مقالات مختارة

البدو والشرق الأوسط: نسيج قابل للاشتعال: ايال زيسر

 

المواجهة العنيفة بين الدولة ومؤسساتها وبين السكان البدو في أم الحيران، يمكن فهمها في السياق الأوسع، والخاص بصعوبة اندماج السكان البدو في نسيج الحياة العصري والتمتع بثمار التقدم الذي تقترحه الدولة. الدولة تجد صعوبة في فرض نفسها وفرض قوانينها على البدو، وفي احيان كثيرة هي تفضل الاستسلام امام ظواهر العنف التي تنبع من تمسك السكان البدو بتقاليد التمرد ضد مصدر الصلاحيات، أو أي سلطة تريد فرض نفسها في الصحراء التي يعيش فيها البدو.

هذه الصعوبة لا تواجه دولة إسرائيل فقط، بل جميع دول الشرق الاوسط. على الأقل في الاماكن التي ما زالت الدولة قائمة فيها. هكذا هي الحال بالنسبة لمصر التي تواجه السكان البدو المتمردين في سيناء. وكذلك في الأردن، الذي تحول البدو فيه من دعامة للعائلة الهاشمية المالكة إلى مركز تحريض ضده. وكذلك الحال في دول اخرى، منها السعودية.

في النقب كان يعيش عند اقامة الدولة حوالي 10 آلاف بدوي، واليوم يصل عددهم إلى ربع مليون انسان. نسبة التكاثر الطبيعية للسكان البدو هي من الاكثر في العالم، حيث يضاعف السكان البدو عددهم كل 15 سنة. هذا التكاثر غير المسبوق يكمن في الدمج بين عدد من العناصر، منها تعدد الزوجات الذي ما زال ينتشر في المجتمع البدوي. أي أن الأب يتزوج أكثر من امرأة ويكون لديه عشرات الأولاد. سياسة الرفاه لحكومات إسرائيل شجعت هذه الظاهرة وحولت تكاثر الأولاد في العائلة إلى مصدر دخل أساسي لرب العائلة. في ظل هذا الوضع استمر تعدد الزوجات، رغم أنه محظور حسب القانون في إسرائيل.

الصعوبة التي تواجهها الدولة مع السكان البدو في توفير الخدمات الصحية والتعليم والرفاه، ودمجهم في اطار العمل، تكمن ايضا في رغبة السكان البدو في الحفاظ على الاطار القبلي، ورفض البدو لسلطة الدولة ومؤسساتها، مثل الشرطة واجهزة تطبيق القانون. وايضا رفض قوانين الدولة التي تمنع تعدد الزوجات. الحديث يدور هنا عن حلقة مغلقة، حيث يصعب اختراقها من قبل الدولة أو من قبل البدو. لذلك مطلوب عملية طويلة المدى مع الكثير من الميزانيات من الدولة، وايضا الرغبة في التغيير في اوساط المجتمع البدوي.

وضع البدو الذين يعيشون في إسرائيل والعلاقة بين الدولة وبين المواطنين البدو ما زال أفضل كثيرا من الوضع السائد لدى جيران إسرائيل. ففي شبه جزيرة سيناء أدى التوتر بين حكومة القاهرة وبين البدو إلى انضمام الشباب البدو إلى صفوف «داعش»، وهكذا تمكن داعش من السيطرة على صحراء سيناء. وفي الاردن يقف أبناء القبائل البدوية الذين شكلوا في الماضي البعيد أساس التأييد المهم للعائلة المالكة، يقفون من وراء الجماعات الإسلامية المتطرفة التي تهدد استقرار الدولة الآن.

بسبب نمط الحياة المحافظ والخشية من التقدم، وايضا بسبب التوتر بين البدو وبين الدولة، فان الصحراء في الشرق الاوسط تشكل دفيئة لانتشار الجماعات الإسلامية المتطرفة. وإسرائيل ليست استثناء من هذه الناحية.

لقد حاول بعض اعضاء الكنيست العرب تحويل الاحداث العنيفة في النقب في الاسبوع الماضي، وجهود الدولة لفرض السياسة على البدو، إلى مبرر من اجل تطبيق أجندة سياسية خاصة. ولكن الحديث يدور عن تحدٍ يتعلق بالمجتمع والاقتصاد والدولة، وليس عن صراع وتوتر قومي. ورغم ذلك، الحديث يدور عن مادة قابلة للاشتعال، يفضل علاجها قبل الاشتعال، مثلما حدث في بعض الدول العربية المجاورة لإسرائيل.

إسرائيل اليوم

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى