ترامب وبداية عهد اميركي جديد
غالب قنديل
مع تنصيب الرئيس الاميركي المنتخب دونالد ترامب تدخل الولايات المتحدة مرحلة جديدة من تاريخها السياسي تحمل معها كمية كبيرة من التغييرات المتوقعة في نهج وسياسة الادارة الاميركية على الصعيدين الداخلي والخارجي وتطلق اعادة جدولة للأولويات فرضتها حصيلة المغامرات الامبراطورية الاميركية في العالم منذ فجر الالفية الثالثة بحيث يبدو ان ادارة ترامب ستكون مهتمة بترميم الوضع الاميركي الداخلي اقتصاديا قبل اي شيء اخر من غير ان يعني ذلك بالضرورة تفكيك منصات الحروب والتراجع الانقلابي عن المغامرات العسكرية بل البحث عن فرص الخروج الممكن بأقل الخسائر.
ثمة أسئلة كثيرة حول الخيارات التي سيتخذها الرئيس الجديد بعد تسلمه السلطة مع الفريق الذي اختاره للمواقع القيادية الاولى في حكومة الولايات المتحدة، خصوصا وان المرحلة الفاصلة بين فوزه في الانتخابات الرئاسية وتسلمه للسلطة شهدت كمية كبيرة من الضغوط ومحاولات التأثير التي مارستها مجموعة من مراكز القوى الاساسية في المؤسسة الحاكمة الاميركية وكان واضحا ان الرئيس ترامب يسعى للتكيف نسبيا مع بعض تلك الاجواء وقد تصدرت مجموعات الضغط القوة المنظمة للوبي الصهيوني “ايباك” ومجموعة المحافظين الجدد ومراكز الدراسات التابعة لها وهو ما يفسر حماسة ترامب وفريقه لتأكيد الالتزام بدعم الكيان الصهيوني وبتعهده نقل السفارة الاميركية من تل أبيب الى القدس المحتلة، التدبير الذي احجمت عنه حكومات اميركية عديدة أعلنت التزامها به ثم تراجعت خشية انهيار مساعيها لفرض حلول وتسويات على الشعب الفلسطيني.
يواجه الرئيس الاميركي وفريقه مجموعة من التحديات الكبرى على الصعيد الدولي وعلى الارجح فانه سيضطر الى التراجع عن كثير من السقوف العالية التي تضمنها خطابه الانتخابي والسياسي في التعامل مع الصين وايران فدونالد ترامب المفاوض يمهد الطريق الى اجراء المساومات الممكنة مع الخصوم والشركاء في العالم وينطلق من السقف العالي على طريقة المفاوضات التجارية وتقاليد رجال الاعمال وهذا ما يتوقع ان يكون مضمون تعامل ادارته مع ما ساه بالمشكلة الصينية وبالذات مع المنافسة والتحدي الذي يمثله الاغراق الصيني لأسواق الولايات المتحدة وكذلك الأمر مع الاتفاق النووي الايراني الذي يعتزم الرئيس الاميركي وضعه على بساط المساومة مع طهران بحثا عن المكاسب والمزايا الاقتصادية والتجارية الاميركية التي يتطلع اليها مجتمع الاعمال والشركات الاميركي في السوق الايرانية الواعدة.
متابعة الاسابيع الاولى لعمل الادارة الاميركية الجديدة سوف تسمح بتكوين صورة اولية عن مضمون التوجهات والخطط الجديدة للإمبراطورية الاميركية وقياس مدى الاستعداد لاتباع نهج سياسي عقلاني وواقعي ينطلق من التسليم بنتائج سقوط الهيمنة الاحادية التي خاضت الولايات المتحدة مغامرات عسكرية مكلفة في سبيل فرضها على العالم بأسره وسيكون مسار العلاقات الاميركية الروسية هو المعيار الاول الذي يمكن الانطلاق منه في التعرف الى واقعية ترامب السياسية مع العلم ان قوى الضغط الديمقراطية والجمهورية سعت الى تعقيد المهمة الرئاسية المتعلقة بهذا الملف من خلال العقوبات التي استهدفت روسيا مؤخرا وقد تعامل ترامب مع الموضوع بوصفه ورقة اضافية في حقيبة التفاوض مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عندما اقترح مقايضة العقوبات بالتعاون النووي بين الجبارين وهو ما رفضته موسكو وردت عليه الامر الذي يدفع الى ترجيح التوقع بأن تنطلق المباحثات بين ترامب وبوتين من لائحةالمشاكل والخلافات ومن التسليم الاميركي بحتمية الشراكة مع روسيا في الواقع الدولي الجديد.
التغيير الذي تحدثه حصيلة انتخاب ترامب في العالم اقتصاديا وسياسيا سيكون كبيرا ولن تكون المعايير والقياسات التقليدية المألوفة صالحة في التوقع المتصل بالقرار الاميركي في المرحلة الجديدة فالوعود التي قطعها ترامب في حملته الانتخابية تنطوي على تناقضات سيواجه بنتيجتها تحديات غير بسيطة في صنع السياسة واتخاذ القرار كما ان اسلوبه الخاص في التصرف والادارة سيكون موضع متابعة تنطوي على احتمال المفاجآت والتقلبات الحدية في المواقف وفق ما اوحت به تصريحاته خلال الحملة الانتخابية مع التقدير لفكرة ان الرئيس الفعلي هو بالضرورة غير المرشح.
من مزايا العهد الاميركي الجديد سقوط الكثير من البديهيات والمواقع التقليدية في صنع القرار واحتمال حدوث تحول كبير في النظرة الى العولمة والمعركة ضد الارهاب والشراكة الدولية والعلاقة الاميركية الاوروبية في اطار الناتو وعلاقة الولايات المتحدة بالحكومات التابعة والعميلة ففي حسابات ترامب سيكون كل ذلك خاضعا لعقلية تفكير ميزان الربح والخسارة والمصالح والتكاليف وسيتعرف العالم على لوحة صراع داخلي جديدة في الولايات المتحدة في ظل الحملات التي تستهدف الرئيس وفريقه واستراتيجيته السياسية.