التصعيد الأميركي ضد إيران
غالب قنديل
لا يمكن منطقيا قبول التقدير القائل إن الخطوات السياسية والعملية الأميركية الأخيرة المتسارعة ضد إيران هي مجرد حملة لفظية فقد أبرمت عقوبات جديدة بغض النظر عن حجمها وتأثيرها المحدودين وفق الخبراء بينما صدرت من واشنطن بيانات وتصريحات حادة في عدائيتها وأجرى الرئيس الأميركي سلسلة اتصالات بقادة من المنطقة في عملية تحشيد سياسية يشتم منها ترميم حلف الحكومات التابعة للغرب والذي صب جهوده لمجابهة إيران خلال العقود الماضية بالشراكة مع الولايات المتحدة والغرب عموما وخصوصا بالتحالف مع الكيان الصهيوني وهو تحالف قطع أشواطا كبيرة مؤخرا بتوجيه اميركي واضح فما هي خلفيات هذا التصعيد وما هي أهدافه الفعلية ؟
أولا رفع دونالد ترامب خلال حملته الانتخابية شعار تفكيك الاتفاق النووي مع إيران وتحدث في خطب حماسية عن إلغائه بعدما خصه بأوصاف سلبية وأدان إدارة باراك اوباما التي قبلته وهي لم تذهب إلى التفاوض إلا مضطرة ومكرهة بعد اختبارات قوة وجولات تفاوض خاضتها على حافة الهاوية حتى أيلول 2013 عندما جرى ردع الجموح الحربي لواشنطن بعد حملة اوباما لضرب سورية وانطلق مسار التفاوض النووي مع إيران بقيادة المجموعة الدولية.
بعد دراسة اولية للملف اهتدت إدارة الرئيس الأميركي إلى المخرج من ورطة الشعارات الانتخابية وهو العودة إلى ما بدأته إدارة اوباما فور توقيع الاتفاق أي تحديد خطوط اشتباك جديدة مع إيران غايتها تفعيل الضغوط الاقتصادية والسياسية لعرقلة صعودها كقوة فاعلة دوليا وإقليميا وملف التجارب الصاروخية المثار ضد إيران هو ملف تركته إدارة اوباما مفتوحا على الطاولة وكذلك ما بني عليه من تدابير.
ثانيا إن السعي لتفكيك محور الشرق الذي تبلور في سورية خلال السنوات الست المنصرمة هو الخيار الراجح لاستراتيجية الإدارة الأميركية الجديدة وبالتالي فهي تريد اختبار فرص استهداف إيران واستفرادها وإضعاف علاقات إيران بحلفائها الكبار.
لهذا السبب قام ترامب بتسديد ضربات ضد طهران بالتوازي مع الاسترضاء السياسي واللفظي لكل من روسيا والصين رغم استمرار النهج العدائي الأميركي ضد الجبارين دون مراجعة ومن غير خطوات عملية جديدة على أرض الواقع سواء في اوكرانيا ام في بحر الصين ام في سورية في حين يظهر ذلك استغلال واشنطن لفترة السماح والانتظار الروسية والصينية بصدد جميع خطوط الصراع والاشتباك الاقتصادية والسياسية والاستراتيجية مع الولايات المتحدة.
ثالثا كلما برزت مسألة الصراع مع إيران في دول الغرب ينبغي الالتفات إلى الكيان الصهيوني وتأثيره الفاعل انطلاقا من دور طهران الرئيسي في احتضان ودعم قوى المقاومة العربية وخصوصا الدولة الوطنية السورية والمقاومة الفلسطينية والمقاومة اللبنانية والقوى الشعبية في العراق واليمن ومن الواضح ان ترامب وفريقه يبديان اهتماما كبيرا وجديا بتوطيد العلاقة الاستراتيجية مع الكيان الصهيوني وبتنفيذ توصيات اللوبي الصهيوني الأميركي الذي حظي في سنوات اوباما بدعم سعودي كبير لتطوير ضغوطه في الملف الإيراني الذي احتل اولوية بارزة عند الإيباك وادرجت فيه جميع التحديات التي وضعت تل أبيب في عهدتها خسارة هيبة الردع وفشل الحروب والغزوات العسكرية الصهيونية منذ صيف العام 2006 حتى اليوم فكل بادرة مناهضة للكيان الغاصب تربط بالدعم الإيراني لخيار المقاومة في المنطقة وبالتالي يصبح كل ضغط على إيران وكل سعي للنيل من قدراتها الاقتصادية والعسكرية عملا داعما للدولة العبرية.
رابعا اظهرت اتصالات الرئيس دونالد ترامب توصله لتفاهمات مع القيادة السعودية سياسية ومالية عملا بمبدئه المعلن خلال الحملة الانتخابية والذي خاطب به الرياض : “لا خدمات بدون مقابل” فعقب المكالمة الرئاسية للملك سلمان ظهر تعهد وزير النفط السعودي بضخ اموال واستثمارات في قطاع النفط الأميركي بينما دفع ترامب الملك في اتجاه ترميم العلاقات مع مصر والإمارات والأردن او ما سمي تاريخيا بمحور الاعتدال والسعي لاستعادة حرارة التحالفات داخل المعسكر الإقليمي الحليف لواشنطن تقليديا وبالطبع فإن التحالف مع الكيان الصهيوني والعداء لإيران هو محور انتظام هذا المعسكر بقيادة ترامب وإدارته.
ترامب يجمع الأوراق الأميركية في المنطقة ويرممها ليخوض معارك تفاوضية صعبة حول مستقبل التوازنات وحيث تسعى واشنطن للحد من تأثير الخسائر الواقعة على مصالحها ومصالح حلفائها في حصيلة حروبها الفاشلة وهي في خيار الاشتباك ستواجه الكثير من المخاطر انطلاقا مما يمكن لإيران ومحور المقاومة تحريكه على جبهات الصراع الممتدة من سورية إلى فلسطين المحتلة والعراق واليمن وحيث سترتفع نوعيا أكلاف العربدة الأميركية إن وقعت.