فرنسا ومناكفة إسرائيل: زلمان شوفال
مؤتمر السلام في باريس، الذي اعتبره الرئيس فرانسوا اولاند يهدف إلى «اعادة الموضوع الإسرائيلي الفلسطيني إلى مركز المنصة» (متجاهلا بشكل كامل الاسباب الحقيقية للفوضى في الشرق الاوسط)، هذا المؤتمر انتهى بصوت خافت. فلم يتم اتخاذ أي قرارات حقيقية، ويمكن أن يكون سبب ذلك هو أنه واضح للفرنسيين ايضا أن «حل الدولتين» الذي تم طرحه كحل واحد ووحيد، غير قابل للتنفيذ في الظروف الحالية. هذا دون الحديث عن حقيقة انتخاب قيادة جديدة في الولايات المتحدة، ستقوم ببلورة سياسة خاصة بها.
لماذا قررت فرنسا، رغم ذلك، الاستمرار في هذا الأمر؟ هناك بضع اجابات لذلك. يمكن أن يأمل الاشتراكيون المرشحون للرئاسة في الانتخابات القادمة في فرنسا بالفوز من خلال أصوات العرب مثلما حدث في الانتخابات السابقة. ويمكن أن الفرنسيين لم يقرأوا الخارطة بشكل جيد، أي أنهم أملوا أن يأخذ الأمريكيون الكرة ويدحرجوها نحو إسرائيل، لكن هدف ادارة أوباما هو ابقاء إرث خاص به، وليس خاص بمبعوث فرنسي. من هذه الناحية، الأمريكيون هم منهجيون: عندما حاول وزير الخارجية الفرنسي اثناء ولاية الرئيس بوش الأب عقد مؤتمر مشابه، أرسله وزير الخارجية الأمريكي، ايغل بيرغر، إلى الجحيم. ومن اجل عدم ابقاء شك بأنه لا توجد لواشنطن في هذه المرة أي نية للعب اللعبة الفرنسية، سارع وزير الخارجية جون كيري وأبلغ رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو بأن الولايات المتحدة لا تنوي السماح للفرنسيين أو غيرهم بتقديم قرارات مؤتمر باريس على أنها اقتراحات لمجلس الامن.
يمكن القول ايضا إن مواقف الكونغرس والنشاط الدبلوماسي الكثيف لإسرائيل أسهما في وجود هذه المواقف. وبشكل عام، من الغريب أن يقوم رئيس ليست له شعبية وحكم حزبه الاشتراكي سينتهي بعد بضعة اشهر، بالوقوف على رأس مبادرة دولية تهدف إلى فرض امور على دولة ديمقراطية في شؤون تخص مصيرها ومستقبلها.
لقد اعتبر رئيس الحكومة نتنياهو المؤتمر «خدعة فلسطينية برعاية فرنسية»، لكن من اجل الحقيقة، اتخذت فرنسا منذ حرب الايام الستة خط اغير مريح لإسرائيل. وهذا ما حدث عندما أيدت مواقف العرب والاتحاد السوفييتي فيما يتعلق بقرار مجلس الامن 242، حيث زعمت أن ذلك يستوجب الانسحاب من جميع المناطق. هذا الادعاء كان مناقضا لموقف الولايات المتحدة وبريطانيا، اللتين بادرتا للقرار وأعلنتا أن المقصود هو الانسحاب من مناطق، أي ليس من جميع المناطق. وأن الشرط هو رسم حدود أمنية متفق عليها ووقف حالة الحرب. وفي العام 1980 بادرت فرنسا إلى «اعلان فنيسيا» من قبل الاتحاد الأوروبي، والذي طالب بوجود «حق تقرير مصير كامل» للفلسطينيين. أي اقامة دولة. إن أمل الفلسطينيين أن تقوم دولتهم في باريس، أو على الأقل اتخاذ قرارات وجدول زمني ملزم، تلاشى. وما تبقى هو التوصيات غير الملزمة.
تزعم مصادر أمريكية أنها عملت على تقليل التوقعات من المؤتمر. ورغم ذلك نجح الفرنسيون في ادخال «دعوة للطرفين بالتنصل من الجهات الرسمية في حكوماتهما التي تعارض حل الدولتين». هذه الدعوة موجهة فقط لإسرائيل، ومعناها التدخل الفظ في الشؤون الداخلية. إسرائيل، وبحق، تعارض المؤتمرات الدولية التي تكون فيها أقلية. هكذا نجح موشيه ديان في حينه في افشال مؤتمر جنيف، واسحق رابين حول مؤتمر مدريد إلى حدث ومراسيم لإطلاق عملية المفاوضات المباشرة بين إسرائيل والأطراف العربية المختلفة.
إن تشكيل ادارة ترامب قد يضع حدا لمحاولات حل المشكلة الفلسطينية عن طريق مبادرات دولية فارغة مثل تلك التي فشلت في هذا الأسبوع في باريس. وهكذا ستنشأ فرصة جديدة لنتنياهو من اجل القيام بخطوات حقيقية لحل الصراع الأبدي مع الفلسطينيين، بالتعاون مع جهات هامة في العالم العربي وبتأييد فعلي من الولايات المتحدة.
إسرائيل اليوم