مقالات مختارة

رسالة وليد فارس الاميركية «للاصدقاء» اللبنانيين والعرب: «دبرو حالكن» ابراهيم ناصرالدين

 

البحث عن اسباب «استماتة» رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط ومعه من وراء «الستار» الرئيس سعد الحريري، للابقاء على قانون «الستين»، يفضي الى نتيجة واحدة اذا ما اراد المرء ايضا تفسير اسباب «الغرام» المفاجىء لرئيس حزب القوات اللبنانية بحزب الله، الرجال الثلاثة تلقوا «رسالة» اميركية تدعو للقلق، والبحث جار عن ملاذات داخلية آمنة لمواجهة استحقاقات اقليمية داهمة ستدفع فيها اثمان سياسية باهظة…

هذه الخلاصة لاوساط دبلوماسية في بيروت، تتحدث عن قيام وليد فارس مستشار الرئيس الاميركي دونالد ترامب باتصالات مع عدد من حلفاء واشنطن العرب ومن ضمن القائمة بعض الساسة اللبنانيين وفي مقدمتهم صديقه و«رفيقه» السابق رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع، وخلاصة «الرسالة» ان سياسة الادارة الاميركية الجديدة في الشرق الاوسط ستكون مبنية على «التفويض» الاميركي لروسيا لترتيب الملفات وتنسيق الجهود لمكافحة الارهاب، لا معركة للرئيس الاميركي في المنطقة غير مكافحة «التطرف الاسلامي»، واقع الدخول العسكري الروسي الى سوريا يجعل من موسكو الطرف الاقوى في المعادلة، لا مجال للخلط بين حزب الله وتنظيمي «داعش» «النصرة»، الاستقرار اللبناني من ضمن التفاهمات القائمة والمستمرة، لكن واشنطن غير قادرة في ظل موازين القوى الراهنة على تقديم الدعم السياسي المطلوب للحلفاء لتحسين «شروط اللعبة» على الساحة اللبنانية…اي بمعنى آخر «دبروا حالكن»…

هذه المعطيات تجد ترجمتها العملية على الساحة اللبنانية بسعي حلفاء واشنطن الى اعادة التموضع ضمن معادلات محلية تحفظ لكل منهم حيثيته الداخلية، بعد ان فقدوا الغطاء الدولي والاقليمي، خصوصا ان «الرسالة» الاميركية جاءت بعد زيارة الرئيس ميشال عون الى السعودية وقطر، وتبين من خلال النتائج ان الرياض ليست متحمسة للاستثمار مجددا في لبنان، بدليل غياب الترجمة العملية للكلام السعودي الايجابي للبدء بصفحة جديدة في العلاقات الثنائية…وبحسب اوساط بارزة في 8آذار، الصراع على قانون الانتخابات خلفيته فقدان الشعور «بالامان» لدى هذه الاطراف، التي تخشى فقدان «الزعامة» في التوقيت الخاطىء، وهنا ايضا يمكن فهم «براغماتية» جعجع التي تدفعه الى «الهرولة» للتطبيع مع حزب الله باعتباره الطرف الاقوى في المعادلة الداخلية والاقليمية، فيما يسعى كل من جنبلاط والحريري الى الحفاظ على «التستاتيكو» السياسي الراهن وعدم الدخول في مغامرة اجراء الانتخابات وفقا لقانون جديد، خوفا من فقدان آخر «الاوراق» المحلية الضامنة لحيثيتهما السياسية، وسط انباء سيئة تاتي من خارج الحدود.

القلق يأتي من سوريا بشكل رئيسي، «فرسائل» فارس بدأت ترجمتها العملية في الاقليم، وبحسب الاوساط الدبلوماسية، تركيا الدولة الاقليمية الوازنة حجزت لنفسها مكان على «الطاولة» الى جانب روسيا وايران لمواجهة تداعيات استراتيجية ترامب. دول الخليج تحاول فتح «نافذة» لاعادة التموضع ايضا من خلال استغلال الموقع «الوسطي» للكويت التي تتولى الان فتح قنوات اتصال مع طهران، وهذه المبادرة ما كانت لتحصل دون «ضوء اخضر» سعودي.. الرياض تحتاج الى من ينزلها من «اعلى الشجرة»، لكنها تبحث عن تقليل الخسائر وتحقيق اثمان لا تبدو متاحة، لان الايرانين ما زالوا مصرين على تحلي المملكة بـ «التواضع» والاقرار بخسارة المعركة «بالنقاط» وهذا له حساباته الدقيقة على كامل مساحة خريطة المنطقة..الامر يحتاج الى وقت كي يتبلورلكن في المحصلة يزداد الطرف اللبناني المحسوب على هذه القوى ضعفا «وهلعا» على مستقبله السياسي في ظل هذا الاختلال الكبير في موازين القوى..

وفي هذا السياق، يبدو جنبلاط مهتما بمراقبة التحولات في الاردن، ويخبر المحيطين به «ان هذا البلد العربي الصغير يشبه في ضعفه حالنا في لبنان»، ولان عمان تتميز ايضا بوضعية خاصة لدى الاسرائيليين، تصبح التحركات على الساحة الاردنية ذات معنى ومغزى اكثر عمقا ودلالة، وفي هذا الاطار يرصد «البيك» من خلال «راداراته» تحولا في «البوصلة»الاردنية وطغيانا لاستراتيجية الانتقال الى التعامل مع طهران تحت عنوان «الواقعية»السياسية، وهذا الامر يعد تحولا استراتيجيا لهذه المملكة السباقة في التحذير من «الهلال الشيعي»..

تتزامن هذه الاشارات مع زيارة الملك عبدالله الى موسكو حيث بحث قضايا عديدة مع الرئيس فلاديمير بوتين وفي مقدمتها مكافحة الارهاب…وهذا مؤشر على امرين الاول ان ما قاله وليد فارس للبنانيين بان سياسة ترامب في المنطقة ستكون بعيون «روسية»، هذا ما حصل في الاستانا، ويجد تطبيقاته العملية في الاردن. والامر الثاني ان التوافق مع موسكو على مكافحة الارهاب يعني حكما استدارة اردنية كاملة في الملف السوري، وهذا يعني عمليا «دفن» رسمي لغرفة عمليات «موك» بعد اشهر على اعلان موتها «السريري». يعرف جنبلاط جيدا من خلال متابعته الدقيقة لجبهة الجنوب السوري ذات الخصوصية الدرزية، ان الاستخبارات الاردنية قطعت «الماء والهواء» عن المجموعات المسلحة في المنطقة، وفي المقابل فتحت قنوات اتصال امنية مباشرة بين عمان ودمشق، ولدى الروس رغبة في رفع مستوى التنسيق الامني مع الاردنيين من خلال انشاء مركز للتنسيق الامني المشترك في عمان سيكون بديلا عن «الموك»، والتجربة تقول ان ملك الاردن ما كان ليغامر بالعلاقة مع السعودية التي قلصت مساعداتها الاقتصادية والامنية للاردن، لولا استشعار القيادة الاردنية او بالاحرى تبلغها من الادارة الاميركية الجديدة ان الانفتاح على موسكو جزء ضروري من استراتيجية البيت الابيض لترتيب اوضاع المنطقة بعيدا عن التورط او التدخل الاميركي.

كل ما تقدم، سيؤدي في المقابل الى تعزيز الشراكة الروسية ـ الايرانية حول قضايا المنطقة، يدرك الاردنيون ان طهران باتت على حدودهم في العراق وسوريا، ولا بد من التعامل معها…هذه العدوى ستصيب لبنان حكما لان «ملائكة» الايرانيين موجودين على الساحة اللبنانية وليسوا على الحدود فقط، وما يدفعه الاردن من «فواتير» سيضطر الفريق السياسي المنتمي الى هذا المحور لدفعه عاجلا او آجلا، لن يكون هناك مفر من الحديث مع الرئيس بشار الاسد، ولا مفر من التعاون والتنسيق مع الدولة السورية في مرحلة لاحقة، باريس تستعد في ايار المقبل للاستدارة، جميع المتنافسين الجديين متفقون على ان تجاوز الاسد بات من الماضي.. الرئيس سعد الحريري «استسلم» مبكرا للامر الواقع ورضي بتقديم كل التنازلات المعروفة في الرئاسة والحكومة، رئيس القوات سمير جعجع يعيد تموضعه «الحذر» ويغازل «حزب الله»، ويخطب وده… جنبلاط اكثر المستشعرين بخطر التحولات، يريد مع الحريري القتال حتى الرمق الاخير للحفاظ على قانون الستين كونه الملاذ الاخير الذي يؤمن لهما ضمانة سياسية محلية، لمواجهة الاستحقاقات الاقليمية المقبلة، دون «مظلة» اميركية، او حماية سعودية، الرجال الثلاثة يبحثون عن «متنفس» كي لا يختنقوا تحت «عباءة» الامين العام لحزب الله السيد نصرالله الوحيد القادر على تقديم ضمانات، سبق ووعد بها علنا، ولن يتراجع عنها، لكن ما يطلبه الاقطاب الثلاثة مجرد مساحة ضيقة لتحقيق انتصارات محلية صغيرة تعوض خسارة المعركة الكبرى مع الاقرار انه لا ملاذ سوى تلك «العباءة»…

(الديار)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى