كيف تحولت إيران لقوة عظمى
غالب قنديل
تثير الصلابة الإيرانية إعجاب المراقبين والمتابعين وحتى قادة معسكر الخصوم الذين يعادون الجمهورية الإسلامية يعترفون ضمنا بالقوة الحاسمة لإيران في مضمون مواقفهم التي تنسب إليها أخطارا وتهديدات وأدوارا مزعومة بدافع الشيطنة لكنهم يعترفون في مضمونها بقوة فاعلة وحاسمة في المنطقة والعالم استطاعت كسر الحصار والنفاذ من أسوار العقوبات المحكمة لتطور وتبني قدرات هائلة يمعنون في شيطنتها لكنهم بذلك يساهمون من غير قصد في رسم هالة إيرانية تفرض الرهبة في صفوف معسكر الأعداء.
المصدر الرئيسي لقوة إيران الثورة هو وعي الشعب الذي ساند قيادته في كفاحها الاستقلالي منذ انتصار الثورة وهذا الوعي كان السند القوي للقيادة في أحلك الظروف وأصعبها خلال سنوات العدوان الاستعماري الصهيوني الذي شنته الرجعية العربية ضد الثورة منذ فجرها فالحرب على إيران كانت حربا بالوكالة قادتها الولايات المتحدة وإسرائيل التي ساهمت في العديد من فصولها السرية ومولتها حكومات الخليج وغاص فيها الحكم العراقي المدعوم من الغرب والخليج بدماء العراقيين قبل ان يصبح هو الهدف الذي خيضت لسحقه أبشع غزوات القرن الجديد وكذلك فالحصار الدولي والإقليمي ضد إيران كان تعبيرا عن إرادة الحلف الاستعماري الصهيوني الرجعي نفسه.
إرادة الاستقلال والبناء الوطني هي محور المشروع الإيراني الذي كرست له كل الجهود والطاقات فحققت الجمهورية تنمية هائلة لقدراتها المادية والبشرية وواصلت ثورتها التعليمية والتقنية لتؤسس لثورتها الصناعية من خلال امتلاك التكنولوجيا وهو التحدي الأبرز للدول النامية في العالم المعاصر وحيث شكل المشروع النووي التعبير الأمثل عن معركة حضارية تاريخية خاضها جيش من العلماء والباحثين والمهندسين يعد مئات الآلاف من النساء والرجال الذين قدموا الشهداء وثابروا على عملهم بكل شجاعة وانتجوا تحولات هائلة في قدرات التنمية الصناعية وبناء ركائز الاستقلال الاقتصادي والعلمي.
من معالم عبقرية الإمام الخميني قائد الثورة الإيرانية انه هندس بنى الدولة ومؤسساتها على قاعدة الإرادة الشعبية والانتخاباب وانتبه مبكرا بنتيجة دراسته لتجارب حركات التحرر في العالم الثالث إلى ضرورة ضمان التطور المستمر للسلطة السياسية واستجابتها للإرادة الشعبية لمنع التكلس البيرقراطي وما ينتجه من تشوهات وانحرافات ومن تلك المعالم إدراكه الاستراتيجي لارتباط استقلال إيران وتحررها بصياغة هوية مبنية على الارتباط العضوي بقضايا التحرر في محيطها الحيوي ومن هنا كانت مركزية قضية فلسطين في الثورة الإيرانية ونظرية الغدة السرطانية والنص الدستوري الواضح على دعم حركات المقاومة والتحرر المناهضة للكيان الصهيوني وللهيمنة الاستعمارية في المنطقة والعالم .
ان العقود المنقضية التي شهدت صمود إيران وتطورها المستمر وقدرتها على تحريك ديناميات مواجهة مفتوحة مع الأخطبوط الاستعماري الصهيوني الرجعي تعود إلى تطوير القيادة الإيرانية لمشروع تحرري استراتيجي أثبت جدواه وحصد مزيدا من الثقة الشعبية والاستعداد للتضحية عند الشعب الإيراني الذي صبر وتحمل كثيرا ولمس الفارق بين بلاده العزيزة المستقلة والمتقدمة وما تراوح فيه دول اخرى محكومة بتبعية انظمتها للغرب من أزمات وويلات وكوارث.
الموقف الإيراني من قضية فلسطين والدعم الإيراني لحركات المقاومة والتحالف الوثيق مع سورية العربية والصراع الإيراني ضد الهيمنة الأميركية على العالم بالشراكة مع القوى الناهضة كروسيا والصين والهند ودول أميركا اللاتينية وجنوب أفريقيا والتلاحم الإيراني مع شعوب المنطقة وقضاياها هي علامات مضيئة في تاريخ البلاد العربية تجعل من طهران الثورة رافعة تاريخية للتحرر والاستقلال في الشرق العربي وخير برهان هو الثقل النوعي الإيراني في تمكين محور المقاومة الذي يضم الجمهورية الإسلامية وسورية وحركات المقاومة من انتزاع هيبة الردع الصهيونية وقلب المعادلة التي سادت منذ اغتصاب فلسطين.
يبقى القول إن مهندسا بارعا وعقلا حكيما ومثقفا مبدعا متواضعا ومنظرا استراتيجيا عبقريا وقف على رأس هرم القيادة الإيرانية وتسلم الراية بجدارة من الإمام الخميني هو السيد علي الخامنئي الذي تحمل بصمته جميع الإنجازات الإيرانية الحاسمة في الداخل والخارج خلال العقود الثلاثة الصعبة المنصرمة.