واشنطن والقدس أمام تحديات جديدة: يعقوب عميدرور
على ابواب زيارة رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو الى واشنطن في الاسبوع القادم، واضح أنه في اسرائيل توجد فجوة كبيرة بين موقفين، لا سيما في الموضوع الفلسطيني. اليسار في اسرائيل يخشى من أنه تحت جناحي النظام الجديد المؤيد لاسرائيل والذي لا يهتم بردود الدول العربية، سيستغل اليمين في اسرائيل هذا الوضع ويقضي على امكانية التفاوض مع الفلسطينيين حول الحل الدائم. فحسب رأيه ستكون النتيجة التي لا يمكن منعها هي قيام اسرائيل بالبناء المتسارع في يهودا والسامرة، واذا ضمت اجزاء هنا وهناك. اليمين في اسرائيل، في المقابل، يأمل أن تتلاشى القيود الامريكية وأن يتعزز حلم اليمين في تحويل يهودا والسامرة، أو على الاقل الكتل الاستيطانية، الى جزء من دولة اسرائيل. بين اليسار واليمين توجد اغلبية الجمهور الاسرائيلي، في الوسط الواسع الهاديء والسلبي في معظمه، الذي لا يعرف التفاصيل ويريد الهدوء الامني دون الاحتكاك الجسدي مع الفلسطينيين.
اذا قررت اسرائيل السير في طريق تختلف عن التي سارت فيها حتى الآن، وعدم اجراء المفاوضات في المستقبل، فهي لا تستطيع التملص من مسألة السكان الفلسطينيين ومصيرهم السياسي والمدني. المطالبة بالاهتمام بذلك هي منطقية، حتى لو وافقنا على فرضية عدم وجود قيادة فلسطينية تريد التفاوض بشكل جدي على حل معقول في المستقبل القريب.
الآن بالذات، في ظل تحرر اسرائيل من القيود التي وضعتها الادارة الامريكية السابقة، تقع عليها مسؤولية اعادة النظر في السياسة المناسبة “حبل طويل” يمكن من حرية العمل، لكنه يشتمل ايضا على خطر التورط. عندما نسير وفق رأي اليمين وبالطريقة التي قد تؤدي الى نقطة اللاعودة عن الدولة ثنائية القومية، يجب عمل استيضاح، ليس من اجل محكمة الجنايات في لاهاي، بل بسبب أهمية هذا لدولة اسرائيل.
شرق اوسط جديد؟
مع الاحترام لموضوع المستوطنات، يجب علينا تذكر أن الرئيس الامريكي الجديد، ترامب، سيواجه تحديات اخرى في الشرق الاوسط وجميعها هامة لدولة اسرائيل. لذلك يمكن أن يتحدث مع رئيس الحكومة في المواضيع الاقليمية الاخرى ومنها كيفية مواجهة الولايات المتحدة للاسلام السني الراديكالي الذي زادت قوته في السنة الاخيرة نتيجة خيبة الأمل من البديل الذي اقترحته الدول المختلفة في المنطقة.
يوجد لهذا الاسلام ابعاد ارهابية خالصة، مثلا تنظيم الدولة الاسلامية. وابعاد سياسية، مثلا الصراع بين الاخوان المسلمين وسلطة الملك عبد الله في الاردن والرئيس عبد الفتاح السيسي في مصر. الادارة الامريكية اعلنت عن منع دخول المواطنين من ست دول عربية سقطت الانظمة فيها، لمنع تسلل العناصر الارهابية. ورغم ذلك، هي لم تضع بعد سياسة شاملة لمواجهة تحدي الارهاب أو المسألة السياسية في العالم العربي.
هناك تحد آخر هو كيفية منع انتشار تأثير ايران التي تحاول اقامة محور ايراني – شيعي تقوده طهران ويشمل العراق وسوريا ولبنان واليمن. محور ديناميكي وانقلابي سيضر بحلفاء الولايات المتحدة، ويمكنه خلال بضع سنوات التوصل الى القدرة النووية العسكرية بسبب الاتفاق السيء الذي وقعته الادارة السابقة في واشنطن. هذه الخطوات تنشيء منذ الآن تهديدات حقيقية للولايات المتحدة، وهذه التهديدات ستزداد. وقد قالت الادارة الجديدة بوضوح إنها تنوي العمل ضد ايران. وقد ردت بشكل شديد على تجربة الصواريخ قبل اسبوع، لكن ليس واضحا بعد الى أي مدى سيذهب الرئيس في هذا الموضوع، الذي يمكن أن يؤدي الى مواجهة عسكرية شديدة.
بالنسبة لاسرائيل هذان هما الموضوعان الاهم، والتحدي الايراني هو الاكثر اهمية، علينا سؤال انفسنا كيف سنساهم في بلورة سياسة الولايات المتحدة وكيف سنساعد الولايات المتحدة في المنطقة لأن هذا هو المغزى الرئيس في كونها حليفة استراتيجية. وفي هذا السياق هناك ثلاثة اسئلة: يمكن أن يتبين أن خطوات اسرائيل في يهودا والسامرة تناقض جهود بناء القوة الاقليمية المعادية لايران بقيادة امريكية ومشاركة اسرائيلية.
في هذه الحالة يمكن أن النظرة الايديولوجية في موضوع المستوطنات ستقف امام الحاجة الاستراتيجية النابعة من الوضع الجديد في الشرق الاوسط، خصوصا عند حدوث تغيرات دراماتيكية. اذا تم الفهم انه يمكن عقد تحالفات جديدة برئاسة الولايات المتحدة شريطة أن لا تظهر اسرائيل بأنها تسيء من حال الفلسطينيين، بل تتفاوض معهم، سيكون هذا وضع ليس سهلا يحتاج الى جهود فكرية وسياسية مركبة من قبل اسرائيل.
فهم موسكو
يبدو ان الادارة الامريكية تنوي التوصل الى تفاهم مع روسيا، وهنا الامور ليست بسيطة، يجب أن نتذكر ان الرئيس اوباما ايضا حاول فتح آفاق حديث مع موسكو لكنه اكتشف بالطريقة الصعبة ان نظيره هناك ينظر الى العالم والى مكانة روسيا بشكل مختلف. اضافة الى ذلك فهم قيود الولايات المتحدة في مجال استخدام القوة، ونجح الرئيس بوتين في جعل بلاده ذات تأثير اقليمي بعيدا، مثل سوريا، او التدخل العسكري في مناطق احتكاك مع الاتحاد الاوروبي والناتو مثلما في اوكرانيا.
هل ستقبل الادارة الجديدة في واشنطن الاجراءات الروسية، أو ستختار الوقوف بجانب الاتحاد الاوروبي؟ يصعب معرفة الاجابة، لكن يمكن ان المواقف التي طرحت اثناء الانتخابات والتي عبرت عن الانفتاح تجاه روسيا ستخضع بسرعة لامتحان الواقع. ان تطور الموضوع الروسي سيزيد من تعقيد شؤون الشرق الاوسط، حيث ان روسيا هي حليفة هامة ايران في سوريا، وبشكل غير مباشر تساهم في زيادة قوتها في المنطقة.
كل هذه هي تحديات خارجية، الا ان الادارة ستواجه تحديات داخلية غير بسيطة. لذلك محظور ان تبدو اسرائيل كمن يقف الى جانب طرف معين في الصراعات الداخلية. من الواضح ان اسرائيل ستتعاون مع الادارة الجديدة لتحقيق المصالح، لكن عليها التصرف بشكل يجعلها مدعومة من الحزبين. وهذا في ظروف صعبة بالنسبة للمجتمع الامريكي المنقسم في اعقاب الانتخابات.
اسرائيل اليوم