مادة مشتعلة: عاموس هرئيل
حادثة النقب أمس، التي قتل فيها مواطن بدوي وشرطي، هي علامة فارقة وخطيرة في العلاقة بين دولة إسرائيل والبدو في جنوب البلاد. عملية شرطية لهدم بيوت قرية أم الحيران تعقدت وتدهورت إلى مواجهة عنيفة، خلالها، حسب رواية الشرطة، قام أحد المواطنين بدهس شرطي وقتله. وعندما قُتل على أيدي رجال الشرطة، وعند اصابة رئيس القائمة المشتركة أيمن عودة زاد الطين بلة.
السكان البدو زعموا أمس أن السائق يعقوب موسى أبو القيعان قتل بدون سبب. وهذا الزعم يثير الشك لأن الحقيقة هي أن الشرطي ايرز ليفي قُتل في الحادثة. ومع ذلك، رواية الشرطة تحتاج إلى اثباتات اخرى. الافلام التي نشرت حول الحادثة حتى الآن تقنع المقتنعين. ومن اعتقد مسبقا أن إطلاق النار كان مبررا يزداد قناعة، وكذلك الحال في الاتجاه المعاكس.
هذه حادثة تحتاج إلى التحقيق الاساسي من قبل قسم التحقيقات مع الشرطة، رغم استقامة الحكومة الفورية مع قيادة الشرطة التي أعلنت أن الحديث يدور عن عملية. الحادثة تثير الكثير من علامات الاستفهام. وقبل بضعة اشهر فقط اتضح أن ما وصف كعملية دهس في شعفاط في شمالي القدس، أنه سوء فهم تسبب بإطلاق النار وقتل السائق على أيدي رجال الشرطة.
يمكن أن يكون ما تقوله الشرطة دقيق تماما، لكن حتى الآن يبدو أن هناك مبالغة من قبل المتحدثين بلسان الشرطة. ويبدو أنهم هم الجهة الحكومية الاولى التي تضع علامات التعجب في اعلاناتها لوسائل الإعلام.
لا مناص من القول إنه بسبب الحرائق في بداية كانون الاول/ديسمبر الماضي أعلن وزير الأمن الداخلي جلعاد اردان وقادة الشرطة والاطفاء أن جزءاً كبيرا من الحرائق كان على خلفية قومية. يحتمل أن صدقهم سيتحقق في المستقبل، لكن في الوقت الحالي تم إطلاق سراح العربي الإسرائيلي الاخير المشبوه بالاحراق دون تقديم أي لائحة اتهام واحدة ضده.
إن السرعة التي تقوم فيها الشرطة بالربط بين السائق وداعش مفاجئة. فقد كان السائق نشيطا في الحركة الإسلامية في إسرائيل، وكان نشيطا ضد اخلاء القرية، لكن القول بأن هناك صلة بينه وبين داعش يبدو مبكرا.
ايضا في الاسبوع الماضي ادعى رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع ليبرمان بعد زيارة موقع العملية في ارمون هنتسيف في القدس، أن المخرب الذي قام بالدهس ينتمي لداعش. وحتى الآن لم تقدم أدلة على ذلك. صحيح أن الشاباك يقلق من ارتفاع التضامن مع داعش في اوساط البدو في الجنوب. وقبل سنة قام باعتقال عدد من الاساتذة البدو الذين تم اتهامهم بعلاقتهم مع التنظيم. لكن القفز الفوري من عضوية الحركة الإسلامية إلى النشاط في داعش يحتاج إلى أدلة، وهي لم تقدم بعد.
إن هدم البيوت في أم الحيران جاء بعد اسبوع من هدم بيوت في قلنسوة في المثلث. في نهاية كانون الاول/ديسمبر توقفت الدولة عن الحركة تقريبا بسبب ازمة اخلاء البيوت في عمونة. وإلى الآن لم يهدم في عمونة أي بيت. وجهود تشريع قانون التسوية فشلت. في المقابل، يهتم نتنياهو واردان بالفائدة السياسية في اعقاب الخطوات ضد العرب. ونشأ انطباع بأن ازمة عمونة، اضافة إلى توقع الجمهور اتخاذ خطوات حاسمة ضد الإرهاب بعد عمليات مثل عملية ارمون هنتسيف، تشجعان على فرض القانون بشدة داخل الخط الأخضر. وحتى إذا استنفدت الدولة النقاش القضائي حول اخلاء البدو من أم الحيران والتزمت بالعمل، فإن السؤال هو كيف يمكن القيام بهذه العملية. والرسالة التي أعطيت للشرطة وللجمهور البدوي هي أن الحكومة مصممة.
اذا قدمت الشرطة قريبا أدلة مقنعة عن عملية الدهس، وسعت إلى تهدئة التوتر، فبالإمكان وقف النار ومنعها من الانتشار إلى باقي المناطق البدوية وإلى المجتمع العربي ككل. ايضا على أعضاء الكنيست العرب تلقى المسؤولية لإعادة الهدوء، وبعضهم لا يبادر إلى ذلك.
الاعلان الانفعالي الذي صدر أمس عن اعضاء الكنيست لن يساهم في تهدئة الخواطر، رغم أنه على حق. لا شك أنه توجد هنا مادة قابلة للاشتعال يمكن ملاحظتها في النقب منذ فترة طويلة.
مشكلات المجتمع العربي في إسرائيل لا تبدأ أو تنتهي بالتوتر مع الحكومة أو ألشرطة. وحسب شهادات مواطنين عرب هي ترتبط بالجريمة التي تنتشر في القرى العربية وعدم فرض القانون ووجود السلاح غير القانوني. ولكن اضافة إلى المظاهرات والصدامات العنيفة يجب الانتباه ايضا إلى الحقيقة التالية وهي أنه منذ الاول من كانون الثاني/يناير السنة الماضية، اليوم الذي قتل فيه المواطن نشأت ملحم من المثلث ثلاثة مواطنين إسرائيليين في عملية إطلاق نار في تل ابيب، قتل 23 إسرائيليا في العمليات. أكثر من نصف القتلى تم قتلهم على يد مخربين يحملون بطاقة الهوية الإسرائيلية، بعضهم مواطنون عرب من إسرائيل والبعض من سكان شرقي القدس. وهذا تطور مقلق يدركه الشباك ايضا.
هآرتس