساسة يحاول فيها اعادة ترتيب «البيت الداخلي» واستعادة موقعه شعبيا، في الاستحقاق النيابي المقبل، كي يستطيع «مواجهة» الشرعية الشعبية التي يمتلكها الرئيس، خصوصا انه لم ينس ما قاله عون خلال التفاوض الرئاسي معه، «انه ما دام يمثل الغالبية السنية سيبقى رئيسا للحكومة في ولايته»…
وفي هذا السياق يبدو حزب الله الاقدر على القيام بهذه المهمة، في غياب اي دور للرئيس نبيه بري او غيره من القيادات السياسية غير القادرة على التأثير في بعبدا، وايضا في غياب اي راع اقليمي، ومن المفارقات العجيبة ان يتحول حزب الله الى ضامن لدى «بيت الوسط» لابقاء التوازن على ما هو عليه… وفي هذا الاطار تروي مصادر مقربة من الحريري، انه قال يوما لبعض من جاء يشكو اليه القانون المختلط الذي «طبخه» الوزير جبران باسيل، واعتبروه مفصلا لخلق اكثرية نيابية تؤسس لمجلس نيابي بفرض هوية الرئيس المقبل، «ان هذه المحاولات غير مجدية لان جبران اكثر العارفين بمن يقرر هوية رئيس الجمهورية»!
ولذلك وعلى الرغم من «تحفظات» بعد المحيطين به يتمسك الحريري «بلغة الواقع»، ويدرك اكثر من اي يوم مضى اهمية «الحوار الثنائي» الذي لم تعد مهمته فقط وأد الفتنة المذهبية، طبعا ليس «حبا» بحزب الله، بل في سياق انتظار «الفرج» من الخارج، وهذا ما يبقي بعض الملفات معلقة دون بت ومنها عدم تحمل رئيس الحكومة لمسؤولياته في ملف اللاجئين السوريين، فما يرسم للمنطقة، بحسب اوساط ديبلوماسية في بيروت، بعد مرحلة القضاء على «الارهاب الراديكالي» المتمثل بــ«داعش» و«النصرة»، غير واضح حتى الان، و«ورقة» استخدام التوازن الديموغرافي المذهبي على الساحة اللبنانية، واستخدام اللاجئين الذين يشكلون اليوم «قنبلة موقوتة» ما يزال مطروحا، وهذا ما يفسر عدم وجود حماسة لدى تيار المستقبل والرئيس الحريري شخصيا لمحاولة ايجاد صيغة تواصل «مقبولة» مع الحكومة السورية لحل هذه المعضلة، علها تكون «ورقة» ضغط على الحزب في المستقبل ولا مصلحة في «حرقها» الان…
وما يحتم الانتظار الى حين تتبلور الصورة في الخارج ايضا ان ادارة دونالد ترامب تعمل على صياغة إستراتيجية لمواجهة «الاذرع» الإيرانية في المنطقة، وهذا يتطلب المزيد من الوقت لكي يتبلور، واذا كانت واشنطن قد جددت التزامها «المدفوع الكلفة» بامن الخليج، فانها لم تبد اي حرارة باتجاه الساحة اللبنانية المرتبطة عضويا بالملف السوري، الادارة الاميركية لم تعط اي مؤشر على تغيير في نظرتها الى حزب الله باعتباره انه منظمة «ارهابية»، لكن في الوقت نفسه لا توجد اي مؤشرات جدية على كيفية مقاربة التعامل مع الحزب في لبنان باعتبار ان هذه الساحة ما تزال «وعاء» صالحا لاستقبال اللاجئين السوريين الذين لا يريدهم ترامب، ولا تريدهم اوروبا، وهي «ساحة» معلقة حتى اشعار آخر بانتظار ايضا نتائج زيارة رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتانياهو الى وشنطن، فالاولويات الاسرائيلية تفرض نفسها على الاجندة الاميركية، وخصوصا في ملف حزب الله، باعتبار ان جهوزية الاسرائيليين في هذه المواجهة ضرورية جدا لبلورة المواقف الاميركية…
اما المنعطف الاهم فهو انتظار القوى المحلية «المتخاصمة» مع حزب الله لمرحلة ما بعد القضاء على التنظيمات الارهابية في سوريا، ووفق ما يتسرب من معلومات، فان ملف حزب الله تمت مناقشته بين موسكو وواشنطن، والجانب الروسي رفض وضع حزب الله مع التنظيمات الارهابية في «سلة» واحدة، اصر الاميركيون في مرحلة التفاوض الاولى على ضرورة انسحاب مقاتلي الحزب من الاراضي السورية، لكن شرح الروس لدور الحزب الفاعل في قتال «داعش» لم يغير موقف الادارة الاميركية من الحزب، لكنه ارجأ البت في الملف الى حين انتهاء مرحلة المواجهة القائمة مع «داعش» و«النصرة»، بعدها ينتظر «خصوم»الحزب فتح النقاش على مصراعيه حول مرحلة ما بعد التسوية السورية، وفي هذا السياق يأمل تيار المستقبل كغيره، بأن يوضع ملف السلاح على «نار حامية» انطلاقا من القرارات الدولية المرعية الاجراء كونه سيكون جزءا من اعادة ترتيب المنطقة وتقاسم النفوذ فيها… ومن هنا فان «التريث» يبقى سياسة «حكيمة» يتبعها الرئيس الحريري في مقاربته للعلاقة مع حزب الله حول البنود الخلافية، وهو مقتنع ان «الحياد السلبي» يشكل افضل دواء في هذه المرحلة، فيما يتعامل في القضايا الداخلية «بانتهازية» مفرطة و«مكشوفة»…
(الديار)