الطريق إلى المستقبل بقلم: د.بثينة شعبان
من المضحك المبكي أن التحليلات العربية في مختلف وسائل الإعلام منشغلة على مدى أسبوع ونيّف في محاولة الإجابة على السؤال: أيهما أفضل للعرب والقضايا العربية؛ باراك أوباما، أم دونالد ترامب؟ حيث تناولت وجهات النظر الوعود التي قطعها أوباما للعرب والمسلمين، والأموال التي أغدقها على الكيان الصهيوني، بينما حاولت تفسير إشارات ترامب للمسلمين وعدم استحضار إمام مسلم كما جرت العادة في حفل التنصيب، وموافقة من الأقليات والأديان وإلى ما هنالك. وفي مراجعة سريعة للآمال التي بناها العرب على رؤساء دول غربية، والتمويل الذي قدّموه بسخاء لبعض هؤلاء الرؤساء كي يفوزوا بالانتخابات، يكاد يصاب الإنسان بالذهول. فمن المعروف دعم الدول الوهّابية لآل بوش الأب والابن، ومن ثمّ لآل كلينتون الرئيس وزوجته. أما أوباما وساركوزي فقط حظيا بتمويل سخيّ من ليبيا، ويكاد يكون السّر المعلن أنّ حملة هيلاري كلينتون الانتخابية قد تمّ تمويلها كلياً أو جزئياً من قبل نظام آل سعود. هذا ما يرشُح إلى الإعلام طبعاً، أما الدعم السري، وصفقات السلاح،ؤ وشراء الأندية الرياضية الخاسر، إلى كل ما هنالك من أشكال لا تعدُّ ولا تحصى من إنفاق أموال الدول النفطية على مراهنات بأن أشخاصاً في الغرب سوف يغيّرون مستقبل هذه الأمة، فهذا بحاجة إلى دراسة وبحث قد تستغرق تفاصيله وإنجازه سنوات، وفرق بحث لتتوصل إلى الحقائق والأرقام الدقيقة للأموال التي أُغدقت بغباء على إيصال ألدّ أعداء العرب إلى السلطة وليس على التنمية.
السؤال هو هل يمكن لنا أن نجد في العالم أنظمة تراهن على زعماء أمة أخرى، أم أن الانظمة النفطية تشكل في هذا الأمر ظاهرة استثنائية تثير الاستغراب بالفعل؟ والسؤال الثاني أوَ ليس جديراً بنا أن نتوقّف عند هذه الظاهرة ونبحث في أسبابها الداخلية والتاريخية؟ هل يمكن أن يكون أحد أسبابها هو غياب أيّ نقاش حقيقي في المجتمعات الخليجية المبتلاة بأنظمة الاستبداد حول أداء أو انتخاب الحكّام أنفسهم، أم قد يكون الشعور بالعجز المطلق نحو التأثير على مجريات الأمور إلّا بالرّشوة والإفساد بالمال الحرام؟ وقد يكون من اعتقاد هذه الأنظمة العاجزة بأنّ وجودها مرتهن بالرضا الغربيّ. ومهما تكنْ الأسباب والمسبّبات، فإنّ النقاش في الإعلام النفطي الذي يثيره انتخاب الرئيس الأمريكي يكاد يتكرّر ذاته كلّ أربع سنوات، بينما نشهد خلال هذه السنوات شنّ الحروب المدمّرة على البلدان العربية بتمويل وتحريض وهّابي غادر وقضم المزيد من الأراضي الفلسطينية، وقتل المزيد من الشباب الفلسطيني بدمٍ بارد، وهدم المنازل للمرّة المئة في قرية العرقوب، وقرى وحارات عدّة آخرها أمّ الحيران، والاعتداء اليومي على المقدّسات والشباب وطرائق العيش وأشجار الزيتون، بينما تحاول دول عربية أخرى أن تبحث في سبل تحقيق الأمن والأمان ضمن حدودها الضيّقة، أو تحاول إثارة الغيرة العربية لدعم استقلال لا يمكن له أن يكون كاملاً وآمناً دون التكاتف والتعاون والتنسيق مع المحيط العربيّ. وبهذا تغرق معظم الدول العربية، ومنذ الاستقلال إلى اليوم، في محاولات تبرير مخططات سايكس وبيكو، ومحاولة البرهان على أن هذه الخطوط التي رسموها بين أبناء الشعب الواحد، واللغة الواحدة، والتاريخ المشترك؛ أنّ هذه الخطوط منطقية ومقدّسة ولا يمكن فعل أي شيء حيالها.
لكنّ الحقيقة التي لا بدّ للعرب أن يكتشفوها، مع أنها ماثلة أمام ناظريهم، هي أنه لا قوّة لبلد عربي لوحده، ولا مكانة لبلد عربي في أنظار الغرب والعالم ما لم تتكاتف وتتفاهم البلدان العربية من خلال صيغة ما لإثبات أهميتها في المعادلات الإقليمية والدولية. وهذا لا يتمّ أبداً من خلال رشوة مرشحي حكومات غربية، ولا من خلال استجداء الإهتمام من قبل دول نفطية برهنت أن انتماءها للعروبة انتماء واهٍ، وإنما يتمّ من خلال إعادة التفكير بعد مئة عام من وعد بلفور، ومئة عام من سايكس وبيكو، وبعد سبعين عاماً من احتلال فلسطين، وبعد أربعة عشر عاماً من الاحتلال الأميركي للعراق، وبعد ست سنوات من جحيم ٍعربي ٍدام ٍ عمل على استبدال الصراع العربي-الاسرائيلي بمقولات طائفية وعرقية، هدفها شرذمة العرب وإضعاف الدول العربية جميعها، بحيث أن المستفيد الوحيد من كلّ مجريات هذا الربيع هو الكيان الصهيوني وأعوانه في المنطقة والعالم.
قبل أن نتمكن من تغيير الواقع العربي لا بدّ لنا من تغيير الطريقة التي نفكّر بها في مقاربة هذا الواقع. ففي الوقت الذي يقرّ الجميع أن أيّ وحدة عربية بالطريقة التي كانت مطروحة في القرن الماضي مستحيلة اليوم، فإن آفاق الممكن من تعاون عربي، وتكامل في التجارة والاقتصاد، وتفاهم على المواقف المشتركة المفيدة للجميع، والتي تعزّز مكانة الجميع، تبدو متاحة، لا بل، وضرورية اليوم. إذ لا يمكن للأردن أو العراق أو سورية أو لبنان أن ينهض بمفرده ويحقّق المكانة التي يبتغي في الإقليم أو العالم، ولكنّ التنسيق بين هذه الدول ودول أخرى مثل مصر والجزائر وتونس حول القضايا الأساسية لهذه الأمة واتخاذ مواقف تخدم البلد الواحد كما تخدم البلدان مجتمعة، وتخدم حكماً قضية فلسطين، قد يكون المخرج الوحيد اليوم من واقع عربي مثخن بالحروب في وجه تحديات كبرى تستهدف هويته ووجوده. ولذلك، وبدلاً من النظر عبر المحيطات، وانتظار ما سوف تأتي به حكومة ترامب أو حكومة فرنسية أو ألمانية قادمة، لا بدّ من التأمّل مليّاً في إمكانات الفعل العربي، مهما بدت صغيرة ومحدودة اليوم، ولا بدّ من التركيز على المشترك ولو بين عدة بلدان في البداية كنواة لوضع آليات عمل حقيقية لتنسيق عربي يشبه التنسيق بين الدول التي حققت نتائج هامة في هذا المجال دون أن تمتلك كلّ العناصر المشتركة التي يمتلكها العرب. لا بدّ اليوم من إصلاح الذات العربية، وإصلاح ذات البين، لتكون الرافعة لمكانة العرب والتوقف عن المراهنة على أحصنة الآخرين.
رغم صعوبة المقترح، أجد أنه الوحيد الذي يمكن أن يرسي أسس مستقبل يلعب به العرب دوراً محترماً في وطنهم وفي العالم.