بقلم غالب قنديل

النسبية تحتاج الى الشارع

 

غالب قنديل

تعامل الدعوة الى اعتماد النظام النسبي في قانون الانتخابات وكأنها نذير ثورة كبرى ويتعاطى رافضو هذا الخيار مع اقتراح النظام النسبي على انه تهديد لطوائف بعينها أو تهديد لزعامات وقيادات سياسية والواقع الفعلي ان في ذلك مبالغة مقصودة لتحريض الجمهور من أجل الوقوف في طريق اعتماد النظام النسبي.

فالنسبية لو طبقت في الانتخابات النيابية المقبلة لن تهز المواقع المتقدمة للكتل الرئيسية تمثيليا وسياسيا كل ما سوف تفسح المجال أمامه هو تمثيل قيادات وكتل سياسية مضطهدة بقوة الاجتياح الاكثري وممنوعة من الحضور في البرلمان واحيانا رغم امتلاكها لنسبة مئوية معتبرة من مجموع الناخبين فكل النتائج التي صدرت بعد الانتخابات التي جرت على أساس النظام الاكثري تشير الى انه في جميع الدوائر الانتخابية تواجدت قوى معارضة للقيادات التي تحتكر تمثيل الطوائف وقد حرمت من التمثيل النيابي رغم انها حازت ما يتخطى الثلاثين بالمئة من مجموع اصوات الناخبين وبالتالي فان النظام الاكثري يصادر حق هذا الثلث في ان يكون ممثلا ومعبرا عنه سياسيا داخل المجلس النيابي.

ما تهدده النسبية ليس الطوائف بل احتكار تمثيل الطوائف بيد زعامات وقوى وكتل تتربع على رأس النظام اللبناني منذ صيغة عام 43 وإخلال هذه المعادلة لصالح المزيد من التعدد السياسي بات ضرورة لتثبيت الوحدة الوطنية ولمنع الاستقطاب الطائفي عند كل اختلاف أو نقاش أو صراع سياسي فعندما تكون التلاوين السياسية المتعددة في قلب الطوائف ممثلة في المجلس النيابي يصبح من البديهي الا يتخذ الجدل والصراع والاختلاف طابعا طائفيا وهذا من الشروط الضرورية والحاسمة لحماية الاستقرار.

كما تسمح النسبية بفرص جدية لتمثيل احزاب وتيارات وقوى اخرى تتميز بالطابع العلماني الراديكالي وهي محرومة تاريخيا من فرص التمثيل السياسي والنيابي ومطاردة بقوة اعتماد النظام الانتخابي الطائفي والاكثري لمنعها من الحضور في معادلات القرار بينما يمكن ان تشكل النسبية فسحة لها لتفرض حضورها وهي فرصة تمثيلية سياسية تستكمل الطيف اللبناني العام.

ان تطبيق النسبية لن يشيل الزير من البير اي انه لن يقود الى ثورة شاملة في النظام السياسي اللبناني فالقوى السياسية المهيمنة راهنا باسم احتكار تمثيل الطوائف ستبقى قوى اساسية حاضرة بنتيجة الانتخابات لكنها ستكون مضطرة للشراكة مع قوى اخرى عمدت الى تغييبها وشطبها بقوة البوسطات الاكثرية وهذا تغيير جيد وتقدمي لأنه يفرض صيغة شراكة كاملة بين سائر المكونات السياسية ولا يضطهد اي جهة بالمنع والحظر المفروض حاليا وهذا ما يحرك الحملات الغاضبة على النسبية فالحقيقة انه لا الطوائف مهددة بنتيجة النظام النسبي ولا هناك خطر لشطب اي جهة سياسية فجميع القوى ستمثل مع النسبية بحجم ما تمثل شعبيا وعلى مستوى المجتمع اللبناني بصورة عامة.

النسبية ستضمن ان تحصل كل جهة على الحجم الذي يتيحه لها مقدار التأييد الذي تحظى به طروحاتها وخياراتها السياسية في الشارع اللبناني.

من الواضح تماما ان محاولة حثيثة لقطع الطريق على ادخال النسبية باي قدر كان في النظام الانتخابي تجري وتجتمع لها قدرات وامكانات ومواقع سياسية واعلامية كبرى ومن الواضح ان المستهدف بذلك بصورة رئيسية هو عهد الرئيس العماد ميشال عون الذي وعد بتغيير قانون الانتخاب واحداث نقلة الى الامام في النظام السياسي اللبناني انطلاقا من قانون جديد للانتخابات ومن الواضح تماما ايضا ان التيار الوطني الحر قد التقط هذا المؤشر ولذلك صدر عنه بيان اعتبر انذارا بثورة شعبية قادمة سيشارك فيها التيار كما قاله مكتبه السياسي ورئيسه الوزير جبران باسيل وهذا بذاته يشكل حافزا لجميع القوى الاخرى المنادية بالنسبية والمدعوة اليوم لرص الصفوف فان يكون في قلب هياكل الدولة ومؤسساتها اطراف تتمسك بالنظام النسبي كحزب الله وحركة أمل والتيار الوطني الحر وسواها ذلك يعني ان اي تأخير في العمل المشترك والسير معا الى فرض النسبية بتحرك شعبي واسع سيكون على حساب مستقبل اللبنانيين وعلى حساب فرصة التغيير السياسي التي حملها انتخاب الرئيس العماد ميشال عون.

تاهت نقاشات انصار النسبية في كثير من الزواريب والحسابات الصغيرة خلال الاشهر الماضية وتم هدر الزمن الذي كان يفترض استثماره في اوسع عملية تعبئة وحشد شعبي لتكون الناس حاضرة للتحرك في الشارع من اجل فرض ارادتها في الوقت الذي يضيق كثيرا معه الاجل المقرر لإقرار قانون الانتخابات.

يجب ان توضع عملية اقرار قانون الانتخابات تحت ضغط الشارع وان يفرض بذلك على الكتل السياسية الرضوخ لحقيقة القبول باعتماد النسبية كليا او جزئيا فمن الواضح ان خط التراجع الاحتياطي عند خصوم النسبية هو السير بوصفة المختلط وأيا كان المقدار الذي ستحدثه من تغيير ستبقى مؤشرا ايجابيا يمكن التقدم فيه الى الامام خلال السنوات المقبلة والانتخابات النيابية المقبلة لكن ان يعاد انتاج الواقع البائس بكل مآسيه فهذا امر خطير وسلبي للغاية والمراد به كسر جميع الآمال التي رسمت على انتخاب الرئيس ميشال عون.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى