بقلم ناصر قنديل

ما بين سطور حزب الله

ناصر قنديل

– في كلام نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم لـ»البناء» ما يبتعد عن اللغة التقليدية التي تُحرم المتلقي من الحصول على أجوبة عن الأسئلة الضمنية التي تجول في بال جمهور واسع من المتابعين والمعنيين من سياسيين ودبلوماسيين، مع مراعاة قواعد الأجوبة المدروسة بعناية لا تتيح تحويل الاستنتاجات إلى كلام رسمي منسوب لحزب الله، عن لسان قيادي كبير فيه هو نائب الأمين العام، حتى تشبه الأجوبة عملية عسكرية متقنة تمرّ بين الكمائن وتنفذ خلالها الكلمات كمجموعة محترفةٍ مهمتَها، وتعود إلى قواعدها سالمة من دون خسائر. وفي السياسة والدبلوماسية يعتبر النجاح بهذا الأسلوب الذي يترك للقارئ استخلاص الأجوبة، من دون الوقوع في اللغة الخشبية المنمّقة والعمومية، ومن دون الوقوع في فخاخ التصادم بلا مبرر والتسبّب بمواجهات جانبية بلا قضية تستحق، وكشف الخفايا واستفزاز الخصوم وإحراج الحلفاء.

– يكشف كلام الشيخ قاسم عن مسار لمناقشة قانون الانتخابات النيابية لا مكان فيه لحق الفيتو لأحد ولا للسعي لطمأنة أحد بأن حجمه لن يتأثر بالقانون الجديد. فالأصل هو سعيٌ لقانون لا يستطيع أحد الطعن في عدالته ومساواته بمنح الفرص المتكافئة للجميع، وليس إقامة الحساب للحاصل الانتخابي الذي يُرضي المعترضين، بل سعي للتوافق والاحتكام في النهاية للتصويت، إذا تعذّر التوافق، عندما يتوافر نصاب وطني مناسب وكافٍ لإنتاج قانون يبدو واضحاً لحزب الله أنه يستجيب للحد الأدنى من ضوابطه، في مناخ سياسي يثق الحزب أنه مختلف جذرياً، وهو المطمئن لثبات التحولات ومتانة التوازنات، وعلى يقين بأن زمن التكتلات الكبرى لمواجهته من البوابة اللبنانية قد ولّى، وبات خصومه قوى محلية بلا مشاريع خارجية حاضنة، ولو بقيت الحضانات نفسها في الخارج، لأنها صارت بلا أنياب. واللعبة الداخلية صارت بنسبة كبيرة داخلية، يخوضها حزب الله وفق قواعدها، ويترك فيها الكلمة الفصل شكلاً وتوقيتاً للخطوات الحاسمة لحليفه الذي يثق به، رئيس الجمهورية.

– لا يُحرَج حزب الله بعلاقته مع إيران تقديم قراءة مغايرة لتلك التي ظهرت من كلام وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، فلم يحدث حوار مباشر ولا غير مباشر سعودي إيراني ساهم بإنتاج التسوية في لبنان، التي جاءت بالعماد ميشال عون كمرشح يقف عند حدود ترشيحه حزب الله لسنتين ونصف من الفراغ، بل حوار بين الحزب وتيار المستقبل، الذي يقرأ المتغيّرات، ويستشير السعودية، ويتناغم أو يسعى لعدم إغضاب حلفائه الخارجيين الآخرين، لكن حزب الله الحليف لإيران وسورية ولا يُخفي حلفه الجديد مع روسيا ضمن معادلات قراءته للتحالفات التي يقول بثقة إنها ثابتة ولن تعرف الاهتزاز، هو حزب مستقل لم يشاور ولم يستأذن ولم يتلقّ لا إشارات ولا توجيهات وثمار حوارات، بل كان واثقاً بقوله الدائم لا تتعبوا أنفسكم مع إيران فستسمعون جواباً واحداً: حاوروا حزب الله، وعندما حاوروا حزب الله تمّت التسوية، لكن لا يمانع حزب الله في قراءة إجمالية لما جرى وقصده الوزير الإيراني برأي الشيخ قاسم، أن هذا التلاقي الموضعي قابل للتكرار إذا أخلصت النيات والقراءات الواقعية للملفات المتفجّرة في أكثر من مكان.

– منطقي ألا يكشف الشيخ قاسم مصدر استنتاجه بأن الكلام التركي عن خروج حزب الله من سورية كشرط للتسوية فيها، ليس كلاماً استراتيجياً لتغيير غير مباشر للمعادلات العسكرية والإقليمية، ولا كلاماً عدائياً يستدعي الحذر والتنبّه وربما الرد والتحسّب والمواجهة. فهو كلام أراد إرضاء الفصائل المعارضة المسلحة وسواها وانتهى مفعوله، لكن الشيخ قاسم لا يمنع المستمع ولا القارئ من الاستنتاج أن هذا لا يمكن أن يكون مجرد تحليل، بل تطمينات وصلت لحزب الله مشفوعة باسترضاء مصدره القيادة التركية تفادياً لسجال ومواجهة. رسالة تركية لحزب الله تقول لا نريد مواجهة معكم، وندرك أنكم لستم مطروحون على طاولة البحث في مفردات الحل السياسي في سورية، وأن وجودكم أكبر من معادلات المقايضات، لكن الكلام الذي تناول وجودكم كان له دور وظيفي وانتهى.

– الثقة بمتانة التحالف بين روسيا وإيران وسورية وحزب الله، وفقاً لهذا التسلسل على لسان نائب الأمين العام لحزب الله ليست تطميناً لحلفاء الحزب اللبنانيين أو بروباغندا في وجه الخصوم، ولا إرضاء لجمهور الحزب الذي لم يعتد إلا الصدقية، من حزب لم يُخفِ اعتراضه على مشاريع الهدنة التي قادتها روسيا خلال العام الماضي في سورية، والثقة بمتانة التحالف الرباعي مشفوعة على الربط بما بعد معارك حلب، فثمّة ما يعرفه ويدركه حزب الله مباشرة بالوقائع التي تتخطّى الكلام السياسي، أو التنسيق الميداني، إلا تفاهمات وتشابكات ذات صفة استراتيجية أبعد من مستقبل الحرب في سورية والحل السياسي فيها، تتصل بمستقبل العلاقات وحجمها ونوعيتها بين أطراف الرباعي ضمن شرق أوسط جديد يهمّ الجميع ويشترك الجميع في تشكيل خريطته.

– حزب الله ليس على طاولة البحث في أي حل سياسي في سورية، والحل عنوانه علاقة الدولة بالمعارضة، وليس علاقة حزب الله بالدولة السورية. وهي الدولة التي لا يراها حزب الله إلا جزءاً من محور المقاومة، وينظر لعلاقته بها مستقبلاً من هذه الزاوية، وهكذا يكون وجوده رهناً بعلاقته بهذه الدولة وليس بحسابات أخرى، أما عن الحسابات «الإسرائيلية»، فواضح من كلام الشيخ قاسم، لجهة مستقبل جبهة الجولان أن التفاهم بين سورية وحزب الله مبني على تطوير معادلات القوة في مواجهة «إسرائيل» وعدم إراحتها ولا طمأنتها، وتبريد المواجهة وتهدئة الجبهة وتثبيت ضوابط وقواعد لها ليست من مفردات الاستقرار في سورية، وعلى «إسرائيل» أن تتدبّر أمرها بالتعايش أو المواجهة، لهذا الوضع المستجدّ، وحزب الله وضمناً سورية، ومن خلفهما، أو على الأقل تحت نظر، إيران وروسيا، وفقاً لمعادلة ثبات التحالف الرباعي التي تحدّث عنها الشيخ قاسم، جاهزون لكل احتمال ومستعدّون لتحمّل التبعات.

– في ختام كلام نائب الأمين العام لحزب الله تخفيف من حجم التغيير الأميركي ومكانته، فالتخبط حد الجنون في السياسات والمواقف وما يواجهها في الداخل ولميركيالخارج، يكفي ليقول حزب الله إنه لا يعير اهتماماً كبيراً لما يمكن أن يصدر عن واشنطن، فهي لم تعد كما كانت، ونحن لم نعد كما كنّا.

(البناء)                        

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى