مقالات مختارة

هل سيبكي ترامب أخيرا؟: ناحوم برنياعم

 

منذ أشهر يمطر على مستهلكي الإعلام في الولايات المتحدة نظام غذائي ليس فيه سوى وجبة واحدة: ترامب، ترامب ومرة ترامب. هكذا حتى الانتخابات وفي الفترة الانتقالية بعد الانتخابات، وهكذا الان ايضا ـ بعد اسبوعين من التنصيب. ترامب لا يتصدر جدول الأعمال فقط بل هو جدول الاعمال الوطني والدولي: ولا غيره. هذه الحمية استثنائية جدا وغير صحية جدا. وهي تذكر بالفيلم الوثائقي «الأكل بوفرة» الذي انتج في العقد الماضي عن همبورغر ماكدونالز: فبعد شهر من الحمية التي كلها ماكرويل سمن بطل الفيلم بـ 12 كيلوغراما وتدهورت صحته. ولو واصل العيش على الطعام الجاهز (جانك فود) لمات.

ينبغي للترامبية أن تقلقنا لعدة أسباب: أولا، لان للقرارات والتغريدات التي تصدر عن البيت الأبيض تأثير لا بأس به على حياتنا، كمواطني العالم، كسكان الشرق الاوسط، كيهود وكإسرائيليين؛ ثانيا، لان ترامب يشكل نموذجا للاقتداء. الكل يريدون أن يكونوا ترامب ـ ليس فقط نتنياهو وبينيت ومارين لا بين، بل وميري ريغف؛ ثالثا، لان الثورة ليست سياسية فقط؛ فالتطلع هو إلى ثورة ثقافية واجتماعية، تسقط القيم الأساس في المجتمع الأمريكي وتفرض قيما أخرى بدلا منها. هذه ليست الدولة التي تطلع اليها العالم الحر كله، والاسرائيليون بينهم. هذه أمريكا أخرى.

تقول الغريزة الأساس فلينجح. إذا كان مسعاه لإغلاق بوابات أمريكا سيمنع أعمال الإرهاب ويضرب الإسلام المتطرف ـ فليتبارك؛ إذا أعاد الضغط الذي يمارسه على المكسيك وعلى الصين إلى الولايات المتحدة مصانع وأماكن عمل، فليتمجد؛ إذا حسنت الخطوات التي يتخذها ضد إيران الاتفاق النووي وأوقفت برنامج الصواريخ الإيراني ـ فسيكون الأعظم بين الجميع. شجرة سنغرسها على شرفه، هي الأكبر بين الاشجار، في جادة محبي أمم العالم.

أحيانا تكون منفعلة في الخطوات الدراماتيكية والتصريحات الفظة: فهي تزيد مجال المناورة للحاكم الجديد وتردع الاعداء. فأمريكا تحت أوباما اعتبرها خصومها من الداخل ومن الخارج كعقلانية جدا، سلبية وانهزامية. لعله حان الوقت لبيت أبيض من نوع آخر، فاعل، هجومي وغير متوقع.

توجد فقط مشكلة واحدة في أقوال المواساة هذه: فهي تذكر بالرد في العالم بعد صعود موسوليني إلى الحكم. ايطاليا المنبطحة، المشلولة من الداخل، صعدت من الرماد.

القطارات وصلت في الوقت؛ العاطلون عن العمل عادوا إلى الانتاج؛ كل واحد عرف مكانه، ومن لم يعرف ابعد واختفى؛ روح جديدة نبضت في الشعب، روح طيبة، بطولية، موحدة. وقد سحرت الكثيرين في العالم ـ في الخارج ايضا. هذا انتهى بالبكاء.

ترامب ليس موسوليني؛ كما أنه ليس هتلر، كما يدعي بعض من المتظاهرين ضده. التاريخ يكرر نفسه فقط في القصائد. ولكن الدروس موجودة، وأحد أهمها هو أن النظام الذي يعيش على كراهية الاجانب، كراهية الاقليات، الانغلاق والانعزالية هو نظام خطير. خطير قبل كل شيء على اليهود وعلى الاسرائيليين. اسرائيل يمكنها ان تستخلص منفعة هامشية من نظام كهذا في أذربيجان أو في روسيا البيضاء. وهي لا يمكنها أن تسمح لنفسها بأمريكا كهذه.

لقد ثبتت اسرائيل مكانتها في الولايات المتحدة بفضل عدة عوامل. ثبتتها جيدا: استطلاع معهد «يو ـ جوب» الذي نشر الأسبوع الماضي يعرض اسرائيل في المكان الـ 16 بين الدول المحبوبة (مكان خامس بين الجمهوريين، 28 بين الديمقراطيين). في 2014 كان وضعنا أفضل: كنا في المكان السادس.

لم تكن كراهية المسلمين بين أسباب العطف لاسرائيل، ولا حتى بالتلميح. والفصل الوحيد في تاريخنا الذي خلقت فيه الحرب ضد العرب مصلحة مشتركة كان في الحلف مع فرنسا في الخمسينيات والستينيات، والذي بني على الحرب في الجزائر. عندما انسحبت فرنسا، مات الحلف. ماتت القيم المشتركة، مات تعليم الفرنسية في المدارس، ماتت الشانسونات (الاناشيد الفرنسية). هذا الدرس يجب أن يحفظه عن ظهر قلب كل من يبني على الحرب بين إيران وأمريكا ترامب. حرب مشكوك أن تكون، وان كانت مشكوك ان تجدي أمن اسرائيل. خيانة ستكون. ترامب، الذي يعيش على نحو ممتاز مع بوتين، يمكنه ان يعيش على نحو ممتاز مع آية الله خامنئي أيضا.

هذه القصة ستنتهي بالبكاء. السؤال هو أين ستكون إسرائيل عندما تنتهي القصة؟

يديعوت

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى