ترامب وأردوغان
غالب قنديل
أظهرت أنقرة يوم امس حفاوة واهتماما كبيرين بمكالمة هاتفية مطولة أجراها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مع رئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب واتفقا خلالها على زيارة لمدير وكالة المخابرات الأميركية إلى العاصمة التركية كما أعلن لاحقا من واشنطن الليلة الماضية في توضيح لخبر تردد عن وجود ماك بومبيو في العاصمة التركية قبل الاتصال الرئاسي وقد لفت الانتباه إعلان الناطق الرئاسي التركي عن اتفاق ترامب مع أردوغان على دعم الاقتراح التركي الخاص بمناطق عازلة حدودية في سورية للحد من تدفق المهاجرين إلى الغرب وذكر الناطق ان المقصود هو منطقة انتشار القوات التركية في سورية.
لم يكن الاتصال الهاتفي وما نقل عنه على لسان الناطق الرئاسي هو البادرة الوحيدة بل ظهرت مؤشرات اخرى تتغعلق بدور تركيا واستعادتها لحرارة التنسيق مع الولايات المتحدة من خلال التواصل التركي السعودي عبر لقاءات ثنائية على مستوى وزيري الدفاع والخارجية وكذلك اللقاءات التركية الأردنية المواكبة في وقت يفترض التوقيت ربط هذه الاتصالات التركية المباشرة بمسؤولين من الرياض وعمان بما اتفق عليه الملكان السعودي والأردني مع الرئيس الأميركي بصدد الوضع الإقليمي خلال زيارة عبد الله الثاني لواشنطن والمكالمة المطولة بين سلمان بن عبد العزيز ودونالد ترامب .
الاستنتاج الأول هو ان واشنطن أصدرت توجيها للدائرين في فلكها بإحياء التكتل الإقليمي الذي اعتمدته لشن الحرب على سورية ولحق به وهن وضعف كبيران نتيجة الفشل المتراكم خلال ست سنوات وهذا ما يفسر الاتصالات المكثفة بين العواصم الإقليمية الدائرة في الفلك الأميركي الغربي وهي تجتمع بوضوح على التوجه لمعاداة إيران وتلتقي على مبدأ التحالف مع إسرائيل كشريك كامل في التحرك لاستهداف محور المقاومة في المنطقة.
الاستنتاج الثاني هو ان ترامب أراد رص صفوف الحكومات الدائرة في الفلك الأميركي ولجم الاندفاعة الروسية لاحتواء أصدقاء واشنطن وقطع الطريق على مساعي موسكو لإعادة رسم الأدوار والأحجام الإقليمية في فلك الصراع الذي تخوضه سورية بالتحالف مع إيران وروسيا ضد العصابات الإرهابية وداعميها وهنا ينبغي الالتفات لما قامت به موسكو من جهود خلال السنة الماضية للجم التورط التركي والأردني في الحرب على سورية وقدمت في سبيله حوافز سياسية واقتصادية للحكومتين بصورة مباشرة أو غير مباشرة وبالتعاون مع إيران والعراق.
يرغب الرئيس الأميركي بدون شك بأن يحتفظ باوراقه الخاصة وأن يربط أي تفاهمات جانبية لأي من حلفائه وعملائه مع روسيا بقرار اميركي يحدد التفاهمات وحدود التعاون والتعارض مع الروس وهذا مرهون بنتائج التفاوض المرتقب بين ترامب والرئيس فلاديمير بوتين وملفاته المتعددة والشائكة ثنائيا ودوليا ومن هنا يفترض التحسب لاحتمالات الارتداد التركي على الالتزامات التي قدمها أردوغان في سورية عبر بيان موسكو الثلاثي ومفاوضات أستانة والتي تضمنت تعهدا بفك الفصائل المرتبطة بالمخابرات التركية عن داعش وجبهة النصرة بشريا وجغرافيا وتبني أولوية مقاتلة الإرهاب مقابل التأهيل للمشاركة في التفاوض السياسي والبديهي هو ترقب التصرفات العملية التركية وحين تكون ترجمة اتفاق الرئيسين هي زيارة مدير وكالة المخابرات الأميركية لتركيا فالمعنى ان خطوات امنية وعسكرية وضعت قيد التحضير في سورية وربما في بلدان اخرى قد يكون بينها العراق او لبنان واليمن حيث يسيل لعاب ترامب لحلب الضرع المالي السعودي المصاب بالجفاف والتصلب وهي ليست بالضرورة لصالح تثبيت التفاهمات الروسية التركية بل ربما تبنى على تعليق العمل بها او الانقلاب عليها في خطة شاملة لتسخين بعض الجبهات قبل تحريك التفاوض بين البيت الأبيض والكرملين.
طبعا لا بد من تذكير الكثيرين بما كنا نؤكده بإلحاح عن تبعية النظام التركي للغرب وللهيمنة الأميركية وعدم جواز التوسع في الوهم حول قدرته على إعادة التموضع وفك ارتباطه بعلاقات تبعية وثيقة وقديمة تنتمي إلى منظومة الهيمنة الاستعمارية بعد الحرب العالمية الثانية وقد ترسخت جذورها الاقتصادية والسياسية والاستخباراتية داخل إلى حد كبير بما يمنع أي انقلاب متخيل بإغراء المصالح المشتركة مع روسيا وإيران مهما كان حجمها وتأثيرها.