مزاعم التدخل الروسي في الغرب
غالب قنديل
تتلاقى حكومات وزعامات وأحزاب سياسية عديدة في الغرب على اتهام روسيا بالتدخل في شؤونها الداخلية ولاسيما في معاركها الانتخابية انطلاقا من الدور النشط لوسائل الإعلام الروسية الفضائية والإلكترونية التي باتت تلقى رواجا كبيرا في دول الغرب بالنظر لاتقان إعلامييها اللغات الأجنبية وبفضل ما اكتسبته من مصداقية وثقة بمعلوماتها واخبارها في مواكبة الحروب التي شنها الغرب على سورية واوكرانيا وليبيا وغيرها بقيادة الولايات المتحدة وفي فضحها لدور حكومات الناتو في تبني واحتضان وتأسيس شبكات الإرهاب التكفيري التي باتت أخطار ارتدادها هاجسا لمواطني اوروبا والولايات المتحدة وسواها من الدول في جميع انحاء العالم.
ما عرفناه على امتداد اكثر من نصف قرن هو ان الدول الغربية مجتمعة تفننت في إصدار الكتب وعقد المؤتمرات واستقطاب المنشقين وتفعيلهم من الخارج وإنشاء الإذاعات الموجهة إلى روسيا وإلى سائر ارجاء الاتحاد السوفيتي ودول حلف وارسو وقادت تحركات لزعزعة الاستقرار في تلك الدول والمجتمعات وجندت الجواسيس في كل مكان وهو ما تكشف منه الكثير خلال العقدين الأخيرين وآخر جولات العبث والتخريب الأميركي الغربي كانت تدبير الانقلاب الأوكراني الذي تم فضحه بتسجيلات موثقة لمكالمات اجرتها فيكتوريا نولاند معاونة الوزير جون كيري من مكتبها في الخارجية الأميركية لإبلاغ تعليمات سمت خلالها المرشحين للمناصب العليا من الفريق الانقلابي الأوكراني الذي تبناه المحافظون الجدد في إدارة باراك اوباما أما في سورية فإن الغرب وعملاءه في المنطقة أقاموا منصات العدوان وفرضوا حصارا شديدا وقاسيا على الجمهورية العربية السورية بقصد تركيعها وكسر إرادتها الاستقلالية وبثوا اخبارا كاذبة وملفقة على مدار الساعة وكانت الخارجية الأميركية والاستخبارات المركزية وعملاؤهما في الرياض والدوحة واسطنبول هي المرجعية في تفريخ الاحزاب والواجهات والائتلافات السياسية والفصائل العسكرية الإرهابية متعددة الجنسيات لتقويض الدولة السورية والحصيلة تبين ان من دعمتهم حكومات الغرب وعملاؤها الإقليميون كانوا مسميات متعددة لحقيقة واحدة هي القاعدة وداعش.
اما في إيران فزمر العملاء والمنشقين والجواسيس تحظى بالرعاية الغربية منذ انتصار الثورة وقيام الجمهورية وما سمي بالثورة الخضراء قبل سنوات كان واقعيا نموذجا لمؤامرة أميركية غربية مدبرة هدفها تقويض استقلال إيران والاتيان بحكم يستسلم للهيمنة الغربية وجاهز لمصالحة الكيان الصهيوني وللرضوخ لمشيئة الغرب في المنطقة بالكف عن دعم ومساندة حركات المقاومة.
في الصين حدث ولاحرج فالغرب كله لا يفوت فرصة للتلاعب بالداخل الصيني بهدف زعزعته وإثارة الاضطرابات وتغذية النزعات المعادية للحكم الصيني الحالي رغم كل الرياء والنفاق الذي يضخ علانية ويكفي أن يجري تحويل أقلية الإيغور إلى معين احتياطي منتج للإرهاب برعاية مخابراتية أميركية سعودية وتركية.
عندما امتلكت روسيا آلة إعلامية ناجحة تقنيا وقادرة على الانتشار باللغات الأجنبية وقدمت تغطية موضوعية غير منحازة للأحداث والتطورات تعالى الصراخ عن تدخلات روسية مزعومة ومن غير اعتبار لحرية الإعلام التي تشكل محور الخطب الغربية عن الديمقراطية بل شرعت دوائر التخطيط الأوروبية والأميركية تتحدث عن معاقبة وسائل الإعلام الروسية وحظرها تماما كما جرى بالنسبة لقنوات عربية وإيرانية فضحت التآمر الغربي الصهيوني على المنطقة إضافة إلى شيطنة الدور الروسي استباقيا من خلال تحريض منظم وعدواني.
الصورة العالمية تنقلب ومركز العالم يتحرك واللغو الغربي الفارغ عن تدخلات يهدف للتنصل من تبعات الفشل الكبير بعد الحروب والكوارث التي جلبتها حكومات الغرب على العالم وعلى بلدانها الغارقة في ركود خانق ومشاكل اجتماعية لاحصر لها وفي حالة متمادية من الاضطراب السياسي الذي ينذر بتفجر تناقضات كثيرة فما جرى في الانتخابات الرئاسية الأميركية لم يكن سوى بداية متواضعة لتحولات قادمة لا يمكن معها كتمان الحقائق التي يفضحها الإعلام الروسي ويكشفها للرأي العام الغربي الذي يريد حكامه التكتم على المعلومات التي تثبت مسؤولياتهم عن الضرر اللاحق بشعوبهم وبلدانهم وهم يسعون لتشويه الصراع الضاري على السلطة بينهم وبين المنادين بسلوك طريق العودة من المغامرات الدموية وكالعادة فإن الشيطنة الاستباقية هي الطريق لاعتراضهم والتهمة الدارجة اليوم هي ان هؤلاء الذين يعارضون احزاب الحروب ومرشحيها البائسين كهيلاري كلينتون ليسوا سوى عملاء روس فيا لها من مسخرة تافهة كمطلقيها ومروجيها!.