مقالات مختارة

تقرير “الجرف الصامد”.. ومرة اخرى تتكرر الطقوس: أريئيلا رينغل هوفمان

 

وهذه هي الطقوس: مرة كل بضع سنوات، وبتواتر مضن، تكون حرب في إسرائيل. وبشكل عام تسمى هذه حملة. في العقود الاخيرة تنتهي الحملات أو الحروب باحساس جماهيري قاس من المرارة، احساس يتميز بانعدام الانسجام المقلق مع الاستنتاجات الايجابية التي يصدرها اصحاب القرار. بعد وقت قصير من ذلك، واحيانا حتى قبل ان تهدأ اصداء المعارك، تنشر في وسائل الاعلام تقارير ومقالات معظمها بالذات تؤكد وتعزز ذاك الاحساس الجماهيري، وبعدها، بفارق زمني طويل جدا، يأتي التقرير الرسمي. بعد حرب لبنان الثانية مثلا، كان هذا تقرير فينوغراد. وعندها، وهذا هو ايضا جزء من تلك الطقوس، تبدأ حملة ضغوط رسمية لمنع النشر. بكامله أو بأجزاء منه، او بلا اسماء. وبالتوازي تأتي التسريبات التي تفيد تجربة السنوات بانها في معظمها دقيقة جدا. وهكذا وصلنا ايضا الى تقرير مراقب الدولة الذي موضوعه “الجرف الصامد”.

على فرض أن نشر تقرير مراقب الدولة المتعلق بسياقات اتخاذ القرارات في القيادة السياسية وسلوك الجيش سيشترط بإزالة المقاطع السرية – لاعتبارات أمنية فقط – فان السؤال الواجب طرحه هو أنه رغم تلك الطقوس، ليس لماذا ننشر، بل لماذا لا ننشر. أو بتعبير آخر، فان التقارير من هذا النوع هي بالضبط التقارير التي يفترض أن تنشر.

وهي يفترض أن تنشر لسببين على الاقل. الاول جوهري. فلمجرد تعريفها أن الرقابة ملزمة بان تكون علنية. اما تقرير الرقابة الخفية عن العين الجماهيرية فهي في افضل الاحوال ورقة عمل وفي الحالة الاكثر معقولية – وثيقة اخرى سيعلوها الغبار على احد الرفوف في الجهاز. إذن صحيح، تقرير الرقابة الخفي هو الحلم الرطب لكل جهاز، ولكنه وصفة مؤكدة لاضاعة الرسالة الصادرة عنه. فالتقارير الخفية لن تخلق العملية المتسلسلة اللازمة، التي يفترض ان تؤدي الى متابعة النتائج وفي نهاية المطاف تطبيق الدروس الواردة فيها.

إن تقرير مراقب الدولة ليس وثيقة فكرية، رأي آخر بين آراء كثر، يعنى بشكل سير الحملة. هذا تقرير رسمي، ثمرة عمل مرتب، يفترض أن يضمن، أو على الاقل بذل جهد لان يضمن، الا تتكرر نقاط الخلل التي انكشفت في هذه الحملة – وهي خطيرة كما هو معروف – في الحملة القادمة.

الموضوع الثاني يتعلق بمسألة من هو الزبون الحقيقي لذاك التقرير. وعلى فرض أن المؤسسة العسكرية، الامنية والسياسية تعرف نقاط الخلل وعن كثب، فان الزبون المباشر لهذه التقارير هو الجمهور. وبلغة اكثر فظاظة: المقاتلون وابناء عائلاتهم. كل من هو ملزم بان يعرف ما تفعله دولة اسرائيل كي تضمن أنها في المرة القادمة التي تدخل فيها الجنود الى ميدان المعركة، فانها تفعل ذلك بعد أن تكون درست كما ينبغي كل البدائل، بعد أن تكون عرفت الاهداف بوضوح، وبعد أن يكون أوضح بان البديل العملياتي الذي تم اختياره هو بالفعل البديل الافضل ضمن الظروف القائمة. وانه جرى عمل الحد الاقصى الممكن لضمان أمن المقاتلين من مغية المفاجآت في الميدان، وان الجنود يعرفون ما ينتظرهم، وانهم مدربون ومزودون بشكل لائق للاهداف التي تقررت لهم. وأن أحدا لا يدخله، لنقل، الى موقع فتحات الانفاق بعد أن يكون سلاح الجو قصف بالضبط تلك الفتحات، او يدخلهم الى مناطق هي عرضة لنار قذائف الهاون، المرة تلو الاخرى.

من شبه المؤكد أن قسما لا بأس به مما كتب في تقرير المراقب عن الجرف الصامد، كان معروفا لمعظم الجمهور، والمفاجآت الصاخبة، كما يمكن المراهنة، لن تكون هناك. فما بالك أنه مرت منذ الحملة سنتان تقريبا، وفي اثنائهما عنيت وسائل الاعلام بالموضوع بتوسع، ولا سيما في الذكرى السنوية للحملة.

هكذا بحيث أن أهمية نشر التقرير هي بمجرد الكشف وليس بالمكتشفات المفاجئة كيف وما حصل في اثناء الـ 51 يوما من الحملة. إن الاهمية هي في الرسالة الصادرة عن ذاك الكشف: سلوك اصحاب القرار في القيادة السياسية والعسكرية ليس سرا وكشف نقاط الخلل التي كانت لي مسا بأمن الدولة، بل حق كامل للجمهور الذي يتطوع بأبنائه للحرب في أن يعرف ما وجد مراقب الدولة، المكلف من الجمهور، وعلى ماذا اختار التشديد في الطريق الى الاصلاحات اللازمة.

يديعوت                             

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى