الحريري محاصر… ومجموعة السنيورة تضغط لمنع التسوية الانتخابية ابراهيم ناصرالدين
عندما التقى وزيرالداخلية نهاد المشنوق الرئيس ميشال عون في قصر بعبدا على هامش الجلسة الحكومية الاخيرة، لتوضيح خلفية تصريحاته «النارية» تجاه الرئاسة الاولى، كانت خلاصة رؤية الوزير «العراب» للتسوية الرئاسية «ساعدوا الرئيس سعد الحريري على تجاوز مطبات البيت الداخلي، ولا تساهموا في «احياء» هواجس الماضي والحاضر والمستقبل لدى السنة، مقابل «الجوع» الماروني لاستعادة الصلاحيات، ثمة من يطالب رئيس الحكومة بوقف «التنازلات» والذهاب الى التشدد، وهذا امر مضر بالتسوية»…
هذه الاجواء لا تأتي من فراغ، وبحسب مصادر سياسية مطلعة على ما يدور في «كواليس» «بيت الوسط» فان هذه المعطيات جدية، الحريري يتعرض لضغوط من المجموعة المتشددة داخل تيار المستقبل بقيادة النائب فؤاد السنيورة، والتي سبق وحاولت اجهاض التسوية الرئاسية، راي هؤلاء اليوم لا يستند عمليا لاي معلومة مفيدة او تعليمات محددة سواء اقليمية او دولية، او بمعنى آخر لا من الرياض ولا من واشنطن، حيث ما تزال الادارة الاميركية غير معنية حتى الان بفتح اي قناة تواصل جدية مع حلفائها، لانها تعتقد بعدم توفر الارضية المناسبة لاطلاق جهد جدي على الساحة اللبنانية سبق وفشل في ذروة «اشعاع» «ثورة الارز»..كما ان الرياض لم تغير استراتيجيتها في التعامل مع الساحة اللبنانية باعتبارها اليوم مجرد ساحة لتقليل الخسائر لا لتحقيق الارباح ..ولكن عدم وجود هذه المعطيات لا تلغي مطالبة التيار المتشدد في المستقبل على الاقل بالتريث وعدم الذهاب بعيدا في تقديم المزيد من التنازلات بانتظار تبلور المعطيات الاقليمية والدولية، فيما يرى التيار الاكثر «عقلانية» والمتمثل بالرئيس سعد الحريري ومحيطه الضيق، بان الاخفاق في البلاد سيطاله شخصيا حيث يرتبط مستقبله السياسي بمدى نجاح العهد، اي بمعنى آخر اما ينجح مع الرئيس ميشال عون او يسقطان معا..
هذه النظرية لا يؤيدها التيار المتشدد في تيار المستقبل وهو يريد التريث في التنازل عن ورقة القانون الانتخابي ويرى انه لا داعي في الاستعجال في هذه المرحلة، اولا لان النائب وليد جنبلاط يأخذ «بصدره» عملية عرقلة التسوية الانتخابية، «والتيار الازرق» ليس في الواجهة او تحت الضغط، مع العلم ان «البيك» يخوض معركة السنة وليس معركة الدروز، فالتوازنات الدرزية لن تشهد انقلابا دراماتيكيا مهما كان شكل قانون الانتخاب، وبالتفاهم السياسي يمكن ان يحافظ جنبلاط على مكتسباته السياسية والمناطقية، لكن الازمة الحقيقية موجودة لدى تيار المستقبل فالانتخابات النيابية المقبلة ستكون الميزان الحقيقي لتمثيله السياسي، ويقول هؤلاء للحريري الطامح لاقامة طويلة ومديدة في السرايا الحكومية، ان اي اهتزاز كبير في حجم الكتلة النيابية سينعكس على قدرته التفاوضية على تركيبة السلطة التنفيذية…
وتعتقد الاوساط المتشددة، ان تيار المستقبل غير معني ايضا في مساعدة الرئيس عون في «النزول عن شجرة» بتهديده بالفراغ، فاذا كان هو مسؤول عن صعود «الحمار الى المأذنة» فعليه ان يجد الطريقة المناسبة لانزاله، خصوصا ان قراره هو مشروع «مشكل» مع احد اقطاب «الثنائي الشيعي» المتمثل بحركة امل ورئيس المجلس النيابي نبيه بري الذي ما يزال حتى الان يأخذ بنوايا الرئيس على المحمل الحسن، لكن اقتراب الاستحقاق والاقتراب من الفراغ، سيرفع من حدة التوتر، وسيجد الرئيس عون نفسه امام مأزق المواجهة المفتوحة مع رئاسة المجلس النيابي، وسيكون حزب الله محرجا، فلماذا التدخل الان لحل مشكلة لدى «الخصوم»؟
وفي هذا السياق، لا تعتقد تلك الاوساط انه من المفيد تقديم تنازل انتخابي، بعد التنازل الرئاسي، والتنازل في رئاسة الحكومة، لا ضير من الانتظار خصوصا ان التطورات الاقليمية والدولية «حبلى» بالمفاجآت؟!…وبرأي هؤلاء يجب مراقبة المشهد الخارجي المؤثر في الساحة اللبنانية، فالرئيس الاميركي دونالد ترامب يعاني من مأزق داخلي كبير، تراجعت شعبيته بشكل قياسي، خسر المواجهة الاولى مع القضاء، «الحائط» مع المكسيك يتسبب له «بصداع» كبير، وتنفيذه دونه عقبات كثيرة، وعوده الانتخابية لاسرائيل تواجه الكثير من القيود والتعقيدات، ولذلك سيحتاج حتما الى الهروب نحو الخارج للتغطية على الاخفاقات المتتالية، وليس في الميدان سوى ايران، وحدها تشكل حقلا خصبا لتحقيق النتائج المرجوة، واذا كانت الحرب المباشرة صعبة التحقق، فان ميدان المواجهة الرئيسي سيكون «الحروب بالوكالة» وساحاتها عديدة ومنها سوريا واليمن والعراق، واي تغيير في موازين القوى هناك سيؤدي حتما الى انعكاسات مباشرة على الملف اللبناني،خصوصا مع وجود معلومات عن قرار اميركي لا رجعة عنه بالقضاء على الدور الإقليمي العسكري والأمني لإيران، سيليه حكما قرار «تنفيذي» بسحب حزب الله من سوريا، وهي مسالة كانت على بساط البحث بين وزير الخارجية السعودية عادل الجبير مع نظيره التركي في انقرة قبل ايام، اما العودة العربية بقيادة السعودية إلى لبنان وكثافة الحضور السعودي السياسي فهي ليست الا اول «الغيث» وسيليها استعادة للثقل العربي على الساحة اللبنانية، وهذا ما سيتبلور خلال القمة العربية في آذار المقبل في الاردن حيث يعتقد هؤلاء بان الرياض ستخصص حيزا مهما من اهتمام القمة لكيفية استعادة «عروبة» لبنان وسحب «البساط» من تحت ايران؟؟؟
ولذلك فان مجرد وجود فرصة لنشوء وضع جديد في المنطقة، يستحق المغامرة يقول المتشددون في المستقبل، اقله في اعتماد فضيلة «التريث» بانتظار «الاطار الاقليمي» الجديد، واذا كان حزب الله مستعجلا لبلورة صياغة قانون انتخابي جديد يتوافق مع سطوته على المعادلة اللبنانية الراهنة، فمن الحكمة عدم مساعدته على النجاح، لان الرهان على الوقت قد يكون مجديا لانتاج قانون لا يلغي المكاسب المحققة..
على المقلب الاخر، لا يزال الرئيس الحريري غير مقتنع في الذهاب بعيدا بالرهان على المعطى الاقليمي والدولي خصوصا ان احدا من المعنيين لم يبلغه شيئا بخصوص ذلك، هو يعتقد ان «التسوية» ما تزال قادرة على تحقيق التوازن الداخلي، طالما ان طموحات الرئيس عون تقف عند حدود اتفاق الطائف لا سيما فيما يتعلق بتوازن السلطات التنفيذية، لا يتحمل الحريري اي عودة الى الوراء، وما حققه والده من مكاسب للسنة لا يستطيع ان يخسره، يحتاج الى الحفاظ على التوازن السياسي في البلاد، يدرك ان ما تحقق يعد مكسبا كبيرا بقياس التوازنات المحلية والاقليمية والدولية، لا يريد اي مواجهة مع العهد في هذه المرحلة، يعتقد ان دوره الجدي في الحكم سيتبلور في حكومة ما بعد الانتخابات النيابية المقبلة، ويعتقد ايضا ان معركته على الصلاحيات ستكون مع رئيس الجمهورية، وليس «الثنائي الشيعي»، «الصداع» في ممارسة الحكم ستكون بسبب «جوع» ماروني لاستعادة الصلاحيات، ولذلك لا رغبة لديه في مواجهة غير مجدية مع حزب الله، طالما ان التفاهم الضمني قائم على حفظ حصته في السلطة، هو يعرف جيدا من خلال اللقاءات الدورية ان لا رغبة لدى الحزب في تعديل قواعد التفاهمات الداخلية، لكنه يعيش هاجس خسارة الانتخابات النيابية ويحتاج الى من يطمئنه على مستقبل تياره السياسي «المخروق» من الداخل باصوات متطرفة، ومحاط باعداء كان الى يوم امس «داخل البيت» ويرون اليوم فرصة للانقضاض على ارث رفيق الحريري، يحتاج رئيس الحكومة لضمانة داخلية، وكذلك لضمانة سعودية تكبح جماح المتربصين به في الساحة السنية، الاولى حصل عليها من حزب الله، فيما لا تزال الثانية «ضبابية» وغير محسومة، وهذا ما يترك الحريري في حيرة من امره بين المساعدة في حل معضلة قانون الانتخاب او الاصغاء الى المتطرفين والرهان على «لعبة الوقت»…
(الديار)