مقالات مختارة

ماذا حل بطيف الهيمنة الكامل ؟ د. عبد الحي زلوم

 

 بعدما اعتمدت الولايات المتحدة سياسة العولمة وأوجدت ادواتها في بريتن وودز في 1944  وتمّ انشاء الامم المتحدة لهذا الغرض بدأ التسويق لمبدأ العولمة أي الهيمنة الامريكية على العالم بمقالٍ كتبه ناشر مؤسسة اللايف و التايم Henry Luce  في نهاية الحرب العالمية الثانية جاء فيه:

 “علينا القبول وبشعور يملؤه السعادة ما يشكل واجبا علينا وفرصة لنا ، باعتبارنا أقوى الدول وأكثرها أهمية في العالم ، وبالتالي فرض نفوذنا الكامل خدمة للأهداف التي نراها مناسبة وبالوسائل التي نختار” . كان عنوان المقالة “القرن الامريكي ” . ومن الطريف أن “مشروع القرن الامريكي الجديد  ” ومؤسسته  الفكرية التي ضمت جميع المحافظين الجدد في عهد جورج بوش الصغير سنة 2000 جاء بإسم مقال لوس وبحرفية ما جاء في حيثياته .

يطلق البنتاغون على هذه الهيمنة أو التفوق على المنافسين كافة ، تعبيراً خاصاً هو “طيف الهيمنة الكامل” ، وهذا يعني بأن على الولايات المتحدة امتلاك قدرة السيطرة على التطورات العسكرية والاقتصادية والسياسية ، إذا ما أرادت الهيمنة على كل شيء وفي كل مكان .

جاء في وثائق المنتدى الفكري ( القرن الامريكي الجديد ) والذي جاء منه تقريباً جميع رؤساء الاجهزة الامريكية الامنية بما فيهم نائب الرئيس شيني بأن برامج المحافظين الجدد بتطبيق طيف الهيمنة الكامل على العالم يحتاج الى بيرل هاربر جديدة ليصطف الامريكيون وراء اجندتهم . فجاءت  11 سبتمبر . ومن المفيد على اولئك المتشككين أن يطالعوا مواقع (علماء من اجل حقيقة 11 سبتمبر ) و ( مهندسون ) من اجل حقيقة 11 سبتمبر.

ففي بداية الألفية الجديدة ، وجدت الولايات المتحدة نفسها تحتكر تقريباً التقنية والقوة العسكرية في العالم . وينظر أحد المساعدين السابقين لوزير الدفاع دونالد رامسفيلد إلى القوة العسكرية الأمريكية الجبارة الجديدة بالقول ” تأتي القدرات التكنولوجية الأميركية الحديثة مقترنة بالعقائد الجديدة والتنظيم والتدريب على أسس جديدة ، لتفتح آفاقاً جديدة في الهيمنة تتيح لقوة عسكرية قليلة نسبياً إحداث نتائج عسكرية أكثر قوة وتأثيراً . وهذه العملية في تطوير أفضليات متفوقة في المعرفة والسرعة والدقة والقوة المميتة تندرج حالياً تحت اسم (التحول)”.

ويعطي ليو مايكل Leo Michel أحد المخططين الاستراتيجيين في البنتاغون لمحة عن رؤية واشنطن للحملات العسكرية المستقبلية في الامبراطورية الجديدة بالقول ” دعوني أعرض بعض الأمثلة من واقع العمليات الأخيرة . ففي أفغانستان ، يشير كبار المسؤولين العسكريين الأمريكيين إلى معركة مزار الشريف ، باعتبارها نموذجاً للتحول الحاصل في إدارة الحروب . فخلال القتال، تمكن عدد قليل من أفراد القوات الخاصة الأمريكية وهم يمتطون الخيول من التسلل إلى خلف خطوط طالبان ، وتوجيه القاذفات الثقيلة من نوع بي – 52 باستخدام أجهزة اتصالات عبر الأقمار الصناعية ، ضمن ما يعرف بـ ” نظام التوجيه العالمي ” ، لقصف وتدمير مواقع لطالبان لا تبعد أكثر من بضع مئات من الأمتار عن موضع الخيالة الأمريكيين . وعندما سقطت كابول ، لم يكن الكثيرون يدركون حقيقة أن الولايات المتحدة لم تكن تملك أكثر من 300 جندي على الأرض الأفغانية (معظمهم من القوات الخاصة للجيش وسلاح الجو). ويضيف ليو مايكل “،  أما فيما يتعلق بعملية – حرية العراق (وهي الغزو الأخير للعراق) – فقد أورد المسؤولون العسكريون العديد من الأمثلة على التقدم الهائل الذي تم احرازه في القدرات الأمريكية الحربية منذ عملية عاصفة الصحراء عام 1991 . ففي العملية الجديدة ، استطاعت طائرات الاستطلاع تسجيل نتائج مبهرة بجمع ثلاثة أضعاف المعلومات التي تم جمعها في عملية عاصفة الصحراء ، من خلال طلعات جوية أقل من نصف عدد الطلعات في حرب الخليج الأولى . كما أن القوات الأمريكية والحليفة نجحت في الانتشار الكامل في المنطقة خلال أقل من ثلاثة أشهر ، في حين أن انتشارها في عملية عاصفة الصحراء استغرق أكثر من سبعة أشهر . وفي مقارنة مثيرة ، فإن الولايات المتحدة لم تستخدم في عملية العراق أكثر من واحد على سبعة من الذخيرة العسكرية المستخدمة في عاصفة الصحراء ، حيث تم التركيز هذه المرة على القذائف الموجهة بدقة ، التي شكلت ثلثي القذائف المستخدمة مقارنة بعشرة بالمئة فقط تم استخدامها في عاصفة الصحراء. وفي حرب الخليج الأولى ، تم ارسال أربع طائرات في المعدل لتدمير هدف واحد ، في حين احتاج الأمر لطائرة واحدة لتدمير أربعة أهداف في الحرب الثانية” .

وفي الوقت الذي تُهيمن فيه الولايات المتحدة على احتياط النقد العالمي من خلال الدولار ، الذي يتحكم بالأصول والتدفق المالي لمعظم الدول الصناعية في العالم ، فإن أمريكا باحتلال حقول النفط تبدو في وضع يجعلها قادرة على امتلاك الاحتكار شبه الكلي لمصادر الطاقة في المستقبل ، وستكون قوتها العسكرية الجبارة هي الحامية لهذه الهيمنة العالمية “.

كان هذا هو حساب الخيال ( السرايا ) أما حساب الواقع ( القرايا ) فقد اضطرت الولايات المتحدة الى ارسال أكثر من 100 الف جندي الى افغانستان وكذلك الى العراق والتي يحارب ضدها قادة يستعملون الدراجات النارية بدل مراكز السيطرة العالمية ويستعملون الحمير والبغال بدلاً من الدبابات والسيارات المصفحة. وما نجحت به هذه الحروب هي تدمير البلاد المستهدفة وتحويلها الى دول فاشلة وفاسدة . ففي الوقت الذي احتلت افغانستان لقب ( أطول حرب أمريكية في التاريخ )حول الامريكيون العراق الى ( اكثر الدول  فساداً في العالم ). فهل هناك دليل أكثر من هذا  أن الأسس التي قامت علها الامبراطورية الأمريكية والتي خطط لها  المحافظون الصهاينة الجدد ما هي سوى أوهام واحلام؟  وان  إرادة الشعوب أقوى من عربدة السلاح؟ كما ألحقت عقيدة الهيمنة الكاملة بالاقتصاد الأمريكي خراباً لم ينجوا بعد من نتائجه.  وبيقين كامل أقول أن من خطط للمشروع الاستيطاني الصهيوني سيفشل لان المشروع ما زال قائماً ليس لقوته المادية  على عظمتها ولكن لتواطئ  أوباش السلطه بالاضافة إلى  امثالهم  من وكلاء الاحتلال والمسلمون الصهاينة ما ظهر منهم وما بطن  وكذلك تقاعس الشعوب . وفي نهاية المطاف فالمشروع الصهيوني أوهى من خيوط العنكبوت .

لم يكن هناك عنف أو ارهاب اسلامي في معظم القرن العشرين بينما كان هناك ارهاب اوروبي مثلاً في المانيا وفي ايطاليا (الكتائب الحمر Red brigades) وإنما كانت بداية الارهاب في افغانستان حيث تم تشكيل ( المجاهدين ) من كل ارجاء الارض لمحاربة السوفييت هناك . وكانت الولايات المتحدة ودول النفط هي التي تولت تمويل لوردات الحرب الافغان وكانت المدارس الوهابية هي التي خرجت زعماء الطالبان وافرادهم وكانت المخابرات الامريكية والنفطية هي التي تتولى الاشراف على طالبان وغيرها من المجاهدين الافغان .

كان هناك في  واشنطن  مدرستان في التعامل مع الحركات الاسلامية  .لم يمانع المحافظون الجدد في البداية من ممارسة المسلمين طقوسهم الدينية بل حبذوها ما داموا مبتعدين عن  مبادئ  الاسلام الاقتصادية خصوصاً التي تمنع الربا عماد اقتصادهم .ظنّ المحافظون الجدد ان بإمكانهم التعامل مع ما أسموه بالاسلام المعتدل ووجدوا في تركيا مثالاً جيداً لهم . فما دامت سياسة البلد مرتبطة بالغرب (الناتو بحالة تركيا) وكامب ديفيد في حالة الاخوان المسلمين في مصر  وما دامت تتبع النهج الاقتصادي ( الحر ) وتسمح تلك البلدان بالتجارة الحرة والسماح لوول ستريت بالدخول والخروج الى اسواقها متى وكيف اراد فهذه الدول تعتبر صالحة ومنضويةً ضمن منظومة العولمة . وقد وجدوا في قيادة جماعة الاخوان المسلمين حلفاءً لهم في هذه المرحلة . الا ان هناك الفريق الآخر الذي كان يرى أن كافة أنواع الاسلام تشكل خطراً ايدولوجياً على النظام الغربي. كانت اسرائيل واللوبي الاسرائيلي هما اللذان قادا هذا التيار فتمّ استعمال الاخوان المسلمين في مرحلة ( الربيع العربي) في مصر وليبيا وسوريا ( عن سوء تقدير او معرفة من طرف قياداتهم ) وتم تحويل تلك الدول  ومن قبل ذلك العراق الى دول فاشلة أو شبه فاشلة كما خططت له اسرائيل  .

نلاحظ أن الانقلاب من التيار الثاني ضد التيار الاول قد انتقل الى البلدان الاسلامية الاخرى مثل تركيا التي تعرضت لانقلاب ضد اردوغان وحزبه الاسلامي  بل وصل ذلك حتى بنغلاديش حيث تمّ اعدام قادة الحركة الاسلامية وهم في السبعينات والثمانينات من اعمارهم بحجج واهية انهم حاربوا ضد الانفصال عن باكستان المدعوم من الهند الهنودسية قبل حوالي نصف قرن من الزمان.  والمختصر المفيد  فإن دين أصحاب النظام الرأسمالي  هو المال والجشع وخلافهم مع الاسلام هو كون ايديولوجيته تقاوم مبدأ طيف الهيمنة الكامل إقتصادياً واجتماعياً وأن ما يسمى الحرب على الارهاب ما هو إلا الارهاب بعينه ضد الاسلام واتباعه.

في طيف الهيمنة الكامل ومخالفة لكل الاتفاقيات بدأ ناتو يزحف الى حدود الاتحاد الروسي.   وعندما وصل الى اوكرانيا قررت روسيا ان الامر اصبح لا يطاق فبدأت تتعاون مع الصين ودول البركس للدفاع عن سيادتها  من الهجمة الامريكية الغربية .  وتعتبر الولايات المتحدة ومحافظيها الجدد أن ذلك جريمة لا تغتفر لأنها تتناقص مع مبدأ بوش و الهيمنة الكاملة التي تسعى اليها  فبدأت ماكنة الاعلام المملوك من اصحاب النظام الرأسمالي بتشغيل طواحين هوائهم  ضد روسيا والصين. إذن  أصبح محور روسيا الصين وكذلك الايدولوجية الاسلامية تتعرض الى هجمات الطيف الكامل الأمريكي. انتبهت إيران من بين المسلمين إلى هذه  الفرصة  وكذلك  تركيا أما  الأعراب فما زالوا في ضلالهم يعمهون  ويرددون كالببغاوات …الارهاب… الارهاب وهم في نهاية المطاف المستهدفون .

إن المخطط للعالم العربي هو إفشال دوله الوازنة وقد تحقق ذلك الى حد بعيد. وكذلك الهدف الثاني هو اهدار ما تبقى من بترودولارات سواءً في شراء اسلحة او تمويل حروب المسلمين ضد المسلمين.

إن الإستعمار  جديده وقديمه هو الارهاب بعينه ومارست دوله جرائم  ضد الانسانية كان ضحاياها من المسيحيين  قبل المسلمين . أليست جرائمهم  في الحرب العالمية الاولى حيث قتل أكثر من 20 مليوناً وفي الحرب العالمية الثانية حيث قتل أكثر من 50 مليونا وجرائمهم  في كوريا وفيتنام  وأفغانستان وفلسطين والعراق وسوريا جرائم دول ضد الانسانية؟ فعلى هذه الدول وببغاوتاهم أن يخرسوا حين يصفوا الاسلام والمسلمين بالارهاب .

         مستشار ومؤلف وباحث

عن موقع رأي اليوم

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى