اضطراب مواقف ترامب… حميدي العبدالله
يلاحظ بكلّ سهولة وجود اضطراب في مواقف الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب من قضايا إقليمية ودولية. مثلاً ترامب أثناء حملته الانتخابية ورداً على منافسته المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون، قال إنّ الاستجابة للدعوات لإقامة مناطق آمنة في سورية يقود إلى حرب مع روسيا، ولكنه الآن يقول إنه سيعمل على إقامة هذه المناطق، ولكن شرط أن تموّلها الدول الخليجية.
وفي أحدث تصريحات له اعتبر أنّ احتلال العراق كان خطأً تاريخياً، ولكنه عندما يتمسك بالدعوة إلى إقامة مناطق آمنة في سورية، يعني هذا أنه عازم على توريط الولايات المتحدة بحرب أكثر تعقيداً من حرب العراق. ويمكن لحظ تناقضات مماثلة في مواقف الرئيس الأميركي المنتخب إزاء قضايا دولية أخرى.
لكن ما هو السبب في هذه المواقف المتناقضة؟
واضح أنّ رؤية ترامب للسياسة الخارجية الأميركية تختلف عن الرؤية التقليدية للإدارات الأميركية المتعاقبة، ولا سيما بعد تفكك الاتحاد السوفياتي، سواء كانت هذه الإدارات جمهورية، وهنا تحضر إدانته لغزو العراق، أو ديمقراطية من خلال اعتراضه على مجمل السياسة التي اعتمدت في عهد الرئيس باراك أوباما. لو أنّ القرار لشخص الرئيس الأميركي لكانت سياسة الولايات المتحدة الخارجية هي ترجمة لما التزم به ترامب أثناء حملته الانتخابية. لكن ترامب في منصب رئيس الولايات المتحدة مضطر لاتخاذ مواقف تعبّر عن التوازن في مواقف ثلاث تيارات في النخبة الحاكمة الأميركية. التيار الأول المناصر للكيان الصهيوني، والذي يسعى لإلزام أيّ رئيس أميركي بتنفيذ توصيات محركها الأساس مصالح الكيان الصهيوني، وليس مصالح الولايات المتحدة، ويملك هذا التيار نفوذاً واسعاً في صفوف الحزبين الجمهوري والديمقراطي ومن الصعب على أيّ رئيس أميركي الإفلات من ضغوط وتأثير هذا التيار. التيار الثاني تمثله مؤسسات أميركية مثل وكالات الاستخبارات والمؤسسة العسكرية، وهذه المؤسسات لها تأثير بكلّ تأكيد على ساكن البيت الأبيض، بمعزل عن رأيه الخاص.
التيار الثالث، يضمّ الجهات التي أوصلت دونالد ترامب إلى البيت الأبيض على الرغم من معارضة حزبه والقيادات التقليدية الجمهورية.
تناقض مواقف ترامب هي حصيلة التوازن بين هذه التيارات الثلاث، وستكون السياسة الأميركية خلاصة تسوية بين هذه التيارات.
(البناء)