شكسبير الإسرائيلي!: يوسي ميلمان
ما يجري في عمونا هو مباراة مباعة، أو بلغة أرق، كإعادة صياغة لشكسبير ـ مسرحية كل المشاركين فيها يعرفون أدوارهم جيدا. اللاعبون الأوائل هم الحكومة، الشرطة والمستوطنون ـ ولكن بخلاف المسرحية في المسرح، في عمونا لا يعمل اللاعبون كطاقم منسجم بل يحاولون افشال الواحد الآخر ونيل التصفيق من الجمهور على حساب الآخر.
في الحكومة توجد أدوار فرعية تتوزع بين رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، بين وزير الدفاع افيغدور ليبرمان وبين زعيم البيت اليهودي ووزير التعليم نفتالي بينيت. لكل واحد منهم مصالح سياسية مشتركة ومتعارضة. كل الثلاثة يكافحون في سبيل جمهور البيت ـ اليمين ـ ويحاولون التقليل من مسؤوليتهم عن إخراج الإخلاء.
المستوطنون هم ايضا ينقسمون في داخلهم إلى عدة أدوار فرعية، تتوزع بين السكان، بين القيادة التقليدية والشائخة، التي تتآكل مكانتها وتندحر إلى الهوامش وبين الشبيبة المتطرفة. كل المشاركين في المسرحية كانوا يعرفون أن الإخلاء لا بد سيأتي. ولا يزال في دولة اسرائيل، رغم مرور خمسين سنة على احتلال الضفة الغربية في حرب الأيام الستة، وبين مناكفة ومناكفة في المحكمة العليا، ينبغي حفظ مظهر الاحترام والطاعة لسلطة القانون.
لقد كان ينبغي للإخلاء أن يتم منذ زمن بعيد. فسلب الأراضي الخاصة للفلسطينيين لا يزال أمرا محظورا في المجتمع الاسرائيلي ايضا، والذي اخذت مواقفه وتفضيلاته السياسية تتطرف اكثر فأكثر. المحاكم في اسرائيل، في نهاية المطاف، تتعاون مع المشروع الاستيطان طالما كان يستوطن اراضي الدولة. ومن هنا التمييز بين المستوطنات «القانونية» و «البؤر الاستيطانية غير القانونية». وهذا تمييز تجعله اسرائيل فقط ـ وحتى هذا بصعوبة. اما العالم كله فيرى في كل المستوطنات غير قانونية. ما لا يمنع الحكومات الاسرائيلية من مواصلة الاستيطان، وعن حق، ضمن أمور أخرى، لأن العالم يشجب ويشجب ولكنه لا يفعل أي شيء. ذات مرة كانت المحاكم تتمسك بتفسير الحكومات بان المستوطنات هي لأغراض أمنية، كي تسوغها. أما اليوم فهي لا تحتاج لاي حجة. فنحن نستوطن لأن هذه «لنا»، لان هذه «مُلك الآباء والأجداد».
في الوسط وفي اليسار الآخذ في الهزال يشيرون إلى أن حكومات اليمين فقط قادرة على إخلاء المستوطنات. مناحيم بيغن أخلى يميت ومستوطنات بتحات رفيح. اريئيل شارون ـ مستوطنات قطاع غزة وشمال الضفة، وبنيامين نتنياهو بؤرة ميغرون والآن عمونا. من يؤمن بان هذه السوابق هي مؤشر على ما سيأتي، يعيش في وهم. فاليمين الاسرائيلي بشكل عام، والديني المسيحاني بشكل خاص، فازا في المعركة الايديولوجية على الرأي العام. فرغم أن مشروع الاستيطان (الذي سيحيي بعد خمسة أشهر خمسين سنة) لم يستوطن في القلوب، إلا انه فاز في المعركة وهزم معارضيه بالضربة القاضية.
عمونا ستخلى إلى هذه التلة الجرداء او غيرها ـ وينبغي الأمل في إلا تكون ارضا خاصة ـ ولكن حكومات اليمين ستواصل الاستيطان في الضفة الغربية. فإعلانات نتنياهو وليبرمان عن خطتهما لبناء 5 آلاف وحدة سكن هي مجرد المقدمة. ناهيك عن ان لا أحد يتحدث عن رؤيا الدولتين واستئناف المفاوضات مع الفلسطينيين. وحتى لو حصل غير المتوقع وشكل الوسط حكومة، فلن يكون قادرا على إخلاء المستوطنات.
ان المواساة الوحيدة التي قد تكون لا تزال تبقت هي أن شرطة اسرائيل، حين تريد، يمكنها أن تتصرف برقة وتفهم تجاه المتظاهرين. فأفراد الشرطة الذين كلفوا بمهام الإخلاء، على الاقل في خطوط الاشتباك، وصلوا بلا خوذات وهراوة وسلاح ناري. جاءوا في الصباح، وهم لا يخلون في الليل، ولم يظهر فرسان في الميدان. فقد ارشدوا لإبداء التعاطف. سلوك شرطة اسرائيل تصرخ إلى السماء، بخلاف سلوكها في إخلاء الغزاة في أحياء الفقر وبالطبع في البلدات العربية بشكل عام والبلدات البدوية بشكل خاص. فلا داعي لان يقول احد ان هذا لا ينبع إلا من العنصرية؟ فلعل هذا يدفع المفتش العام روني ألشيخ إلى الاستنتاج بانه يمكن التصرف بشكل مختلف حتى في أحداث النظام العام، دون فرق في الدين، الجنس، المكانة الاجتماعية والفكر.
معاريف