المسرحية الاخيرة: جدعون ليفي
ذات مرة قمت بتغيير مكان سكني، وكان ذلك أمرا محزنا. كان محزنا الانفصال عن الجدران والذكريات. لكن الحزن انتهى. أنا لست وحدي. فأناس كثيرون غيروا مكان سكنهم، أحيانا بارادتهم وأحيانا رغم أنفهم بسبب انتهاء مدة العقد أو العلاقة التي توترت أو بسبب مكان العمل الجديد. دائما الانتقال من البيت هو أمر محزن. ولكن ليس دائما يكون الانتقال مقترنا بمقالات يتفطر لها القلب (ظاهريا) وتصريحات مزيفة وطلب الرحمة القومية والتعويض الكبير. ليس دائما تكون حاجة إلى 8 كتائب من الجيش الاسرائيلي و3 آلاف شرطي من اجل اخلاء شخص من مكان ليس بيته. وبتفكير آخر: لم يسبق لي أن سكنت في بيت مسروق. يمكن أن الانفصال عنه يكون أصعب.
.مسرحية عمونة وصلت أمس إلى نهايتها. وأكثر من أي شيء آخر أثبت الاخلاء عنصرية شرطة اسرائيل. فجأة يمكن اخلاء الناس بأيدي مكشوفة وبدون سلاح وبدون خوذات وبدون هراوات وبدون عنف الشرطة الدائم ضد الضعفاء، العرب أو الاثيوبيين. فجأة لا يطلقون النار الحية على المتظاهرين. الشرطة لم تقتحم أمس عمونة، بل جنود جيش الانقاذ الذين يلبسون القمصان الزرقاء، لأن المتظاهرين هم يهود بيض، ممثلو المجموعة التي تحصل على أكثر امتيازات والاكثر قوة في المجتمع. لأن مفتش الشرطة العام جاء من ذلك الحي، لأن الحكومة لم ترغب في مشاهد صعبة، بين أم الحيران وعمونة أمس كان الفرق يصرخ إلى عنان السماء: شرطة ابارتهايد، شرطة واحدة للبيض واخرى لأبناء البلاد. بعد ما حدث أمس لا يمكن الاستمرار في الانكار.
.الاخلاء جاء بعد لعبة استمرت طويلا، بما في ذلك النقاشات التي لا تنتهي في محكمة العدل العليا، تلك المحكمة التي لبست قناع دولة القانون والعدل والمساواة، بما في ذلك القضاة الذين يتظاهرون بالسذاجة، دموع الاولاد، الامهات اللواتي يحملن اطفالهن الصغار، الغيتارات، الصلوات، الشموع والجاز، الصراخ تجاه الشر، الاجحاف، مواطنون من الدرجة الثانية، الطفلة التي تسأل أمام العدسات بالطبع: «يا أمي، هل سيكون لنا مكان نعيش فيه؟»، وكأنها لا تعرف الاجابة، الجيش الذي «يغلق» المنطقة ويسمح لمئات الشباب بالدخول اليها. «الاعتصام» في المنازل واعطاء تعهد بعدم استخدام العنف، الجنود الحساسون عشية الاخلاء، العناوين: «هذا كان بيتي» و»الساعات الاخيرة»، اصحاب الارض الفلسطينيون الذين من اجلهم تم عرض هذه المسرحية لن يتمكنوا أبدا من الاقتراب من اراضيهم التي تم اخلاؤها، إسم العملية «روضة مغلقة»، على اسم اغنية رحيل ـ كم هذا مؤثر. وايضا الاستجابة الصهيونية الملائمة التي بدونها لا يوجد اخلاء: ألف شقة اخرى.
.مسرحية عمونة توقفت وهي ستكون الاخيرة. انتهاء فترة الاخلاء. انتهاء فترة التظاهر. إذا لم يحدث شيء غير متوقع في واشنطن فيمكن نسيان هذا المسرح العبثي ـ الاخلاء الذي تحاول اسرائيل الظهور كدولة قانون من خلاله، من خلال عدد من المستوطنين الذين عاشوا بشكل «غير قانوني» وكأنه توجد مستوطنة قانونية، وتحتهم يتم اسكان ألف شخص على اراض مسروقة ايضا، لكن الآن الضم في الطريق، والتسوية على الابواب، حفلة الاقنعة ستنتهي، وبعد ذلك سيأتي انتصار المستوطنين.
.عدد قليل من الاسرائيليين زاروا عمونة. الاغلبية لا تعرف أين هي بالضبط. ويمكن القول إن عددا قليلا يهمهم مصيرها. ايضا بعد من يبتزون الدموع لم تنجح عمونة في لمس قلوب العلمانيين. ولكن سخرية القدر هي أن عمونة بالتحديد هي اعلان الاستقلال لدولة المستوطنين. وهذا الاخلاء يبشر بانتصارهم الكبير. لن تكون هناك عمونات اخرى، فقد كانت هذه المسرحية الاخيرة للمسرح القومي.
هآرتس