قبل عملية الجرف الصامد: اليكس فيشمان
إن الجرح الذي تم فتح في عملية الجرح الصامد بين الاستخبارات العسكرية وبين الشباك استمر في النزف على طاولة مراقب الدولة. وما ظهر على الفور بعد العملية كجدل مهني بين رئيس قسم الاستخبارات في حينه، الجنرال افيف كوخافي، وبين رئيس الشباك في حينه، يورام كوهين، تحول في غرف مراقب الدولة الى صراع بين محامين. يتبين أن معظم الاشخاص المذكورين في تقرير الانفاق الخاص بمراقب الدولة – الذي سيتم تقديم مسودته النهائية في هذه الاثناء الى الكنيست، قاموا بوضع محامين. يحبون القول لدينا إنه ليس هناك أسنان حقيقية لمراقب الدولة، لكن الضباط رفيعي المستوى في الجيش الاسرائيلي يذكرون جيدا أن المراقب ساهم بشكل كبير باقالة يوآف غالنت من منصب رئاسة الاركان قبل دخوله الى منصبه هذا. لذلك من المحتمل أنه من بين اولئك الذين سارعوا لاحضار المحامين، بعض الضباط.
الجدالات القانونية المتواصلة بين المحامين وبين موظفي المراقب حول السياقات والروايات وتفسيرات الوثائق التي استمرت الى ما قبل اسابيع، عملت على تأجيل تقديم التقرير مدة سنة تقريبا. وهذا هو التفسير الحقيقي لحقيقة أن التقرير تم تقديمه بشكل متأخر، أي بعد مرور سنتين ونصف على العملية.
الخلاف بين الاستخبارات العسكرية والشباك حول موضوع التحذير الاستخباري، سواء كان أو لم يكن، وحول نية حماس فتح مواجهة عسكرية في صيف 2014، ليس فقط حرب على الاسم المهني وصورة ومكانة الجنرال كوخافي الذي سيتم تعيينه في الاشهر القادمة نائبا لرئيس الاركان، وسينافس على منصب رئيس الاركان. هذا الخلاف الذي يتمحور حول الاستخبارات والتجسس هو مرساة اساسية في التقرير.
إلا أن استخلاصات المراقب في الموضوع الاستخباري ستبقى “ثقب اسود” بالنسبة للجمهور. الاسئلة التي كان يجب أن تقدم لها الاجهزة الاستخبارات اجابات، مثل هل هذه كانت حرب تم التخطيط لها من حماس، أم أنها تدهور ليس مخطط له، ونتيجة لخطوات خاطئة للطرفين. هذه الاسئلة ستبقى كما يبدو في الظلام. معظم المواد التي تتحدث عن الاستعداد الاستخباري للمواجهة مع غزة، مع التشديد على الانفاق، سرية ولن يتم نشرها. وهكذا ليس من الواضح ما هو الاساس الاستخباري الذي دفع الكابنت الى اتخاذ قراراته. ويجب قراءة هذا التقرير مثل قراءة الكتاب الذي تنقصه بعض الاجزاء. ويجب أن نتخيل لماذا رد الوزراء بهذا الشكل أو ذاك.
الانتقادات التي يوجهها أشخاص رفيعون في الجهاز العسكري، في السابق والآن، حول تقرير المراقب تقول إن اهتمامه بعملية الجرف الصامد يمر من خلال فوهة النفق، وهو لا يرى الصورة الكاملة التي فيها ايضا انجازات عسكرية وسياسية. هذا الادعاء له أساس: لقد ركز المراقب على موضوع الانفاق قبل العملية بخمسة اشهر.
في شباط 2014 قرر رئيس الكتيبة الامنية لمراقب الدولة، العقيد يوسي باين هورن، فحص استعدادية الجيش الاسرائيلي لتهديد الانفاق. في البداية تم عرض الامر كتقرير متابعة لتقرير مراقب الدولة من أيار 2007، الذي تناول “مواجهة الحرب تحت ارضية مع الفلسطينيين”. ومنذ ذلك الحين، أي قبل عقد تقريبا، قال المراقب ميخا لندنشتراوس إن الانفاق تشكل تهديدا قد يتطور، ليس فقط في قطاع غزة، بل ايضا في الحدود اللبنانية والمصرية والسورية وجدار الفصل. علاج هذا التهديد، كما قال المراقب، هو فشل ذريع في ثلاثة مجالات: نظرية التشغيل، الجهد التكنولوجي والمواجهة الاستخبارية. ولم يهتم لندنشتراوس في حينه بمسؤولية الكابنت عن الاهمال. ويبدو أنه الآن بعد عقد يستطيع مراقب الدولة الذي يقوم بفحص عملية الجرف الصامد أن ينقل الاستخلاصات من أيار 2007 مثلما هي بالضبط.
التحول الدراماتيكي
لقد عرف باين هورن جيدا لماذا يعطي موضوع الانفاق أهمية كبيرة. الاشخاص الذين يعملون معه يقولون إنه أحضر معه من منصبه السابق كمراقب للجهاز العسكري طريقة خاصة به لوضع الأولويات حول الامور الخاضعة للرقابة. وهو يقوم باعداد “جدول مخاطر” يشمل جميع المواضيع تحت مسؤوليته، بدء من الصناعات العسكرية وانتهاء بالشباك والموساد. تحليل الاولويات يتغذى ليس فقط على المواد السرية التي تصل الى طاولته، بل ايضا من جهات خارجية مثل وسائل الاعلام التي تلفت انتباهه لهذه المشكلة أو تلك. عندما اختار في العام 2014 فحص موضوع الانفاق، كان هذا الموضوع قد طرح في وسائل الاعلام على خلفية تصريحات قائد المنطقة الجنوبية والكشف عن اربعة انفاق تم تصويرها ونشرها من كل زاوية.
اضافة الى ذلك وصلت معلومات مقلقة الى الاجهزة الامنية في ذلك الوقت. فقد ألمح رئيس الحكومة نتنياهو على ذلك في خطاب علني في هذا الاسبوع. حسب اقواله، في اعقاب تقديرات استخبارية طرحت أمام الكابنت في بداية 2014، قام باعطاء توجيهاته للجيش للاستعداد أمام غزة في موضوع الصواريخ والانفاق. ويمكن الفهم من اقواله بأن المعلومات التي وصلت في حينه في القنوات الاستخبارية، جعلت تهديد الانفاق مساويا لتهديد الصواريخ.
كان من المفروض أن تُدخل هذه المعلومات الجهاز العسكري الى الحركة. اقوال رئيس الحكومة كان يجب عليها تحريك العجلات التي يفترض أن تدور امام الانفاق. ويمكن القول إن التقرير يتناول التقديرات الاستخبارية التي يتحدث عنها رئيس الحكومة، لكن يبدو أن هناك فجوة بين اقوال نتنياهو الآن وبين السياسة العملية التي فرضت على الساحة، وسرعة تنفيذ تلك السياسة فعليا.
التغيير الدراماتيكي في موقف الجيش من تهديد الانفاق حدث قبل اندلاع عملية الجرف الصامد بثلاثة اشهر، حيث لم يكن واضحا بعد أن المعركة العسكرية تقترب، وبدأ الجيش في الاستعداد لمواجهة تهديد الانفاق، سواء في مجال العمليات أو التكنولوجيا. بدأوا في تدريب القوات، مثل القوات الهندسية، لامكانية مواجهة الانفاق مبدانيا. قائد المنطقة الجنوبية في حينه، سامي ترجمان، قام بوضع خطة للسيطرة على فوهات الانفاق في القطاع. وبعد ذلك تبين أن هذا متأخر وغير كاف.
عندما حاول الوزير بينيت حث الكابنت على الدخول الى قطاع غزة وعلاج الانفاق قبل اندلاع الحرب، جلب معه شهادة من الميدان حول استعداد القوات. وحسب اقواله فقد لاحظ أن قائد كتيبة جفعاتي، عوفر فنتر، متدرب ومستعد لعلاج الانفاق داخل القطاع. ويمكن القول إن بينيت ايضا عرف في تلك الفترة ان الجيش يستعد بسرعة لمواجهة الانفاق، في اعقاب وصول معلومات استخبارية.
الى جانب الاستعداد العسكري، فانه في قيادة الجيش ولدى وزير الدفاع يعلون لم يتغير الموقف الاساسي الذي يقول إن الانفاق بحد ذاتها لا تعتبر سببا للحرب. وحسب رأيهم كان يمكن مواجهة الانفاق بشكل ناجح من خلال الكشف عن الفوهات داخل اسرائيل والدفاع عن المناطق السكنية. صحيح أن هناك تغيير في تهديد الانفاق، لكن لا يوجد مبرر للدخول الى مواجهة في قطاع غزة، وفقدان عشرات الجنود والخروج. في قيادة الجيش وفي وزارة الدفاع كان التقدير أن الانفاق ستتم اعادة ترميمها بعد خروج الجيش الاسرائيلي من القطاع. وهذا ما يحدث الآن. وقد كان التشديد على الدفاع على المناطق السكنية ومحاولة الكشف عن فوهات الانفاق داخل اسرائيل. وبالفعل تم الكشف عن اربع فوهات. ورئيس الاركان عرض هذه السياسة على الكابنت، والوزير بينيت منحه لقب “ثور كسول”.
في مكتب مراقب الدولة كانوا يدركون التغيير الحاصل في الاستخبارات وفي النشاط العسكري في موضوع الانفاق. وقبل عملية الجرف الصامد خرجوا الى الميدان وشاهدوا بأعينهم نفق تم اكتشافه، وسمعوا الارشادات. وهذا أمر غريب. مراقب الدولة عرف وفهم عمق المشكلة، أما الوزراء في الكابنت في حينه فقد زعموا أنهم لم يعرفوا ولم يفهموا حجم التهديد. المواد الخاصة بتهديد الانفاق كانت توجد على طاولة السكرتير العسكري، وكان كل واحد منهم يمكنه أخذ هذه المواد ودراستها.
عملية الجرف الصامد اندلعت في تموز 2014. ومن الطبيعي أن يقوم المراقب بتجميد الفحص واستئنافه بعد انتهاء العملية بشهرين. إلا أنه في هذه المرحلة، وبناء على توجيهات المراقب يوسف شبيرا، تم الطلب من الكتيبة الامنية توسيع الدائرة وفحص، ليس فقط المستوى التنفيذي، بل ايضا القرارات والتوجيهات للمستوى السياسي عشية الحرب.
المراقب عاد وفحص كل النقاشات التي حدثت لدى وزير الدفاع ورئيس الاركان ورئيس الحكومة حول غزة خلال السنة التي سبقت الجرف الصامد. اكوام من الاوراق، واستدعاء عشرات الشهود، بدء برئيس الحكومة ومرورا باعضاء الكابنت ومراقبين في الكابنت، وزير الدفاع، رئيس الاركان وجنرالات، وحتى قادة كتائب. وفي بعض الحالات تم استدعاء موظفين عاديين في القوات الخاصة وخبراء خارجيين.
لقد تم هنا إدخال مجلس الامن القومي الذي كان من المفروض أن يُعد الكابنت ويقوم بطرح مواقف خاصة به مقابل مواقف الجيش. وبالفعل، رئيس مجلس الامن القومي في حينه يوسي كوهين، الذي هو الآن رئيس الموساد، لم ينجو من الملاحظات حول أداء مجلس الامن القومي عشية العملية.
اذا كانت هناك ادعاءات لدى مراقب الدولة تجاه مجلس الامن القومي بأنه لم يضع أمام الكابنت جميع المعطيات التي تسمح باتخاذ قرار صحيح، فان خطأ نتنياهو في هذا الامر مضاعف. فرئيس الحكومة هو الذي يضع برنامج العمل اليومي والمواضيع المطروحة في جلسات الكابنت. كان يجب عليه الاهتمام بمعرفة الوزراء بجميع المعلومات المطلوبة. وحسب ما نشر حتى الآن يبدو أن نتنياهو لم ينجح في اقناع المراقب بأنه اهتم بذلك في الكابنت – وهو المسؤول عن الجيش باسم الحكومة.
الثقب الاسود
سؤال مركزي آخر يتناوله التقرير وهو هل كانت للحكومة سياسة معينة نحو غزة يمكن من خلالها استخلاص التوجيهات للجيش. هنا لا توجد أسرار، ولا حاجة الى مراقب الدولة. فليس لحكومة اسرائيل ولم تكن سياسة طويلة المدى امام دولة حماس في القطاع.
بعد موضوع الاستخبارات هذا هو الثقب الاسود الثاني في تقرير المراقب. حكومات اسرائيل تملصت من الاعتراف بحقيقة أن حكم حماس في غزة هو أهون الأمرين. فطالما أنه ليس هناك بديل لحماس فمن الافضل أن تكون موجودة في غزة، ضعيفة ولكنها تسيطر. الوزير ليبرمان تحدث في تلك الفترة عن القضاء على حماس واستبدالها بمحمد دحلان الذي تؤيده مصر. وتحدث الوزير بينيت في جلسة الكابنت عن الانفاق، الانفاق، الانفاق. ولكن عندما وضع رئيس الحكومة الذي سئم من هذه الملاحقات، الكابنت أمام سؤال هل يجب الدخول الى عملية عسكرية في غزة تعمل على اسقاط حماس، لم يؤيد ذلك أي وزير من الوزراء.
في الشارع، في المقابل، تمت في تلك الفترة حملة لافتات تحدثت عن الملاحقة – الوصول – توزيع الغنائم. بني عكيفا خرج الى الشارع، وتم نشر استطلاعات تفيد بأن 80 في المئة من الجمهور يؤيدون الدخول الى غزة وطرد حماس. وكان واضحا أن نقاشات الكابنت ليست نقاشات استراتيجية بالفعل، بل نقاشات سياسية تصغي للشارع، كما يزعم يعلون الآن. نتنياهو لم يعتمد على عدد كبير من اعضاء الكابنت، فبالنسبة له جلس أمامه اشخاص كل واحد منهم يريد وراثته. وباستثناء يعلون ورئيس الاركان لم يكن له شركاء حقيقيين في الأسرار.
لكن هذا المعطى لا يستطيع مراقب الدولة أخذه في الحسبان عندما يقوم بمراقبة عملية اتخاذ القرارات. وما يستطيع فعله المراقب هو السؤال اذا ما طرح رئيس الحكومة على الوزراء بدائل اخرى للسياسة الاسرائيلية في مواجهة قطاع غزة. والجواب كما يبدو هو بروح هذه الايام: “لا يوجد شيء، لأنه لم يكن هناك شيء”.
الاهتمام بالانفاق في السنة التي سبقت الحرب يبرز في التقرير بشكل خاص. المراقب قام بتفكيك موضوع الانفاق الى اجزاء صغيرة، قام من خلالها بفحص الاستعدادية القومية، من المستوى التكتيكي المصغر للجيش وحتى المستوى الاستراتيجي للكابنت. السؤال المركزي الذي كان يفترض فحصه هو الاهمية التي منحها قادة الجيش والمستوى السياسي لتهديد الانفاق.
الانفاق لم تكن جوهر الحرب. وقد تحولت الى التهديد المركزي والهدف المركزي للحرب نتيجة لحملة جماهيرية وسياسية. وحماس حاولت فعليا التسلل الى الاراضي الاسرائيلية عن طريق اربع فوهات. وفي حالات ثلاث تمت ملاحظتهم قبل الخروج، واصطدموا مع قوات الجيش الاسرائيلي. وفقط في حالة واحدة، عندما كان الجيش ينفذ الهجوم في القطاع، نجح المخربون في الدخول عن طريق النفق وقتلوا خمسة جنود في موقع عسكري قرب ناحل عوز. ولم يقتل أي مواطن بسبب الانفاق.
يمكن القول إنه لا توجد استنتاجات شخصية في التقرير، لكن فيه اقوال تتحدث عن شخصيات مركزية لم تفعل المطلوب منها: وزير الدفاع ورئيس الحكومة ورئيس مجلس الامن القومي وبعض القادة في الجيش.
حسب قائمة الاخطار لباين هورن، الاهتمام بتهديد الانفاق منذ عملية الجرف الصامد ازداد بشكل كبير، الامر الذي سيكلف دولة اسرائيل ثلاثة مليارات شيكل. وهذا المبلغ يشمل اقامة حاجز فيزيائي وادخال التكنولوجيا فيه وإحداث تغييرات تنظيمية ونظرية. ولكن هل سيحسن التقرير عملية اتخاذ القرارات في الكابنت والحكومة؟ هل سيؤدي الى تحسن جوهري في أداء مجلس الامن القومي؟ هذا شيء مشكوك فيه.
يديعوت