مؤتمر الأستانة : هدنة ام اكثر ؟
غالب قنديل
يبدو الجهد الروسي الإيراني في تحضير ورعاية مؤتمر الأستانة سعيا مركزا لإخراج تركيا من ورطتها السورية وتداعياتها الخطيرة الظاهرة في الداخل التركي بقدر ما هو عمل مثابر يدعم الدولة الوطنية السورية وسعيها لتحرير البلاد وتخليصها من الإرهاب والتوحش في حين تحمل دينامية الدورين الروسي والإيراني بالتناغم مع دمشق مؤشرات هامة ومعبرة عن تحولات التوازن الدولي والإقليمي وانتقال مراكز القرار الكبرى في العالم نحو عواصم جديدة خلال السنوات الأخيرة المشحونة بالحروب الأميركية المباشرة وبواسطة فصائل الإرهاب والتطرف وجيوش المرتزقة التي كانت الحرب على سورية احد اخطر فصولها الكبرى.
في زمن التغيير السياسي الأميركي اختارت القيادتان الروسية والإيرانية التحرك لاختبار مدى تجاوب الرئيس التركي الذي قاد بالشراكة مع السعودية وقطر اخطر فصول العدوان على سورية وأنشأ غرف العمليات ومستودعات السلاح ومنصات تجميع وتدريب الإرهابيين من جميع انحاء العالم لدفعهم عبر الحدود التي سبق لدمشق ان فتحتها دون قيود امام البضائع التركية في زمن شعار”صفر مشاكل ” وانحياز تركيا الإعلامي ضد الحرب الصهيونية على لبنان عام 2006 وانطلاق العناق التركي القطري الفرنسي المسموم للقيادة السورية خلال خمس سنوات شهدت كواليسها اخطر الدسائس والاختراقات الجاسوسية التي حبكت لتدمير الدولة السورية التي رفض رئيسها المقاوم الخضوع للتهديد كما سخر من سراب الوعود المعسولة متمسكا باستقلال بلاده وبهويتها القومية التحررية تجسيدا لإرادة الشعب السوري.
لا يملك اجوبة نهائية أي من الشريكين الروسي والإيراني صاحبي خيار احتواء الدور التركي في سورية وهما يحثان العمل لمساعدة تركيا على الخروج من الورطة بينما تربط الدولة الوطنية السورية مثل هذا الأمر بلوائح الالتزامات عملا بالقاعدة التي يرددها الرئيس بشار الأسد كلما تعلق الأمر بمواقف دول حلف العدوان بقيادة الولايات المتحدة ودول الناتو وتركيا والسعودية وقطر والأردن : علمتنا التجارب ان نحكم على الأفعال لا الأقوال.
في الأعوام القليلة الماضية يستنتج العديد من الخبراء ومخططي السياسات في طهران وموسكو كما في دمشق ان الداخل التركي يعيش تحت وطأة تداعيات التورط في الحرب على سورية وثمة مخاطر جدية تنذر بانهيار الدولة التركية وتشظيها في حال فوت أردوغان فرصة الاحتواء المعروضة عليه انطلاقا من منحه عبر بيان موسكو صفة في رعاية حل سوري ينطلق من الميدان بدفع الفصائل التي سلحها ورعاها إلى الرضوخ لقواعد التفاهم الممكن مع الدولة السورية والانتقال إلى القتال بالشراكة مع الجيش العربي السوري ضد فصائل القاعدة وداعش .
حتى الساعة لا اجوبة نهائية من الجانب التركي وقد لاتكون حصيلة مؤتمر استانة المرتقبة أبعد من تثبيت الهدنة وتأجيل متعمد لحسم الخيارات حول اولوية مقاتلة الإرهابيين لأن البعد الحاسم في صياغة مواقف أردوغان وخياراته سيكون في مضمون القرار الأميركي بشأن الملف السوري وإجابة إدارة ترامب الواضحة حول طبيعة خطتها في سورية ومدى سيرها في تنفيذ شعارات الحملة الرئاسية عن اولوية مقاتلة الإرهاب والتي كانت بارزة في خطاب التنصيب وانتظار اردوغان لجلاء موقف واشنطن وحساباتها يجعل الهدنة وآلية وقف القتال أقصى المرجح في حصيلة المفاوضات الجديدة بانتظار تبلور نتائج الاتصالات الروسية الأميركية حول محاربة الإرهاب وسورية بالذات وجلاء آفاق العلاقات الأميركية الإيرانية.
بمجرد انعقاد المؤتمر يحظى أردوغان بفرصة التراجع المنظم عن حرب وضع فيها رصيده الشخصي ومصير نظامه وبينما تمسك روسيا بناصية دورها العالمي الصاعد وتثبت إيران حيوية دورها الإقليمي والدولي وتؤكد الدولة الوطنية السورية مرجعيتها الكاملة وانفتاحها على كل فرصة متاحة لحقن الدماء وتوسيع المصالحات السورية السورية ضمن الثوابت والمباديء التي اكدها الرئيس الأسد في اكثر من مناسبة ودون أي تفريط باولوية مقاتلة الإرهاب وتحرير المناطق السورية من قبضته وحيث يبذل الجيش العربي السوري مزيدا من التضحيات ويسطر المزيد من البطولات ويمكن لأي هدنة بما يصاحبها من نتائج ان تعطي هذا الجيش فرصا لتركيز جهوده وفقا لأولويات خطته الوطنية العامة لتحرير سورية .